معادلة "الأمن مقابل السيادة".. مزيد من التشدد الهستيري

تعود معادلة «الأمن مقابل السيادة»، رافعةً اصبعها بتهديد أي صوت يمكن أن يصب لغير مرشح الحاكم بأمره. وعدا الاستعراضات العسكرية والخطابات القمعية، بدأ تسريب خطط مستوحاة من «يوم 7 أيار المجيد».

والظاهر أنّ الحاكم بأمره وفريق عمله استشعروا بأنّ هناك من يقول لهم «لا» بجدية وإصرار، وأنّ تقاطع المصالح أفقدهم من كان تأييده مسألة وقت وصفقات، فلم يعد يجد حرجاً في عض اليد التي صنعته، وسلفته كل ما يمكن أن يطمح به من سلطة ونفوذ.

وخطر ضياع تعب أصحاب المشروع وتضحياتهم، لا بد دفعهم إلى مزيد من التشدد الهستيري، وكأنّ عليهم أن يثبتوا ولمرة أخيرة واستثنائية أنهم أصحاب الحل والربط، وعلى الجميع أن يسير في ركابهم من دون همسة اعتراض. أو أنّهم باتوا يتلمسون انفكاكاً فرنسياً عنهم وعن مرشحهم، ما ينذر بانتهاء شهر عسلهم الباريسي، سواء لجهة تمتين جبهة الداخل اللبناني ضدهم، أو لجهة فشل فرنسا في التوصل إلى إجماع دولي على هذا المرشح.

بالتالي، وجدوا أنفسهم مطوقين بالرفض، فسارعوا إلى سيناريوات صادمة، علّهم يلفتوا ما هو أكثر من الانتباه، فيفهم كل مؤثر في مسألة الاستحقاق الرئاسي من الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، والمقاطعة لهم، أنّ عليه أن يتوجه إليهم ومباشرة، سواء كان هذا الطرف سعودياً أو أميركياً.

ولعلهم يستغربون كل هذا الجفاء، فهم أظهروا حسن النية تجاه شيطانهم الأعظم وتركوا له أن يرسم الحدود كيفما يطيب له ولربيبه الصهيوني. وعلى الرغم من هذه البادرة اللطيفة، لم يجدوا إلا مزيداً من العقوبات بحق مموليهم ومبيّضي أموالهم الحلال عوض ارسال موفدين غير رسميين ليتفاوضوا معهم مباشرة بشأن البلد المصادر لحساب مرجعيتهم... وتحديداً بعد كلام كثير وقليل عن محاولات إحياء محادثات الملف النووي.

وهم لا يستوعبون عدم اعتبارهم جزءاً فاعلاً من الاتفاق السعودي/ الإيراني، والحوار في الشأن اللبناني يجب أن يكون معهم، فقد قدموا إشارات تظهر جهوزيتهم للانخراط في مثل هذه النشاطات، سواء بإنهاء مرحلة التجييش ضد المملكة في الخطابات وهتافات «الموت لآل سعود»، أو بإقفال وسائل الإعلام التي كانت معششة في دويلتهم ضد المملكة، أو بإيوائهم المناهضين لها والمتآمرين عليها من أبنائها، ناهيك عن الالتزام ضمناً بتغيير وجهة الكبتاغون الفاخر نحو آفاق أخرى... وعلى الرغم من كل طقوس الإشارات والتحولات هذه، لم يجدوا من يقرع بابهم ليسلمهم رسالة مودة أو دعوة، أو يمن عليهم بتغريدة يمكن الولوج منها إلى علاقات مميزة... أو كأن هناك من يضغط على رقابهم، ويكاد يضع ملعقة في أفواههم لإفهامهم أن الزمن الأول تحوَّل.

فالمعلومات الصحافية لا يمكن الاستهانة بها عن أن «الفرقة الرابعة في الجيش السوري دخلت بلدة زيتا السوريّة حيث يقطن مُعظم المطلوبين اللبنانيّين، لتُبلغهم بمهلة 48 ساعة للمغادرة إلى الأراضي اللبنانيّة، وأوّلهم المجموعة المسؤولة عن خطف المواطن السعوديّ مشاري المطيري»... وأن «8 من كبار المطلوبين اللبنانيين في سوريا غادروا نحو العراق».

من حقهم أن يحسبوا ألف حساب، لعل «السين/ سين» بنسختها الجديدة على حسابهم هذه المرة، أو لعل إيران قادرة على تحقيق ما تصبو إليه في بلادنا بموجب الاتفاق التاريخي، ولكن مع تعديل في المعطيات والأدوار. ولعل... ما يمكن أن يشغل البال في هذه المرحلة الغامضة والانتقالية في المنطقة.

ولأن الاحتياط واجب، لذا وجدوا أنفسهم مرغمين على كل هذه الضوضاء ليذكروا الداخل والخارج بأنهم يمسكون بمعادلة «الأمن مقابل السيادة» ولن يتخلوا عنها، فهم يخوضون حرباً عنوانها «يا قاتل يا مقتول».