مرّ قطوع الفتنة وبقي الغموض

فيما استعيد جثمان منسّق حزب «القوات اللبنانية» باسكال سليمان وسيارته من سوريا، وسط أجواء مشحونة بالغضب والاستنكار واتساع دائرة التحقيقات لكشف كل ملابسات الجريمة ودوافعها وإنزال أشد العقوبات بمرتكبيها، نشطت الاتصالات في مختلف الاتجاهات وعلى كل المستويات الرسمية والسياسية والامنية لمنع اي ردود فعل عليها يمكن ان تهدد الامن الوطني والسلم الاهلي، فيما يتطلّع الجميع الى مرحلة ما بعد عيد الفطر لعلها تكون بداية لانطلاقة جديدة في اتجاه إنقاذ لبنان من ازماته المتناسلة. لكنّ هول الجريمة ومضاعفاتها لم يحجبا الاهتمام ببقية القضايا الداخلية وعلى الجبهة الجنوبية، وفي هذا الاطار إجتمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع المنسقة الخاصة للأمين العام للامم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا التي أطلعته على نتائج زيارتها لنيويورك واجتماعها مع اعضاء مجلس الامن فيما يتعلق بالقرار الدولي 1701 ودعم الجيش اللبناني.

مَرّ لبنان في قطوع كبير وخطير كاد ان ينزلق معه السلم الأهلي إلى ما لا تحمد عقباه، إثر مقتل منسق حزب «القوات اللبنانية» في جبيل باسكال سليمان على يد عصابة سرقة سيارات حسبما دَلّت التحقيقات الى الآن... القطوع مر لكن الحقيقة بقيت غامضة.

وكشف مصدر حكومي بارز لـ«الجمهورية» انّ نقاطاً مهمة جداً بقيت عالقة وملتبسة في مسار الجريمة والتحقيق معا. وقال: «حسناً فعلت الأجهزة الأمنية بسحب فتيل التفجير لكن اسئلة عدة بقيت من دون اجوبة، وهذا ما يشير إلى وجود قطبة مخفية خصوصاً لجهة تسريب الفيديو وانتشاره بسرعة فائقة كالنار في الهشيم وكأنّ المطلوب كان مخططا لفتنة كبيرة لبث نفس التحريض والاستفادة من الثغرات التي لم تتضِح في التحقيق».

وعلمت «الجمهورية» ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصل بوزير الداخلية بسام مولوي أمس الأول وقال له: «يجب ان نتحرك سريعا، وفي هذه الحالة على المجلس الأعلى للدفاع ان ينعقد فوراً لكن لا أستطيع دعوته نظراً لحساسية المرحلة وفي ظل الفراغ الرئاسي وحتى لا أتّهَم مرة جديدة بمصادرة صلاحيات الرئيس، لذلك اطلب منك دعوة مجلس الأمن المركزي الى الاجتماع في إطار المتابعة الحكومية، وانتظر تقريرا مفصلا حول الواقعة»...

حجّار وشرف الدين

وفي هذا الاطار تحدث وزير الشؤون الاجتماعة هيكتور حجّار لـ«الجمهورية» عن الاجراءات الواجب ان تتخذها الحكومة في حق النازحين السوريين غيرالشرعيين: «ان الموضوع الامني للنازحين هو في يد الاجهزة العسكرية والامنية لا في يد الحكومة، وبالنسبة الى ما خصّ موقفي حول الاجراءات المطلوبة فقد قلتُ ما قلته مراراً وهو معروف». واضاف: «ما قلته هو أنّ الأوروبيين أبلغوني خلال جولتي الأوروبيّة الأخيرة بخفض سقف المساعدات الماليّة للنازحين السوريين المقيمين في لبنان، وإنّ مسؤولاً فرنسياً في الاتحاد الأوروبي كشف أنّ مصير السوريين في لبنان سيكون مماثلاً لمصير اللاجئين الفلسطينيين، وعلينا كلبنانيين أن ننسى الحدود التي رسمتها فرنسا وبريطانيا، فسايكس ـ بيكو يُعاد رسمه في المنطقة مع تغيير ديموغرافي في لبنان!».

ولفت الانتباه أمس كلام وزير المهجرين المكلف من الحكومة متابعة الملف مع السلطات السورية الدكتورعصام شرف الدين، عن «وجود 20 الف مسلح في مخيمات النازحين بينطِلبوا في ساعة الصفر».

وقالت مصادر مطلعة ان كلام الوزيرين المعنيين بملف النازحين يسلّط الضوء اكثر على تفاقم مشكلة النازحين وتحولها قضية وطنية وليس مجرد قضية امنية او انسانية، او حتى اقتصادية بالنسبة الى النازح الذي لا يجد عملا في سوريا نتيجة اوضاعها الاقتصادية وكأنّ وضع لبنان الاقتصادي والخدماتي افضل؟ وهذا الامر بات يفرض على الحكومة البدء بتنفيذ خطة عودة النازحين التي أقرّها مجلس الوزراء العام الماضي وتوقف تنفيذها بطلب من الدول الغربية، مرفقاً بتهديدات بقطع كل المساعدات (الشحيحة اصلاً) واتخاذ إجراءات في حق لبنان، تحت عناوين حقوق الانسان وحق اللجوء ومساواة السوري النازح وغير النازح باللبناني في العمل والاقامة... الى ما هنالك من خطط ومشاريع باتت تهدد لبنان على كل المستويات.

وقد جاءت جريمة خطف سليمان وقتله لتزيد حماوة هذا الملف والضغط على الحكومة، بهدف وقف التلكؤ ومسايرة دول الغرب على حساب مصلحة لبنان وشعبه بالامن والاستقرار.

وقال مولوي بعد اجتماع مجلس الامن المركزي امس: «انّ جريمة قتل باسكال سليمان ارتكبها سوريون»، موضحًا أنّ «التحقيقات بوشرت منذ اللحظات الأولى وكل الأجهزة الأمنية والعسكرية تنسّق بين بعضها البعض الآخر»، مشيرًا إلى أنّ «السيارة المُستخدمة في العمليّة سُرقت من الرابية قبل أيّام». موضحًا «أننا لن نقبل إلّا بكشف خيوط الجريمة كاملة وإصدار القرار العادل بحق المرتكبين»، ومؤكدًا أنّ خيوط الجريمة ستكشف طالما أن المرتكبين تم إيقافهم، و»دعونا لا نقارن جريمة باسكال سليمان بغيرها». وأوضح أنّ «الوجود السوري غير مقبول ولا يتحمله لبنان، ونرى أن هناك كثيرا من الجرائم يرتكبها سوريون»، كاشفًا أنّ «نسبة الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية بلغت 35% تقريباً».

وردًا على كلام وزير المهجرين عن وجود 20 الف مسلح في المخيمات، قال مولوي: «لا أعلم إذا قام (الوزير) بِعَدّهم، ولدى القوى الأمنية كل المعلومات في ما خص المخيمات». وأوضح أنّ إحالة قضيّة سليمان على المجلس العدلي «يقرّرها مجلس الوزراء وفقًا للأصول».

تحقيق شفّاف

في غضون ذلك، ينتظر ان يستقر جثمان سليمان في مستشفى سيدة المعونات في جبيل بعد ان يتم نقله من المستشفى العسكري بعد تشريح الجثة على يد اطباء شرعيين وذلك في اطار التحقيق في الجريمة ولمعرفة اسباب الوفاة، خصوصاً انّ ما شاع من معلومات اشار الى ان سليمان قضى داخل صندوق السيارة الذي وضع فيه بعد خطفه وتعرّضه للضرب على الرأس بأعقاب مسدسات خاطفيه نتيجة مقاومته لهم.

ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر قضائي قوله إن «إفادات الموقوفين أجمعت على أن الدافع الوحيد للجريمة هو سرقة» سيارة سليمان. واشار الى أن الموقوفين «اعترفوا بأنهم ضربوه بأعقاب المسدسات على رأسه ووجهه حتى يتوقف عن مقاومتهم، ومن ثمّ وضعوه في صندوق سيارته (...) ودخلوا إلى سوريا». وأضاف: «عندما وصلوا إلى الأراضي السورية، تبين لهم أنه فارق الحياة».

وعُثر على الجثة في الأراضي السورية، بحسب المصدر العسكري الذي لفت إلى أنّ المشتبه بهم ينتمون إلى عصابة نفّذت كثيراً من عمليات سرقة لسيارات فخمة في لبنان.