مغامرة نتنياهو تبلغ الأوّلي: فصل الجنوب عن البقاع عبر سوريا؟

ينظر لبنان إلى نفسه وكأنه يعيش حالة من العزلة. في الداخل هناك جمود وارتباك في كيفية التعامل مع الملفات الداهمة، مردّ الجمود هو الخوف من الدخول في مواجهة أو صدام داخلي، لكن ذلك ينعكس سلباً على التصور الدولي تجاهه. ليس سهلاً على لبنان أن ينظر إلى سوريا، وهي تستقطب كل هذا الدعم والاهتمام الدولي وصولاً إلى التداول بحديث عن احتمال إجراء الرئيس الأميركي زيارة لدمشق وعقد اللقاء الرابع مع الرئيس أحمد الشرع، بينما الرئيس اللبناني لم ينجح حتى الآن في عقد لقاء واحد مع ترامب، وتلجأ الإدارة الأميركية إلى إلغاء مواعيد لقائد الجيش. يؤشر ذلك إلى انقلاب كبير في الأدوار بين البلدين، إذ لطالما نُظر إلى لبنان بوصفه نافذة سوريا إلى العالم، وهي النافذة التي عرف حافظ الأسد كيف يستغلها ويستثمر فيها، ولطالما كان لبنان هو "صاحب الوجه الغربي" في المنطقة، يجد نفسه اليوم على مسافة بعيدة من الغرب التي أصبحت سوريا من صلبها. 

 

نظرية " الانهيار لإعادة التركيب"

يراهن لبنان على جملة تطورات خارجية يمكنها أن تسانده في تجاوز الضغوط القائمة، والتي تصل إلى حدود التهديد بعملية عسكرية إسرائيلية واسعة من جهة، وبضغوط اقتصادية ومالية تدفعه إلى المزيد من الانهيار والتحلل، خصوصاً مع تنامي وجهات نظر عديدة في بعض الدول، مفادها أنه يجب أن ينهار كل شيء في لبنان لتنهار المنظومة المستحكمة فيه وفي مؤسساته وقطاعاته، وبعد انهيارها الكامل تتم عملية إعادة تركيبها في موازاة إعادة إنتاج سلطة سياسية جديدة. في مواجهة هذه الضغوط ينتظر لبنان تحركات عربية وأوروبية تساهم في مساعدته على تجنب المخاطر والتصعيد، كما أن هناك تعويلاً على إمكان الوصول إلى تفاهمات أو تقاطعات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، فتنعكس خفضاً للتصعيد والتوتر. 

 

السعودية والاستعدادات المشروطة

لا يفصل اللبنانيون ذلك عن زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للولايات المتحدة الأميركية، وسط معلومات عن بحثه في ملفات المنطقة ككل، بما فيها لعب دور تفاوضي بين واشنطن وطهران، إضافة إلى البحث في الملفات الفلسطيني واللبناني والسوري. وتزامنت زيارة بن سلمان لواشنطن مع زيارة الوفد السعودي لبيروت بطرح واضح وهو الاستعداد للدخول في مساعدات واستثمارات، شرط وفاء لبنان بالتعهدات التي التزم بها مسؤولوه، على خط حصر السلاح بيد الدولة، وإنجاز الإصلاحات السياسية، الإدارية، المالية والاقتصادية. عملياً، أصبح لبنان أمام خيارين: إما أن ينفذ كل هذه الشروط، وإما أن يُترك لمصيره وسط تصاعد وتيرة التهديدات والضربات الإسرائيلية، إضافة إلى مواجهة المزيد من الخنق المالي والاقتصادي. 

 

بري والتسوية بـ"التطبيق الكامل للدستور"

بعد إلغاء مواعيد قائد الجيش، تسارعت وتيرة الاتصالات مع الأميركيين لكنها لم تؤد إلى نتيجة حتى الآن، فالجواب الذي يتبلغه المسؤولون اللبنانيون، هو ضرورة تنفيذ كل الشروط المطلوبة منهم، وبعدها يمكن الحديث عن ترتيب العلاقات وجدولة الزيارات. من هنا، تبرز محاولات عربية عديدة لإقناع اللبنانيين بضرورة الإقدام على انجاز اتفاق داخلي عنوانه تطبيق الدستور كاملاً، مع البحث عن تسوية مع حزب الله وبموافقة إيران لأجل تفادي الأسوأ. وذلك يرتبط بزيارة المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري إلى طهران. وهنا لا بد من النظر إلى اللقاءات التي عقدها الأمير يزيد بن فرحان مع المسؤولين، ولا سيما اللقاء الخلوة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وفيه جرى البحث في كل الملفات الأمنية الخاصة بفتح خطوط التصدير وإعادة تفعيل خطوط الطيران واتخاذ خطوات استثمارية سعودية في لبنان، إضافة إلى البحث في الملفات السياسية وأهمية تطبيق اتفاق الطائف. 

 

الإسرائيليون يكبّرون الحجر.. جنوب لبنان وسوريا

ما دون ذلك، سيبقى لبنان عرضة للتهديدات والضربات الإسرائيلية التي ظهرت سريعاً بتجديد الانذارات والتحذيرات من استهداف قرى وبلدات في جنوب نهر الليطاني، إذ يسعى الإسرائيليون إلى تقديم صورة مفادها أن الجيش لم ينجز مهمته بعد في تلك المنطقة، وأن مسار العمل لا يزال بطيئاً. ويتزامن ذلك مع زيادة التعزيزات العسكرية الإسرائيلية على الحدود مع لبنان، علماً أن التحركات الميدانية تشير إلى استعداد لمواصلة عملية قضم المزيد من الأراضي اللبنانية أو التحضير لتوغل برّي. في الموازاة برزت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لجنوب سوريا ومنطقة جبل الشيخ، هذه المنطقة التي ستكون معنية بأي اتفاق أمني بين إسرائيل وسوريا، والتي أعلن نتنياهو عدم الموافقة على الانسحاب منها. وكذلك، هو لا يوافق على الانسحاب من النقاط اللبنانية قبل سحب سلاح حزب الله وتغيير كل الوقائع الميدانية والعسكرية، إضافة إلى إقامة منطقة عازلة. 

 

التوغل البري.. من سوريا إلى لبنان

إنها مرحلة جديدة من التصعيد الإسرائيلي، تحاول فيها تل أبيب الاستفادة من الضغط الأميركي على لبنان والجيش. بدأت ترجمتها باستهداف مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا، وتواصلت بإنذارات الإخلاء والتحذير، واستكملت بالرسالة التي وجهها الإسرائيليون إلى أهالي بيت ليف محدداً مواقع عسكرية لحزب الله، وسرعان ما ناشد أهالي البلدة الجيش للدخول إليها وحمايتهم. هذه الخطوة الإسرائيلية تحمل مؤشرات حول رفع منسوب الضغط على الجيش واعتباره أنه لا يقوم بمهامه، إضافة إلى محاولة إجباره على مداهمة المناطق المأهولة والمباني السكنية وهو ما رفضه الجيش سابقاً. عمل الإسرائيليون في نطاق جنوب نهر الليطاني، لكن تصعيدهم قد يصل إلى المطالبة بمنطقة منزوعة السلاح حتى نهر الأوّلي، وما ضربة مخيم عين الحلوة إلا إشارة في هذا السياق. 

لا يمكن حصر جولة نتنياهو في الجنوب السوري بمسألة الاطلاع على منطقة "الاتفاق الأمني مع دمشق". ففي ظل هذه الظروف، لا بد من النظر إليها من عين أبعد، تتعلق بالمخاوف الكبيرة من أن يحضر الإسرائيليون لعملية توغل بري باتجاه لبنان إنطلاقاً من بعض مناطق الجنوب السوري، وخصوصاً من منطقة جبل الشيخ لفصل الجنوب عن البقاع وقطع كل طرق الإمداد عن حزب الله، إضافة إلى محاصرته في الجنوب. وذلك يمكن أن يفتح المجال أمام تنفيذ إسرائيل إنزالات في مواقع محددة، يتعذّر تدميرها بالقصف الجوي أو الوصول إلى نقاط مشرفة على نهر الأولي.