مصير "الأسواق المالية" يتحدّد الأسبوع المقبل... إمّا التفعيل أو الإقفال!

ورث حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري عن سلفه رياض سلامة أزمة فعالية ودور هيئة الأسواق المالية، والنيّة المضمرة كما قيل بإلغائها أو إعادة هيكلتها وترتيب الأدوار والمسؤوليات بما يتلاءم مع وظيفتها والمتغيرات والمتطلبات الحديثة التي تتبناها الأسواق العالمية.

ثمة عوامل عدة تضافرت وأدت الى الشروع في تبني قرار بإقفالها، لعل أبرزها عدم توافر التمويل الكافي لها، فيما عديد موظفيها كبير (حالياً 43 موظفاً) برواتب مرتفعة، وهو ما لا يعادل حجم إنتاجيتها ولا يتناسب مع عمل الهيئة الذي تراجع كثيراً بسبب الظروف الاقتصادية والمالية والتعثر المصرفي الذي تعيشه البلاد، إضافة الى تراجع نشاط الشركات الخاصة المدرجة.

خلال فترة الأعياد، اجتمع مجلس إدارة الهيئة برئاسة الحاكم بالإنابة وسيم منصوري بصفته الرئيس الأعلى لها، واتخذ القرار بالإجماع بإقفالها إدارياً لعدم وجود الأموال الكافية للاستمرار بعمل الهيئة، على أن يعمد الموظفون قبل 10/1/2024 الى الاستقالة مع تقديم تحفيزات لهم، أو اختيار "الاستيداع" من دون أن يحق لهم تقاضي رواتب لنحو 6 أشهر يتم تجديدها تلقائياً، الى حين اتخاذ قرار بإعادة العمل الى الهيئة.

لا يخفي عضو مجلس إدارة هيئة الأسواق المالية وليد القادري لـ"النهار" أن القرار الذي اتخذه مجلس الإدارة في غيابه كان قراراً متسرعاً وخاطئاً، وأكد أنه فور عودته من الخارج اجتمع بمنصوري وشرح له تبعات القرار، موضحاً له إمكان الاستمرار بعمل الهيئة مع وجود التمويل لها بعيداً عن وزارة المال أو مصرف لبنان. وقال لـ"النهار": ثمة أموال موجودة في الهيئة حالياً إضافة الى التوقعات المفترض جبايتها من الشركات المنتسبة الى الهيئة في عام 2024. وبناءً على ذلك قررنا شرح كل التفاصيل المالية لمجلس الإدارة، والأموال المتوقع جبايتها خلال 2024 إضافة الى إيرادات جديدة سمح القانون 161 بها لم نكن نستعين بها لأن التمويل كان كافياً. فالقانون 161 حدد 9 مصادر تقريباً يمكن للهيئة أن تموّل نفسها من خلالها، 5 منها نستعين بهم، و4 مصادر سنحاول اللجوء إليها.

ويؤكد القادري أن أعضاء مجلس الإدارة أبدوا ارتياحهم للعرض الذي قدمته، بيد أنهم طلبوا تدقيقاً أكبر في انتظار الاجتماع الذي سيُعقد الأسبوع المقبل ليتخذ القرار النهائي بمصير الهيئة. كما تم تأجيل قرار فترة الاستقالة الطوعية للموظفين حتى آخر الشهر الجاري، وذلك بغية فسح المجال أمام درس الاقتراحات في هذا الصدد. ويأمل القادري أن يقتنع مجلس الإدارة بخطة التمويل وإعادة الهيكلة من خلال توظيف أشخاص جدد في الأقسام التي فيها نقص وخصوصاً في وحدة المراقبة، وإعطاء خيارات للموظفين الذين يفضّلون الاستقالة. ولكن ماذا لو لم يقتنع المجلس بالخطة؟ يؤكد القادري "حينها، سيبقى قرار إقفال الهيئة سارياً".

ويشير القادري الى أن "وحدة الرقابة المكلفة بموجب القانون بإجراء عمليات التدقيق والتحقيق تعاني من نقص حاد في الموظفين، بسبب الرواتب المتدنية، ومن دونها فإن دور الهيئة غير مجدٍ، علماً بأن القانون 161 يلحظ في مندرجاته أهمية وحدة الرقابة والأمانة العامة (كجسم إداري).

ويشدد القادري على "أهمية وحدة الرقابة وضرورة أن تلحظ ما يكفي من الموظفين المناسبين لضمان الامتثال للأنظمة الصادرة عن هيئة الأسواق المالية من قبل المؤسسات المعنية في السوق، وإلا فإن الهيئة المكلفة بالرقابة تفرغ من مضمون مهامها الرئيسة". ويجدد تأكيده أهمية تمكين وحدة الرقابة "التوظيف فيها ضروري، فيما يمكن الاستغناء عن عدد الموظفين في الجهاز الإداري (اختيارياً). ولكن إن لم يشأ أحد من الموظفين الاستقالة الطوعية، فإن التمويل الذي حددته يلحظ وجود كل الموظفين".

وخلص القادري الى التأكيد أنه قدم سنياريوهات عدة لإعادة تفعيل عمل الهيئة، الأول من خلال الاستعانة بكل الإيرادات المتاحة للهيئة التي ستكون حينها "في أحسن حالاتها"، وسيناريو آخر عبر الاكتفاء بالموجود والإيرادات المتوقعة من الاشتراكات التي نحصلها عادة من الشركات، وهذا السيناريو مقبول برأيه و"يخوّلنا الإبقاء على عدد الوظفين الحاليين مع زيادة عدد الموظفين في وحدة التدقيق".

ولكن مصادر متابعة أكدت لـ"النهار" أن منصوري تراجع مبدئياً عن قرار إقفال الهيئة، وإن لم يفصح عن ذلك بشكل علني، فالقانون 161 صريح، إذ لا يمكن إقفالها إلا بقانون. ولفتت الى أن ثمة آراءً معارضة داخل مجلس الإدارة لقرار الإقفال، مع الإجماع على ضرورة خفض عدد الموظفين ليصبح 10 موظفين في أحسن الأحوال، مع التركيز أكثر على تعزيز وحدة الرقابة. وإذ أشارت الى أن ثمة نحو 70 شركة مالية حالياً تعمل في البلاد من دون ضوابط حتى مع وجود الهيئة الذي تراجع دورها بحكم الأمر الواقع، قالت "إن كان الحديث عن أن الهيئة لا تعمل، فالحري بالمعنيين تعزيز دورها ومحاسبة الموظفين الذين لا يعملون. فدور الهيئة أساس في هذه المرحلة تحديداً حيث لا رقابة، بما يفسح المجال أمام تأسيس شركات من دون ترخيص أو بيع سندات مالية غير صالحة للزبائن، وغيرها من الأمور التي تجعل الزبائن من دون حماية قانونية".

مصادر أخرى أوضحت لـ"النهار"، أنه بتاريخ 28/12/2023 اصدر مجلس هيئة إدارة الأسواق المالية برئاسة منصوري قراراً قضى بإيقاف الهيئة إدارياً عن العمل، داعياً الموظفين الى تقديم استقالاتهم طوعاً أو اختيار الاستيداع، وإلا فإنه بعد تاريخ 10-1-2024 سيُعتبر الجميع مستقيلين حكماً من وظيفتهم. واستتبع القرار بتشكيل لجنة برئاسة أحد الأعضاء لتصفية الهيئة، وإنهاء أعمالها من مكاتب وعوادم وخوادم كمبيوترات وهواتف وجميع ما هو متصل بها على أن تنتهي بتاريخ 31/1/2024 لإقفالها نهائياً".

وتشير الى أن الموظفين وأعضاءً من مجلس الإدارة حاولوا ثني المنصوري عن المضيّ بقراره هذا، إلا أنه رفض التراجع عن القرار، فما كان منهم إلا الاستعانة بالمحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر للتحضير للطعن أمام مجلس شورى الدولة. وتضيف "تباعاً وعلى ضوء المراجعات، رضخ المنصوري لطلب أحد أعضاء مجلس الإدارة وقبل بتحديد يوم الثلاثاء الماضي موعداً لعقد اجتماع لمجلس الهيئة لإعادة النظر بالقرار، إلا أن الاجتماع انتهى دون أن يصل إلى النتيجة المرجوة. وقد جرى فقط تعديل تاريخ اعتبار الموظفين مستقيلين حكماً من 10 الجاري الى 31 منه، على أن يعاد النظر في القرار على ضوء المستجدات المتصلة بموضوع تمويل الهيئة".

مرجع قانوني أكد لـ"النهار" أن القرار الأساسي الصادر عن المجلس برئاسة المنصوري لا يزال قائماً وساري المفعول، ولكن يشوبه عدد من العيوب التي تحجب عنه القانونية، لأنه لا يمكن إلغاء مرفق عام أنشئ بموجب قانون، بقرار يصدر عن رجل الإدارة المكلف بإدارته من الدولة، وأكثر فإن الحكومة اللبنانية وفق أحكام قانون هيئة الأسواق المالية ليست مسؤولة عن أي تمويل لاحق لعملية التأسيس على الإطلاق، كما أنه لا يقع ذلك من واجباتها تنفيذاً لنص قانون الهيئة الذي منحها مصادر تمويل متعددة، إضافة الى العديد من الشوائب القانونية التي تجعل من القرار منعدم الوجود".