المصدر: AFP
الاثنين 19 كانون الاول 2022 10:24:53
داخل زنزانة مكتظة في سجن للنساء قرب بيروت، تجد نور نفسها عاجزة في معظم الأحيان عن توفير حليب كاف لرضيعتها وحفاض نظيف ومياه استحمام لا تؤذي بشرتها، في ظل ظروف احتجاز فاقمتها الأزمة الاقتصادية سوءاً.
منذ ولادتها قبل أربعة أشهر، لم يعاين أي طبيب طفلتها قمر التي تكبر مع رضيعين آخرين و21 سجينة في زنزانة متواضعة داخل سجن بعبدا المركزي للنساء، الأكثر اكتظاظاً بين سجون النساء الأربعة في لبنان.
وتقول نور (25 عاماً) التي غطت رأسها بشال أسود، ولم تكشف عن وجهها المتعب أمام الكاميرا لوكالة فرانس برس من داخل باحة خارجية في السجن، تعلو سقفها قضبان من الحديد وأسلاك شائكة: "الحليب غير موفّر لابنتي، وليس لدي حليب كاف لإرضاعها".
وتضيف نور قولها بينما تحمل ابنتها ذات العينين الخضرواين: "أتصل بأهلي ليحضروا الحليب، أحياناً تنقطع منه لثلاثة أيام"، في حين أن وصول أهلها الى السجن ليس سهلاً مع ارتفاع كلفة المواصلات، على وقع الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ ثلاث سنوات.
لم توفر تداعيات الانهيار مع انهيار قيمة الليرة أي طبقة اجتماعية أو مرفق في لبنان، بما في ذلك إدارات السجون المكتظة التي باتت عاجزة عن توفير أبسط احتياجات السجناء وتعتمد إلى حدّ كبير على تقديمات ومساعدات من منظمات محلية وأجنبية.
وتوضح الأم الشابة بحسرة: "يمكن لأهلي أن يساعدونني على توفير واحد في المئة من احتياجات طفلتي فقط"، مضيفة قولها إنها تضطر أحياناً الى أن تترك ابنتها تنام بحفاض غير نظيف، إلى حين توفر الحفاضات من جديد.
وتروي نور كيف أنها في كل مرة تريد أن تحمم رضيعتها تشعر بالقلق، وتقول: "أحسب ألف حساب لأنني أخشى من بثور" تظهر على بشرتها جراء عدم توفر مياه استحمام نظيفة، وتتابع قائلة: "لولا أننا نحنّ على بعضنا البعض ويحنّ الناس علينا، لما كان بمقدور أطفالنا أن يعيشوا هنا".
منذ أكثر من ثمانية أشهر على توقيفها بقضية مرتبطة بالمخدرات، لم يصدر أي حكم بحقها، لكنها تقول إن ما تعانيه ورضيعتها أكبر عقاب، وتقول: "كل واحدة منا تخطئ في الخارج، لكن العقاب الذي نتلقاه هنا مضاعف".
"اشتقت لابنتي"
في لبنان، تشهد السجون أساساً اكتظاظاً مع وجود قرابة ثمانية آلاف سجين، غالبيتهم لم تصدر أحكام بحقهم. وبمعزل عن الأزمة الاقتصادية، تتسبّب البيروقراطية داخل النظام القضائي بتأخير البتّ في القضايا المرفوعة وإصدار الأحكام النهائية. وفاقم إضراب ينفذه القضاة منذ الصيف احتجاجاً على تدهور قيمة رواتبهم الوضع سوءاً.
خلال ورشة عمل حول واقع السجون والاحتياجات عقدت في أيلول/سبتمبر الماضي، اعتبر وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي أن "معاناة النزلاء في سجوننا مضاعفة من جراء الأزمة" الاقتصادية الراهنة.
وقال مولوي: "تضاف إلى الاكتظاظ معاناة الطبابة والاستشفاء، إضافة إلى الحاجة الملحة لصيانة المباني وآليات السوق والإسعاف"، عدا عن الحاجة إلى مصادر مستدامة للطاقة في ظل انقطاع الكهرباء.
وتروي سجينات تحدّثن لفرانس برس بحضور مسؤولي السجن عن ظروف معيشية صعبة، يضطررن أحيانا للانتظار ساعة قبل دخول الحمام الوحيد المخصص لزنزانة تضم 24 امرأة، ينمن على فرش مهترئة وغير نظيفة.
وعلى وقع الازمة الاقتصادية، تضاءلت قدرة العائلات على دعم أفرادها في السجون وحتى زيارتهم. فمنذ توقيفها قبل تسعة أشهر، لم تتمكن بشرى (28 عاماً) من رؤية ابنتها البالغة 13 عاماً، وتقول لفرانس برس بينما تحاول حبس دموعها: "اشتقت إليها...أمهات كثر يحتجن إلى رؤية أطفالهن لا أنا فحسب".
وعلى غرار سجينات أخريات، تشتاق تاتيانا (32 عاماً) لوالدتها التي "تعمل مقابل 50 ألف ليرة في اليوم (دولار تقريباً)، وبالكاد تؤمن إيجار منزلها"، وتسأل: "كيف بها أن تأتي لزيارتي؟".