مغالاةٌ لبنانية في الرهان على قمة جدة لإنتاج حلّ رئاسي

جاء في الراي الكويتية: مغالاةٌ جديدةٌ تنزلق إليها الأطراف اللبنانية التي تنتقل من رهانٍ إلى آخَر في سياق التعمية على عجْزٍ داخلي فاضح عن إنجاز استحقاقٍ رئاسي يتزامن مع خطرٍ وجودي لم يَسبق لـ «بلاد الأرز» أن واجَهَتْه وتتشابك فيه الأزمة السياسية المستعصية مع الانهيار المالي الذي يشهد ما يشبه «هدوء ما قبل العاصفة الكبرى».

فمن التعلُّق السوريالي بـ «حبال» مداولات مجموعة الخمس حول لبنان (تضم الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر وقطر) وكأنها ستتكفّل بمداواة جِراح الوطن المنكوب عبر إنزال رئيسٍ «بالباراشوت»، إلى المبالغة في تَرَقُّب انعكاساتٍ «سحرية» لتفاهم بكين بين الرياض وطهران على الملف الرئاسي على قاعدة أن تحض السعودية حلفاءها اللبنانيين على تشكيل الرافعة لإيصال مرشح «حزب الله» والرئيس نبيه بري أي سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا، مروراً بـ «استقواءٍ» بالمبادرة الفرنسية التي أفرطت في التحيّز لزعيم «المردة» (فرنجية) وكأنها تحاول «فرضه بالقوة»... محطاتٌ نافرة في تظهير إصرار أفرقاء وازنين في الداخل على ربْط الواقع اللبناني بـ «أزرار تحكُّم» خارجية رغم التأكيد العربي والدولي على أن الانتخابات الرئاسية شأن محلّي و«دبّروا أموركم بأنفسكم».

وتخشى أوساطٌ مطلعةٌ ألا تكون القمةُ العربيةُ المنتظَرة في جدة يوم الجمعة «آخِر عنقودِ» الانتظاراتِ اللبنانية لحلّ يهبط عليهم من الخارج، وسط مؤشراتٍ لا تُطَمْئن وتشي بتطلعات داخلية لأن تشكّل القمة والحضور المرتقب فيها للرئيس السوري بشار الأسد معطى يكسر التوازن السلبي الذي يحكم الاستحقاق الرئاسي لبنانياً، على قاعدة أن «الحياد» الذي أعلنتْه الرياض حيال هذا الملف ومرشّحيه وتأكيدها أن لا فيتو على فرنجية أو سواه ولا دعْمَ لأي اسمٍ ولا ضغط على حلفائها لتغيير موقفهم من زعيم «المردة»، سيصبّ - مع النقاط التي سيحققها رأس النظام السوري من إطلالته العربية - في خانة فرنجية اللصيق بالأسد والذي بحسب داعمي ترشيحه، يقطف من كل الجهات ثمار «الرياح الباردة» التي تهّب على المنطقة وملفاتها الساخنة.

 

وإذ ترى هذه الأوساط أن حضور الأزمة اللبنانية في القمة، مداولاتٍ كما في البيان الختامي، لا يمكن بأي حال تَصَوُّر أن يخرج عن ثوابت عربية لجهة الحضّ على الإسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي بوصفه شأناً سيادياً لبنانياً، وفق ما أكدت الرياض، وذلك بعيداً من أي تورُّط غير وارد في دعم اسمٍ، فإنها اعتبرتْ أن هذا التوجه سيزيد من الأعباء على أطراف الداخل الذين يفوّتون فرصة نادرة لـ «لبْننة» استحقاقٍ غالباً ما كان يرتبط بـ «كلمة سرّ» خارجية، تحوّلت مكشوفة و«فجّة» إبان الوصاية السورية.

 

ورغم تحديد بري مهلة حثٍّ لإتمام الاستحقاق الرئاسي بحلول 15 يونيو، أي قبل أن تدخل البلاد في «فترة حرجة» سيشكلها بدء العد التنازلي لانتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (في يوليو)، فإن شكوكاً كبيرة ما زالت تسود إمكان إحداث اختراق في الاصطفافات المانعة حصول فرنجية حتى الساعة على غالبية 65 نعم كفيلة بإيصاله في الدورة الثانية من جلسةٍ انتخابية، كما تَوافُق «جبهة الرافضين» له على اسم واحد وبتقاطعٍ مع «التيار الوطني الحر»، بما يتيح أفضلية لهؤلاء في إدارة مرحلة ما بعد احتراق ورقة زعيم «المردة» ومعها المرشح المضاد، وهي المرحلة التي يراهن البعض أيضاً على أن تكون ممراً إجبارياً للخيار الثالث، أي إلى قائد الجيش العماد جوزف عون.

 

على أن دون هذا السيناريو تعقيدات عدة، تبدأ بتعاظُم «فقدان الثقة» بين مكوّناتٍ وازنة في المعارضة ولا سيما من الأحزاب المسيحية وبين «التيار الحر» برئاسة النائب جبران باسيل، في ضوء خشيةٍ من أن يكون الأخير عبر الأبواب المفتوحة مواربةً مع المعارضة «يستدرج عروضاً» من «حزب الله» للتفاهم على مرشّحٍ غير فرنجية، ولكن بـ deal متكامل يشمل مرحلة ما بعد الانتخاب وتوازناتها.

 

وهذه «النقزة» تجاه التيار الحر والحسابات التي يدير بها الملف الرئاسي عبّرت عن نفسها أمس قبيل اجتماع جديد لممثلي أطراف المعارضة (غاب عنهم الحزب التقدمي الاشتراكي لاعتبارات تتصل بإصراره على موقع وسطي انسجاماً مع رفْض أي اصطفافات حادة رئاسياً) وأحزابها ومستقلّين وتغييريين، حيث رمت مصادر في المعارضة الكرة في ملعب باسيل إذا كان يريد فعلاً التوافق على اسم معها ينتقل عبره من الـ لا لفرنجية إلى نعم لمرشّح من الأسماء التي تشكل تقاطعاً مع المعارضين مثل الوزير السابق جهاد أزعور الذي تتقدّم أسهمه كمرشح «جمْعٍ» لرافضي خيار زعيم «المردة» مع التيار، بين أسماء أخرى مثل صلاح حنين وزياد بارود ونعمة افرام.

 

وعلى طريقة it’s now or never، نقلت محطة «ام تي في» عن مصادر المعارضة «أن على باسيل أن يحسم موقفه الآن في الملف الرئاسي، ولا يكفي أن يعارض اسم فرنجيّة، كما عليه أن يثبت أن التفاوض مع المعارضة ليس ورقة للمناورة مع حزب الله».

وإذ كان السفير السعودي في بيروت وليد بخاري يؤكد بعد زيارته وزير الخارجية عبدالله بو حبيب «اننا نتشارك الرغبة نفسها مع المجتمع الدولي في رؤية إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت، ونريدُ لبنان أن يكون كما كان واحة للفكر وثقافة الحياة وأن ينعم شعبه بالرخاء والازدهار»، لم يكن ممكناً تَلَمُّس أفق الاستحقاق الرئاسي وحدود المناورات على هذه الجبهة، ولا سيما مع ثبات منسوب العِدائية بين طرفيْ «الحرب الباردة» الرئاسية.

وفي حين تتوالى التقارير عن عقوبات خارجية تُعدّ لفرضها على معرقلي الانتخابات الرئاسية ويُراهَن على أن تشكل قوة ضغط لإنجازها قبل حلول الصيف، وسط محاولة داعمي فرنجية تسويق أنها ستطول مَن يفكرون بتعطيل جلسة الانتخاب حين يدعو إليها بري، لم يكن عابراً أن يجاهر رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد بأن مفهوم الحزب للتفاهم رئاسياً هو على قاعدة «إقناع الآخرين» بخيار فرنجية.