مصرف لبنان ينهي العمل بـ"صيرفة" ويلجأ لمنصة جديدة.. إجراء متعدد الأهداف

كتبت أسرار شبارو في موقع الحرة: بعدما يقرب من عامين على إطلاقها، سيستبدل مصرف لبنان المركزي منصته المعروفة باسم "صيرفة" بمنصة تداول جديدة عبر "بلومبرغ"، وذلك بعد فشل الأولى في تحقيق هدفها المتمثل بالحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية.

قبل أيام أعلن حاكم مصرف لبنان المركزي بالإنابة، وسيم منصوري، قرار إنهاء عهد "صيرفة"، التي أُوقِف العمل بها منذ أغسطس الماضي، بعدما مثّلت، بحسب ما ذكر البنك الدولي، أداة نقدية غير مؤاتية أدت إلى ارتفاعات قصيرة الأجل في سعر صرف الليرة على حساب الاحتياطي والوضع المالي لمصرف لبنان، لا سيما في غياب سعر صرف وإطار نقدي جديدين.

 وتحولت هذه المنصة أيضاً إلى آلية لتحقيق أرباح من عمليات المراجحة بلغت، بحسب البنك الدولي، حوالي 2.5 مليار دولار منذ إنشائها، فالحصول على الدولار المعروض على المنصة يحقق أرباحاً كبيرة وخالية من المخاطر نظراً لوجود هامش بين سعر العملة على المنصة وسعر العملة في السوق الموازية.

ما أعلنه منصوري لم يفاجئ اللبنانيين، فقد سبق أن كشف أحد نواب الحاكم السابق لمصرف لبنان، سليم شاهين، في يوليو الماضي، أن البنك المركزي سيوقف عمل منصة "صيرفة" بعد انتهاء فترة الحاكم رياض سلامة، وأن قيادة المصرف كانت تجري محادثات مع صانعي السياسات في الحكومة والبرلمان، وكذلك مع صندوق النقد الدولي، بشأن الحاجة إلى الابتعاد عن هذه المنصة، نظراً لافتقارها إلى الشفافية والحوكمة.
وبعد مباحثات مفاضلة ما بين "بلومبرغ" و"ريفينيتيف" حسم المصرف المركزي خياره، وطلب من مجلس الوزراء وضع إنشاء منصة تداول دولية على جدول أعمال جلسته القادمة.

ومنصة بلومبرغ هي نظام برمجي مصمم خصيصاً لمكاتب التداول والأسواق المالية، حيث يمكن لمستخدميها إجراء التداولات ومراقبة بيانات السوق المالية في الوقت ذاته.

إجراء متعدد الأهداف
أهداف عدة يصبو المصرف المركزي إلى تحقيقها من المنصة الجديدة، منها، كما يقول خبير المخاطر المصرفي، الدكتور محمد فحيلي، "تنظيم التداول بالدولار أو/و بالعملات الأجنبية، كي يتمكن مصرف لبنان من مراقبة هذا النشاط الاقتصادي وضبط الإيقاع في للحد من الاضطرابات في سعر الصرف الذي قد يحاول المضاربون إحداثه من وقت إلى آخر".

ويوضح أن "الحديث عن منصة للتداول بالعملات الأجنبية يعني وسائل دفع إلكترونية، هذه الوسائل رغم أنها متوفرة تقنياً، فإنها غير مرغوبة لأسباب عديدة، منها أن التجار يفضّلون الأوراق النقدية للتهرّب من الرقابة، إن وجدت، وإخفاء قسم كبير من عملياتهم التجارية وبالتالي تفادي دفع الرسوم والضرائب وما شابه".

أيضاً، فقدان ثقة المواطن اللبناني بالكيان المالي اللبناني، سواء كان مصارف تجارية أو مصرف لبنان، يدفع بحسب ما يقوله فحيلي لموقع "الحرة" إلى "عدم اللجوء إلى وسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي شراء كان أم بيعاً للدولار الأميركي أو أي عملة أجنبية أخرى، كما أن اعتماد أي منصة إلكترونية تفرض وسائل دفع إلكترونية تتطلب حسابات مصرفية 'فريش'، وهذه الحسابات متوفرة اليوم فقط تحت أحكام التعميم الأساسي 165 والطلب عليه ما زال خجولاً بسبب تواجد ثغرات قانونية تتطلب إقرار قوانين جديدة".

اتخاذ منصوري قرار توقيف منصة صيرفة للأفراد والشركات، وإبقائها مرحلياً لدفع رواتب القطاع العام، إجراء يدّل كما يقول الباحث الاقتصادي والمالي، الدكتور محمود جباعي، على أن "مصرف لبنان لم يعد مسؤولاً وليست لديه القدرة أو النيّة لتمويل الحكومة، سواء كان تمويلاً مباشراً من الاحتياطي الإلزامي أو من موجودات مصرف لبنان بالدولار أو بالليرة اللبنانية، أو من خلال التغطية غير المباشرة عبر دخول مصرف لبنان إلى السوق وفقاً للمادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف".
وسبق أن أكد منصوري، في مؤتمر صحفي أن "خيارنا كان ثابتاً وواضحاً، وهو أنه مهما كانت الأسباب التي تدفع الحكومة لطلب أموال من المصرف المركزي فهي أسباب غير مبرّرة على الإطلاق ويجب أن يتوقّف هذا الاستنزاف نهائياً. موجودات المصرف محدودة لذا لا بد من الانتقال إلى وقف تمويل الدولة بالكامل".

وبلغت أصول البلاد السائلة بالعملة الأجنبية، بحسب ما أعلن مصرف لبنان المركزي، الشهر الماضي، 8.573 مليار دولار، بينما وصلت قيمة الالتزامات الخارجية إلى 1.27 مليار دولار، وهذا الكشف الأول للبنك عن هذه الأرقام، ووفقا لحسابات وكالة رويترز، التي استندت إلى أرقام البنك، فقد بلغ صافي الموجودات بالعملات الأجنبية في البلاد 7.303 مليار دولار.

وتسببت الهندسة المالية للبنك في استنزاف الأرصدة الدولارية من البنوك المحلية بأسعار فائدة مرتفعة اعتباراً من عام 2015، للمساعدة في تمويل الدولة المُثقلة بالديون. وكشف تدقيق أن مصرف لبنان "أخفى خسائر بقيمة 76 مليار دولار، جراء تلك الهندسة".

تقاسم المسؤولية
اعتمد مصرف لبنان في الأشهر الماضية، على عدم ضخ العملة المحلية في السوق، بحسب جباعي "حيث كان يشتري دولارات بالمبالغ المالية التي يحصل عليها من وزارة المالية ضمن شفافية منظمة، فكل دولار كان يشتريه من الصرافين كان معروف المصدر منعاً لاتهام لبنان فيما بعد بتبييض الأموال، لا سيما وأنه كان مهدداً في المرحلة الماضية بالوضع على اللائحة الرمادية من قبل مجموعة العمل المالية".

واليوم يفرض قرار منصوري على السلطة اللبنانية بدء مرحلة جديدة، حيث بات عليها تحسين إيراداتها والقيام بإصلاحات مالية لتخفيف الضغط عن المصرف المركزي وبالتالي عن المصارف والمودعين، ويشرح جباعي "الفكرة الأساسية للمنصة الجديدة تكمن في عدم تدخل مصرف لبنان بشكل مباشر في عرض الدولار كما كان يحصل خلال منصة صيرفة، حيث كان يشتريه من السوق بالاستناد إلى المادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف، بخسارة تتراوح بين 8 و10 في المئة يومياً كان يغطيها إما بالليرة أو من الموجودات لديه".

ويستطرد بالقول: "يحتاج لبنان شهرياً إلى مليار ونصف المليار دولار للاستيراد، أي حوالي 50 مليون دولار يومياً، كانت صيرفة تغطي جزءاً كبيراً من المبلغ وما تعجز عن تغطيته كان يتسبب في ارتفاع سعر صرف الدولار نتيجة الطلب الكبير من السوق على هذه العملة الأجنبية". 

ويضيف "وعد أن تخطت نسبة الدولرة الـ 70 في المئة تم تأمين نحو 33 مليون دولار ليبقى حوالي 17 مليون دولار يومياً بحاجة إلى تغطية كي لا يرتفع الطلب على الدولار في السوق وينهار سعر صرف الليرة اللبنانية".
تهدف المنصة الجديدة، كما يضيف جباعي، إلى "تأمين المبلغ الذي يحتاج إلى تغطية ضمن عملية شفافة، مرتبطة بمصرف لبنان وبالحكومة والمصارف والصرافين من الفئة (ألف) الموثوق بقدراتهم ومصدر أموالهم، فهؤلاء الأربعة هم المسؤولون عن المنصة الجديدة، وعرض النقود يجب أن يكون من السوق مباشرة، وهذا تحد كبير للمرحلة القادمة، لأنه إذا لم يكن لدى الحكومة القدرة على تحصيل 'فريش' دولار قدر المستطاع لن تنجح المنصة كما يؤمل، وسيؤثر ذلك على طلب الدولار من السوق وبالتالي على سعر الصرف".

آراء متباينة.. وترقب
حسم قيادات المصرف المركزي خيارهم على منصة بلومبرغ لم ينل رضا أمين عام جمعية مصارف لبنان، فادي خلف، الذي دعا في مقال له في افتتاحية العدد الشهري لجمعية مصارف لبنان مطلع هذا الشهر، إلى اعتماد بورصة بيروت التي تعمل بنظام تداول عالمي، حيث يرى أن هذه المنصة قادرة "على تأمين التداول الطبيعي بالدولار عبر طرق شفافة وسهلة وفي فترة قصيرة جداً".

إيجابيات عدة يمكن أن يستفيد منها المصرف المركزي بتعاونه مع منصة بورصة بيروت ومع المصارف كما يرى خلف، منها أن "خصوصيات سوق الدولار في لبنان تتطلب تعديلات كبيرة على المنصات العالمية قد تأخذ وقتاً لا يُستهان به، كما تتطلب فترة تجربة وتدريب قد تطول، فيما بورصة بيروت مربوطة بعدد لا بأس به من المصارف التي تدرّب موظفوها على مدى عقود من الزمن على استعمال تقنياتها دون أي شوائب، فلا حاجة إلى إضاعة الوقت بفترات من التدريب والاختبار".

ومن إيجابياتها كذلك، بحسب خلف، "شفافية الأسعار والتداولات الفعلية المُعلنة عبر شاشات بورصة بيروت وموقعها الإلكتروني كما وعلى المنصات العالمية المربوطة بها (رويترز، بلومبرغ، ...) وتقليصها إلى حد كبير دور المواقع الإلكترونية الخاصة التي تتلاعب بمعلومات السوق ونقل مركزية التسعير من أيدي وتلاعب كبار الصيارفة، المرخصين وغير المرخصين، إلى سوق رسمية مراقَبة من قبل مصرف لبنان وهيئة الرقابة على الأسواق المالية في آن معاً".

كما أن "بورصة بيروت مربوطة بتقنيات اتصال مباشر بالمصارف وشركات الوساطة، وبالتالي لا تتأثر بانقطاع الإنترنت وأعطاله المفاجئة. وهذا ما قد يصعب تجنّبه في حال الاعتماد على المنصات العالمية الأخرى، كما مكن ضمّ أي مصرف أو مؤسسة مالية مرخصة إلى لائحة المتداولين على البورصة بمهلة وجيزة وبتكلفة رمزية".

من جانبه، يرى فحيلي أن بورصة بيروت "غير مؤهلة، لا من ناحية الأرضية التقنية ولا من الناحية القانونية للتداول بالعملات الأجنبية، وكل ما ذكره خلف في افتتاحيته لطمأنة المواطنين هو مصدر قلق لهم لفقدانهم الثقة بكل ما تقدمه المصارف اليوم".

أما إيجابيات منصة بلومبرغ كما يعددها جباعي، فهي "أولاً عدم تحمّل مصرف لبنان كل الضغوطات النقدية والمالية في البلد كما كان سابقاً، ثانياً الشفافية المالية التي تؤمنها والحد من الاقتصاد النقدي كما يطالب المجتمع الدولي وصندوق النقد والبنك الدولي وكذلك معظم الشركات المالية والوكالات العالمية خشية من عمليات تبييض أموال، وثالثاً يساهم هذا النوع من العمليات في الانتظام النقدي والمالي في البلد ويقربنا من توحيد سعر الصرف، بدلاً من الأسعار الثلاثة، السعر الرسمي 15,000 وسعر صيرفة 85,000 وسعر السوق السوداء 89,900 ألف ليرة".

لكن "سقط سهوا" من منصوري كما يشدد فحيلي "ذكر التعميم الأساسي الذي يحمل الرقم 165 والذي يصبح ضروريا إذا كان هناك توجه نحو اعتماد منصة بلومبورغ للتداول بالعملات الأجنبية، إضافة إلى أن هذا التعميم ساعد فريق عمل هيئة التحقيق الخاصة في الدفاع عن ملف لبنان أمام مجموعة العمل المالية، وأيضاً سقط سهواً منه التعميم الأساسي الذي يحمل الرقم 154 الذي يصبح ممراً إلزامياً لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتأمين السيولة التي يحتاجها لضخ الحياة فيه من جديد".

إطلاق المنصة الجديدة "لا يعني نجاحها، فالكرة اليوم في ملعب الحكومة اللبنانية"، بحسب جباعي، الذي أكد أنه "يقع على عاتقها القيام بإصلاحات وتحصيل إيرادات بالدولار وإيجاد نفقات استثمارية لتعبر بلبنان إلى مرحلة جديدة وجيدة ينتظرها الشعب اللبناني للخلاص من أزمة اقتصادية ومالية مستمرة منذ أربع سنوات".