المصدر: الجمهورية
الخميس 5 تشرين الأول 2023 07:42:03
يُجمع المتابعون للمسعى القطري على استنتاج شكلي خلاصته أنّ الوسيط القطري جاسم بن فهد آل ثاني، يتابع مهمته مع الاطراف اللبنانيين المعنية بالملف الرئاسي، بحسب ما هو مرسوم لها. لكنّ هؤلاء المتابعين على اختلاف مستوياتهم ومواقعهم، لم يدركوا بعد إلامَ وصلَ في مسعاه، وما حقّقه حتى الآن!
اذا كان غياب المعطيات حول المسعى القطري، او بالاحرى حجزها المتعمّد ضمن مساحة ضيقة داخل الغرف المغلقة، قد اعتُبر اشارة واضحة على مدى جديّة هذا المسعى، تعكس في الوقت نفسه، قرارا صارما بالنأي بهذه المعطيات عن ألسنة التشويش و«الشوشرة» السياسية وغير السياسية، التي من شأنها أن تُربك مهمة الوسيط القطري، وتعرقل مسعاه لكسر الطوق الرئاسي، إلا أنّ طول أمد المهمة التي بدأت منذ اسبوعين، من دون أن يتسرّب من جوانبها ما يؤشّر الى إحراز الوسيط اي تقدّم يذكر، أو ما يوحي بأنه لمس شيئاً من الليونة لدى اطراف الصراع الرئاسي حيال ما يطرحه، يعزز احتمال أن يتصاعد الدخان الابيض من مدخنتها. كل ذلك، وفق معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» اثار شكوكا على اكثر من صعيد سياسي بنجاح هذا المسعى حيث يبدو أنه يدور حول نفسه، ولم يتمكن حتى الآن من تجاوز ما هو مزروع في الطريق الرئاسي من عثرات ومطبّات وتعقيدات. كما لم يتمكّن من جذب هذه الاطراف الى مساحة مشتركة يمكن ان يُبنى عليها أمل بتوافق على انجاز هذا الاستحقاق، بدليل استمرار هذه الاطراف في حملاتها السياسية والاعلامية ضد بعضها البعض.
وكما بات معلوما، فإن المرتكز الاساس لمهمّة الوسيط القطري، هو تثبيت خيار رئاسي جديد، وفي خدمة هذا الهدف، كانت له مروحة لقاءات واتصالات.
وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» فإنّ المتداول في الصّالونات والمجالس السياسيّة، يشير فقط الى تفاعل جنبلاطي ايجابي مع الطرح القطري، خلاصته ما مفاده «ان لا فيتو على أيّ من الخيارات التي يطرحها الوسيط القطري، وانه آن الاوان لأن يُطوى ملف الرئاسة وينتخب رئيس للجمهورية». فيما سائر الاطراف ما زالت ثابتة على مواقفها وخياراتها الرئاسية المعلنة.
وتضيف مصادر المعلومات انه بمعزل عن العناوين الكبرى التي طرحها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لناحية البرنامج والمواصفات، فهو شديد الحماسة لخيار رئاسي جديد يُبعد الوزير سليمان فرنجية والعماد جوزف عون. وقد عبّر التيار عن موقفه هذا خلال اجتماع مجلسه السياسي أمس، حيث اكد «أن التيار يبذل كل المساعي لتأمين توافق وطني على إسم يحمل في شخصه مؤهلات الرئاسة في هذه المرحلة ويملك رؤية إصلاحية إنقاذية وقدرة على التعاون مع حكومة إصلاحية لمواجهة التحديات والمخاطر الداهمة. لافتاً الى ان التيار ليس معنياً بالتهويل وبتخويفه من فقدان جنة الحكم، ويرى أن الخيار الخاطئ في موقع الرئاسة الأولى ستكون له انعكاسات سيئة ربما أخطر من الفراغ. والأولوية تبقى لانتخاب رئيس واعادة تكوين السلطة والبدء بالحل الانقاذي».
فيما ثنائي حركة «امل» و«حزب الله» يقارب الاسماء التي جرى تسريبها لحظة انطلاقة المسعى القطري كخيارات رئاسية جديدة، بوصفها مجموعة أسماء مطروحة لا أكثر، ولم يقدم حتى الآن أيّ اشارة من قريب او بعيد تفيد بأنّه في وارد التخلي عن دعم فرنجية، والموقف النهائي لهذا الثنائي أنه لا يقارب اي اسم مطروح بجدية، طالما ان الوزير فرنجية ماض في المعركة الرئاسية. ومعلوم هنا ان الوزير فرنجية وكما يؤكد العارفون، مصمّم على المضي في هذه المعركة حتى نهاياتها.
خلاصة ما تقدم، كما تقول مصادر المعلومات الموثوقة، انّ توافق المكونات الداخلية «خيار رئاسي جديد» صعب جدا، إن لم يكن مستحيلا، ما يعني أنّ تعقيدات الملف الرئاسي ما زالت على ما كانت عليه قبل انطلاق المسعى القطري. وهو الامر الذي ينسف كل الفرضيات والتوقعات والرهانات على انفراج رئاسي في المدى المنظور».
هل هناك مبادرتان؟
على انّ ما يستدعي لَحظه في هذا السياق، انه في موازاة المسعى القطري الذي لم تتبلور نتائجه حتى الآن. كانت لافتة للانتباه عودة الحديث مجدّداً عن أنّ المبادرة الفرنسيّة ما زالت قائمة، وفيما ذهب بعض المراقبين الى اعتبار ذلك «نعيا مسبقا للمسعى القطري واشارة واضحة الى انسداد الافق أمامه، ما استدعى عودة باريس الى الامساك بزمام المبادرة الرئاسية»، أبلغت مصادر سياسية واسعة الاطلاع الى «الجمهورية» قولها: بعيدا عن كلّ التحليلات والمبالغات، فإن قمة الخطأ لا بل الغباء ان تطلق افتراضات بأن فرنسا تُزاحم قطر او ان قطر تزاحم فرنسا، فالفرنسيون والقطريون حاضرون في الملف الرئاسي، وليس من الخطأ القول انّ ثمّة مبادرتين قائمتان وقد يكون في ذلك شيء من الصحة، ولكنّ الأصحّ هو انّهما من حيث الشكل مسعيان متكاملان منبثقان عن اللجنة الخماسيّة، ويتحرّكان وفق توجّهاتها ضمن مسار الحل الرئاسي الذي تؤكد عليه، بحيث انهما يرميان إلى تحقيق ما اصطلح على تسميته بـ«الخيار الثالث». وهو ما روّج له الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في زيارته الثالثة، وما يسعى اليه الوسيط القطري جاسم بن فهد آل ثاني.
وإذ تلفت المصادر عينها الانتباه الى «أنّ ما هو اهم من كلّ ذلك، وبمعزل عما اذا كان ثمة مسعى او اثنين او اكثر، هو هل ثمة امكانية لإقناع مكونات الانقسام السياسي بالوصول الى ما يسمى «الخيار الثالث»، ومتى وكيف؟ تؤكد مصادر مسؤولة لـ«الجمهورية»: لا احد يملك عصا سحرية، فحتى الآن، لا تؤشر الامور المرتبطة بالمسعى القطري الى بلوغ ايجابيات او خطوات يمكن اعتبارها نوعية. وثمة من يقول إنّ الصورة قد تتوضح اكثر مع وصول لودريان الذي قال انّه سيقوم بزيارة قريباً الى بيروت من دون أن يحدد موعدها. ولكن سبق للودريان ان قام بثلاث زيارات الى بيروت وغادر مثقلاً بالفشل، واغلب الظن إنْ حضر لودريان، أنّنا سنكون امام فشل رابع، لأنّ الواقع التعطيلي في لبنان ما زال هو هو، ولم يتغير».
على ان اللافت للانتباه ما اكد عليه مرجع سياسي لـ«الجمهورية» بـ«أننا بلغنا آخر الخط، ويجب أن نخلص وننتهي من كلّ هذه اللعبة البشعة، «ما عاد فينا نكمّل هيك»، ولم يعد امامنا سوى ان نقرر ونختار بين ان نُسارع الى انتخاب رئيس الجمهورية، وبين ان نبقي رئاسة الجمهورية معطلة وشاغرة لسنوات».
وقال المرجع: على الرغم من أن حركة المساعي الخارجية الفرنسية او القطرية او من اللجنة الخماسية، لم تصل الى بلورة مخارج للازمة الرئاسية، فإنّني أُبقي الأمل معلّقا على مثل هذه الحراكات. إن سألتني اذا كنت متفائلا او متشائما؟ لا انفي أن كفة التشاؤم طابشة لدي، ولكنني لستُ مسلّماً بذلك، حيث انني لا اخرج من حسباني على الاطلاق احتمال أن تحصل مفاجأة غير متوقعة في أيّ لحظة، تحرّك الملف الرئاسي الى الامام وتفرض انتخاب رئيس للجمهورية».