مشروع توسعة المطار: شوائب و"الأشغال" تتراجع

طويت صفحة موضوع تلزيم إنشاء مبنى جديد للمسافرين في مطار بيروت أو ما اشتهر في الأيام الماضية تحت مسمّى "Terminal 2، وبدا لافتاً أن وزارة الأشغال العامة التي خرج المشروع من "قبّعتها"، اتّخذت بنفسها قراراً معاكساً بإعادة عقد توسيع المرفق العام إلى القبّعة؛ هذا في الظاهر! ولكن المضمون اللافت بالنسبة إلى مراقبين سياسيين، تمحور حول الأبعاد السياسية وطلب "حزب الله" سحب العقد. وإذا كان وزير الأشغال علي حمية قالها صراحة إنه يمثّل "حزب الله" على المقعد الوزاريّ، فهل كان ليتّخذ قرار توسعة المطار المثير للجدل حول مدى قانونيته وشفافيّته بلا موافقة مرجعيته السياسية؟ وأيّ صورة تعكسها "المواكبة الحزبية والمَونة السياسية" في موضوع من الضروري أن يستند إلى أسس علميّة؟! وهل هي قبّعة "حزب الله" التي ظهّرت المشروع ثم أعادته بكلمة سحريّة؟ لا يخفى بالنسبة إلى نواب معارضين لمحور "الممانعة"، أنّ الاجابة على سؤال مماثل تأتي من إطار أوسع، طالما أن اللبنانيين يعيشون حالياً في دولة يديرها "حزب الله" ويسيطر عليها، ولا حاجة إلى التساؤل حول دوره في كلّ "شاردة وواردة".

في الشكل، سحب وزير الأشغال أمس مشروع توسعة المطار قبل دخوله إلى جلسة لجنة الأشغال العامة. وفي مؤتمر صحافيّ تحدّث خلاله من منبر البرلمان، قال حميّه: "رغم أهمية المشروع، وعلى إثر الجدل القانوني الحاصل في مشروع إنشاء المبنى الجديد للمسافرين في المطار، تبين أن هناك وجهتي نظر قانونية للموضوع، أضف إلى ذلك أن المشروع اتخذ منحى غير المنحى الذي كنا نبتغيه". وأضاف حميه: "بناء على طلب من الجهة التي أتشرّف في تمثيلها في الحكومة اللبنانية وهي "حزب الله"، وحسماً للاختلاف الحاصل والجدل الحاصل أعلنها وبكل شجاعة عدم السير بالعقد واعتباره وكأنه غير موجود". ومن جهته، رحّب رئيس لجنة الأشغال النائب سجيع عطية في قرار العودة عن مشروع توسعة المطار، شاكراً وزير الأشغال بإسم اللجنة على ما سمّاها "هذه الحكمة وإعلانها من المجلس النيابي، فهذا كبرٌ واحترام للمجلس النيابي والسلطة الرقابية".

تجدر الإشارة إلى مُلاحَظات علمية متعدّدة مطروحة حول مشروع توسعة المطار، وثمة من يلفت إلى دور أساسي اضطلع به الرأي العام المعترض حتى سُحِبَ العقد. وهناك من يقول إن وزارة الأشغال اتخذت قراراً أكبر من حجمها الفعلي، وإن الترتيبات العلمية الضرورية لعقد الإنشاء ليست من صلاحياتها أساساً. وفي غضون ذلك، تبرز نقطتان أساسيتان يضيء عليهما القاضي زياد شبيب لـ"النهار" في إطار مقاربة المنحى القانوني للمسألة، كالآتي: "أولاً، إنّ عقد توسعة المطار المذكور هو عقد إنشاء وتشغيل وتسليم BOT على 25 سنة، أي عقد امتياز في لغة القانون والدستور اللبناني. ويخضع للمادة 89 من الدستور التي تشير إلى أنه لا يجوز منح أيّ امتياز إلّا بموجب قانون. ويحتاج عقد الامتياز إلى قانون يجيز إجراءه من المجلس النيابي، وليس في استطاعة الحكومة منح هذا العقد بغضّ النظر عن المزايدة والمناقصة. ويحتاج عقد الامتياز إلى إجازته من المشترع عملاً بالمادة 89 من الدستور".

ثانياً، وبحسب شبيب، "الحكومة مستقيلة بغضّ النظر عن طبيعة العقد، في وقت يلفت مفهوم تصريف الأعمال الأساسي إلى أن صلاحية السلطة الادارية في الزمان، بما معناه أنه لا يحقّ للسلطة الحالية التعدي على سلطة ثانية آتية في الزمن... ولا يمكن أن تقرّر عن حكومة آتية. تُعتبر الحكومة الحالية مستقيلة ويتقلّص هامش صلاحياتها إلى تصريف للأعمال بالمعنى الضيّق. وبشكل عام، فإنّ فلسفة تصريف الأعمال قائمة على إبقاء أمور البلاد سالكة بالحدّ الأدنى الضروري لعدم إلحاق الضرّر في المصلحة العامة والمواطنين. أمّا في ما يتعلّق بالقرارات الكبيرة والاستراتيجية، ليس في الإمكان اتّخاذ هذا النوع من القرارات، ما يشكّل تعدّياً على صلاحيات سلطة أخرى آتية. ولا يحقّ للحكومة الحالية البتّ في موضوع مماثل بغضّ النظر عن صوابيّته من عدمه، وإذا كان حصل في مناقصة علانية أم لا. وفي المقابل، تبتّ حكومة كاملة الصلاحيات في الموضوع وتتحمّل المسؤولية أمام المجلس النيابي".

ووفق شبيب، فإن "قانون الشراء العام ألغى كلّ النصوص المتعارضة مع مضمونه ووضع لدى هيئة الشراء العام كلّ النفقات العمومية من مناقصات أو مزايدات. لكن، موضوع المطار تحديداً يتخطى هيئة الشراء العام أيضاً، لأنه يحتاج إلى قانون خاص في مجلس النواب يجيزه. وقد أخرج قانون الشراء العام امتيازات المرفق العام التي يتحدث عنها الدستور في المادة 89 عن هيئة الشراء العام وسط الحاجة إلى قانون خاص لإجازة إجرائها. وأضاف أن هذه العقود التي تخرج عن دائرة صلاحية القطاع العام، تخضع للمبادئ العامة التي تخضع لها العقود وهي احترام المنافسة والشفافية والعلانية، أي إلى مبدأ المناقصة العامة عندما يكون هناك مناقصة، ومبدأ المزايدة العامة عندما يكون هناك مزايدة. وإذ خرج هذا النوع من العقود عن اختصاص هيئة الشراء العام لأنه يخضع للدستور كعقد امتياز، ولكن قانون الشراء العام فرض على هذا النوع من العقود أن تخضع للمبادئ العامة أي الشفافية والعلانية لتحقيق أفضل الشروط للمصلحة العامة". وفي الاستنتاج العام بعد تراجع وزارة الأشغال عن السير في المشروع، يقرأ شبيب أنّ "التراجع حصل متأخّراً إلى حدّ ما ومبكراً إلى حدّ ما؛ وبمجرّد إثارة الموضوع كان في الإمكان الرجوع عنه وعدم انتظار بوادر إجابة ديوان المحاسبة الذي عُرف أنه لم يكن ليكون إيجابياً. ورغم ذلك، فإنّ التراجع يشكّل احتراماً للمؤسسات، ويعطي انطباعاً جيداً بأنّ هناك رقابة من الأجهزة الرقابية والرأي العام".