المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
الخميس 18 كانون الاول 2025 08:46:24
ما إن اقتربت الحكومة من إنجاز قانون الفجوة المالية كما وعدت قبل نهاية السنة، حتى تراجعت عن إدراج المشروع على جلسة مجلس الوزراء كما كان متوقعاً، بعدما تبيّن أن الملاحظات الواردة من صندوق النقد الدولي تتعارض كثيراً مع المشروع، وغالبية الأسئلة الواردة من الموفدين الدوليين تتصل بمدى قدرة الدولة على الاقتراض لسداد ما يجب عليها بعد توزيع الخسائر، علماً بأن أبرز الشروط الخارجية التي لا تزال تعوق هذا المسار تتصل بالربط الحاصل بين الإصلاح المالي والدعم الدولي بالقرار السياسي المتعلق بتسليم السلاح.
وقد ضربت ملاحظات الصندوق آخر الصيغ التي توصّلت إليها الحكومة، لكونها أعادت طرح المبدأ المعتمد لتوزيع الخسائر لتعيد النقاش إلى نقطة الصفر إذ يرى الصندوق أن المشروع يحمّل الخسائر للمودعين، ويشكك في المعايير المعتمدة لتدقيق حسابات المصرف المركزي ويسأل عن العبء الذي يتحمله مساهمو المصارف ومسؤولية الدائنين من الفئات الدنيا، داعياً المصارف إلى الاعتراف بخسائرها الناتجة عن انكشافها لمصرف لبنان، مطالباً بتصفير رساميلها.
يصف المركزي ملاحظات الصندوق بالخطيرة ويسأل هل هي فعلاً تتناسب مع المعايير الحسابية والمالية؟ وفي الملاحظات التي يرد فيها على الصندوق كما حصلت عليها "النهار"، يقول:
1. المعايير المحاسبية ومعايير التدقيق: يجب أن يسبق التشخيصَ العلاجُ
بموجب المعايير المحاسبية الدولية المعمول بها – ولا سيما المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية IFRS 9 ومعيار المحاسبة الدولي IAS 36 – يتعيّن إجراء اختبارات انخفاض القيمة وإعادة القياس بالقيمة العادلة قبل فرض أي تعديلات على حقوق الملكية على المؤسسات المستفيدة.
وعليه:
• يشكّل إعادة تقييم الميزانية العمومية لمصرف لبنان (BdL) الركيزة ونقطة الانطلاق.
• ولا يمكن تحديد الوضع الحقيقي لحقوق الملكية لكل مصرف إلا بعد المصادقة على هذا التقييم.
• يلي ذلك إجراء مراجعة جودة الأصول (AQR) وفقاً لمتطلبات المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS).
• وتُزال المطالبات غير المنتظمة كجزء من هذه العملية؛
• ثم يُطبَّق تسلسل مراتب المطالبات، بدءاً بحقوق ملكية المساهمين.
يعكس هذا التسلسل أطر إعادة الهيكلة التي طُبِّقت في اليونان وقبرص وآيسلندا، حيث سبقت عمليات إعادة تقييم أصول الدولة أو المصرف المركزي – وشرطت – أي خفض في حقوق ملكية المصارف التجارية.
2. نقاء المُدخلات الذي تفرضه القاعدة القانونية لتسلسل مراتب المطالبات
في جميع أنظمة التسوية المعتمدة – سواء بموجب:
• توجيه الاتحاد الأوروبي بشأن التعافي المصرفي والتسوية (BRRD)،
• أو ممارسات مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية الأميركية (FDIC)، أو
• قانون المصارف اللبناني رقم 23 تاريخ 14 آب 2025 –
لا يجوز توزيع الخسائر إلا بعد تحديد المطالبات غير المنتظمة أو المتعثرة وإزالتها.
إن الخروج عن هذا المبدأ من شأنه أن:
• يحمّل الخسائر استناداً إلى أرقام غير مؤكدة أو مضخّمة أو محلّ نزاع؛ و
• ينتهك قاعدة القانون الخاص (lex specialis) التي تحكم تسوية المصارف، والتي تفرض وجود ميزانيات عمومية نظيفة ومتحقَّق منها قبل تفعيل تسلسل مراتب المطالبات.
3. السوابق الدولية
لا توجد، بحسب علمنا، أي سابقة تاريخية في أزمة نظامية أعلنت فيها دولة ما أولاً تآكل حقوق ملكية جميع المصارف ثم فرضت إعادة رسملة شاملة. ففي جميع الحالات التي جرى استعراضها، يبدأ التسلسل بتشخيص أوضاع المؤسسات، يليه حلّ أو إعادة رسملة المؤسسات المتعثرة – مع محو حقوق الملكية أحياناً في مصارف فردية – ولكن من دون تعميم ذلك على كامل القطاع.
• قبرص (2013): لم يُعترف بالأرباح الاستثنائية المرتبطة بآلية السيولة الطارئة (ELA) وبالأدوات ذات العائد المرتفع إلا بعد إجراء تقييم مستقل لحسابات الدولة والمصرف المركزي.
• البرازيل (برنامج PROER، 1995-1999): سبقت عملية تقييم أصول المصرف المركزي أي خفض لحقوق الملكية أو تدابير تسوية المصارف.
• السويد (1991–1993): ضمنت الحكومة التزامات المصارف، وأجرت عمليات تشخيص، وتدخلت بصورة انتقائية – فأعادت الرسملة، وفي بعض الحالات استحوذت مؤقتاً على الملكية (مثل نوردبانكن) – لكنها لم تمحُ حقوق ملكية القطاع بأكمله. وبقي النظام سليماً.
• الولايات المتحدة (2008–2009): استخدمت السلطات ضخّ رؤوس أموال عبر برنامج TARP واختبارات الضغط (SCAP) التي أجراها الاحتياطي الفيدرالي لتحديد الفجوات وفرض زيادات رأسمالية محددة. ولم يحصل تأميم شامل أو محو عام لحقوق الملكية.
• آيسلندا (2008): انهارت أكبر ثلاثة مصارف، ومُحيت حقوق المساهمين في تلك المصارف؛ وأنشأت السلطات مصارف محلية جديدة. وكان ذلك واسع النطاق بالنسبة إلى المصارف الثلاثة الكبرى، لكنه لم يكن تصفيراً شاملاً لحقوق ملكية جميع مصارف البلاد.
• إندونيسيا (1997–1998): أغلق البرنامج المدعوم من صندوق النقد الدولي في مرحلته الأولى 16 مصرفاً متعثراً (تشرين الثاني 1997)، وأنشأ وكالة إعادة هيكلة المصارف الإندونيسية (IBRA) لتشخيص أوضاع المصارف الأخرى وتسويتها وإعادة رسملتها. وكان النهج مُستهدفاً: صُفّيت بعض المصارف أو وُضعت تحت الوصاية، وأُعيدت رسملة أخرى بعد تقييمات تشخيصية. ولم يُفرض أي إلغاء شامل لحقوق الملكية على كامل النظام.
• كوريا (1997–1998): نصّت خطابات النوايا على إعادة هيكلة شاملة تجمع بين الاندماجات، وإغلاق المؤسسات المتعثرة، وضخّ رؤوس أموال عامة، وإجراء اختبارات ضغط. ونصّت صراحة على أن «المساهمين الحاليين سيتحمّلون الخسائر الأولى»، أي في المصارف المتعثرة أو الناقصة الرسملة فقط – وليس محواً مسبقاً لحقوق ملكية جميع المصارف في النظام.
• تايلاند (1997–1998): أغلقت السلطات 56 شركة تمويل وتدخلت في عدد من المصارف الضعيفة قبل إعادة رسملة المؤسسات القابلة للاستمرار تحت إشراف صندوق النقد الدولي. ومرة أخرى، كانت التدابير خاصة بكل مؤسسة، ومتخذة بعد مراجعات تشخيصية، ولم تكن إلغاءً عاماً لحقوق الملكية.
ما تشير إليه التحليلات والدراسات المقارنة:
• تصف المراجعات الداخلية لصندوق النقد الدولي لبرامج آسيا تسلسلاً معيارياً: تحديد اختلالات الميزانيات العمومية (مراجعات جودة الأصول، اختبارات الضغط)، ثم تسوية أو إعادة رسملة المصارف المتعثرة، يليها خفض حقوق المساهمين في المؤسسات المعسرة. ولا توصي أي وثيقة بمحو حقوق الملكية على مستوى القطاع ككل قبل التشخيص.
• تؤكد الدراسات المستقلة (بنك التسويات الدولية BIS، والبنك الدولي/مجموعة التقييم المستقل IEG) هذه الخلاصة؛ إذ توثق إغلاق مؤسسات محددة (مثل 16 مصرفاً في إندونيسيا، وشركات التمويل في تايلاند) يتبعه اعتماد أطر لإعادة الرسملة، من دون الإشارة إلى أي سياسة تقوم على «محو كل شيء مسبقاً» كشرط للمساعدة.
وقد ضربت ملاحظات الصندوق آخر الصيغ التي توصّلت إليها الحكومة، لكونها أعادت طرح المبدأ المعتمد لتوزيع الخسائر لتعيد النقاش إلى نقطة الصفر إذ يرى الصندوق أن المشروع يحمّل الخسائر للمودعين، ويشكك في المعايير المعتمدة لتدقيق حسابات المصرف المركزي ويسأل عن العبء الذي يتحمله مساهمو المصارف ومسؤولية الدائنين من الفئات الدنيا، داعياً المصارف إلى الاعتراف بخسائرها الناتجة عن انكشافها لمصرف لبنان، مطالباً بتصفير رساميلها.
يصف المركزي ملاحظات الصندوق بالخطيرة ويسأل هل هي فعلاً تتناسب مع المعايير الحسابية والمالية؟ وفي الملاحظات التي يرد فيها على الصندوق كما حصلت عليها "النهار"، يقول:
1. المعايير المحاسبية ومعايير التدقيق: يجب أن يسبق التشخيصَ العلاجُ
بموجب المعايير المحاسبية الدولية المعمول بها – ولا سيما المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية IFRS 9 ومعيار المحاسبة الدولي IAS 36 – يتعيّن إجراء اختبارات انخفاض القيمة وإعادة القياس بالقيمة العادلة قبل فرض أي تعديلات على حقوق الملكية على المؤسسات المستفيدة.
وعليه:
• يشكّل إعادة تقييم الميزانية العمومية لمصرف لبنان (BdL) الركيزة ونقطة الانطلاق.
• ولا يمكن تحديد الوضع الحقيقي لحقوق الملكية لكل مصرف إلا بعد المصادقة على هذا التقييم.
• يلي ذلك إجراء مراجعة جودة الأصول (AQR) وفقاً لمتطلبات المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS).
• وتُزال المطالبات غير المنتظمة كجزء من هذه العملية؛
• ثم يُطبَّق تسلسل مراتب المطالبات، بدءاً بحقوق ملكية المساهمين.
يعكس هذا التسلسل أطر إعادة الهيكلة التي طُبِّقت في اليونان وقبرص وآيسلندا، حيث سبقت عمليات إعادة تقييم أصول الدولة أو المصرف المركزي – وشرطت – أي خفض في حقوق ملكية المصارف التجارية.
2. نقاء المُدخلات الذي تفرضه القاعدة القانونية لتسلسل مراتب المطالبات
في جميع أنظمة التسوية المعتمدة – سواء بموجب:
• توجيه الاتحاد الأوروبي بشأن التعافي المصرفي والتسوية (BRRD)،
• أو ممارسات مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية الأميركية (FDIC)، أو
• قانون المصارف اللبناني رقم 23 تاريخ 14 آب 2025 –
لا يجوز توزيع الخسائر إلا بعد تحديد المطالبات غير المنتظمة أو المتعثرة وإزالتها.
إن الخروج عن هذا المبدأ من شأنه أن:
• يحمّل الخسائر استناداً إلى أرقام غير مؤكدة أو مضخّمة أو محلّ نزاع؛ و
• ينتهك قاعدة القانون الخاص (lex specialis) التي تحكم تسوية المصارف، والتي تفرض وجود ميزانيات عمومية نظيفة ومتحقَّق منها قبل تفعيل تسلسل مراتب المطالبات.
3. السوابق الدولية
لا توجد، بحسب علمنا، أي سابقة تاريخية في أزمة نظامية أعلنت فيها دولة ما أولاً تآكل حقوق ملكية جميع المصارف ثم فرضت إعادة رسملة شاملة. ففي جميع الحالات التي جرى استعراضها، يبدأ التسلسل بتشخيص أوضاع المؤسسات، يليه حلّ أو إعادة رسملة المؤسسات المتعثرة – مع محو حقوق الملكية أحياناً في مصارف فردية – ولكن من دون تعميم ذلك على كامل القطاع.
• قبرص (2013): لم يُعترف بالأرباح الاستثنائية المرتبطة بآلية السيولة الطارئة (ELA) وبالأدوات ذات العائد المرتفع إلا بعد إجراء تقييم مستقل لحسابات الدولة والمصرف المركزي.
• البرازيل (برنامج PROER، 1995-1999): سبقت عملية تقييم أصول المصرف المركزي أي خفض لحقوق الملكية أو تدابير تسوية المصارف.
• السويد (1991–1993): ضمنت الحكومة التزامات المصارف، وأجرت عمليات تشخيص، وتدخلت بصورة انتقائية – فأعادت الرسملة، وفي بعض الحالات استحوذت مؤقتاً على الملكية (مثل نوردبانكن) – لكنها لم تمحُ حقوق ملكية القطاع بأكمله. وبقي النظام سليماً.
• الولايات المتحدة (2008–2009): استخدمت السلطات ضخّ رؤوس أموال عبر برنامج TARP واختبارات الضغط (SCAP) التي أجراها الاحتياطي الفيدرالي لتحديد الفجوات وفرض زيادات رأسمالية محددة. ولم يحصل تأميم شامل أو محو عام لحقوق الملكية.
• آيسلندا (2008): انهارت أكبر ثلاثة مصارف، ومُحيت حقوق المساهمين في تلك المصارف؛ وأنشأت السلطات مصارف محلية جديدة. وكان ذلك واسع النطاق بالنسبة إلى المصارف الثلاثة الكبرى، لكنه لم يكن تصفيراً شاملاً لحقوق ملكية جميع مصارف البلاد.
• إندونيسيا (1997–1998): أغلق البرنامج المدعوم من صندوق النقد الدولي في مرحلته الأولى 16 مصرفاً متعثراً (تشرين الثاني 1997)، وأنشأ وكالة إعادة هيكلة المصارف الإندونيسية (IBRA) لتشخيص أوضاع المصارف الأخرى وتسويتها وإعادة رسملتها. وكان النهج مُستهدفاً: صُفّيت بعض المصارف أو وُضعت تحت الوصاية، وأُعيدت رسملة أخرى بعد تقييمات تشخيصية. ولم يُفرض أي إلغاء شامل لحقوق الملكية على كامل النظام.
• كوريا (1997–1998): نصّت خطابات النوايا على إعادة هيكلة شاملة تجمع بين الاندماجات، وإغلاق المؤسسات المتعثرة، وضخّ رؤوس أموال عامة، وإجراء اختبارات ضغط. ونصّت صراحة على أن «المساهمين الحاليين سيتحمّلون الخسائر الأولى»، أي في المصارف المتعثرة أو الناقصة الرسملة فقط – وليس محواً مسبقاً لحقوق ملكية جميع المصارف في النظام.
• تايلاند (1997–1998): أغلقت السلطات 56 شركة تمويل وتدخلت في عدد من المصارف الضعيفة قبل إعادة رسملة المؤسسات القابلة للاستمرار تحت إشراف صندوق النقد الدولي. ومرة أخرى، كانت التدابير خاصة بكل مؤسسة، ومتخذة بعد مراجعات تشخيصية، ولم تكن إلغاءً عاماً لحقوق الملكية.
ما تشير إليه التحليلات والدراسات المقارنة:
• تصف المراجعات الداخلية لصندوق النقد الدولي لبرامج آسيا تسلسلاً معيارياً: تحديد اختلالات الميزانيات العمومية (مراجعات جودة الأصول، اختبارات الضغط)، ثم تسوية أو إعادة رسملة المصارف المتعثرة، يليها خفض حقوق المساهمين في المؤسسات المعسرة. ولا توصي أي وثيقة بمحو حقوق الملكية على مستوى القطاع ككل قبل التشخيص.
• تؤكد الدراسات المستقلة (بنك التسويات الدولية BIS، والبنك الدولي/مجموعة التقييم المستقل IEG) هذه الخلاصة؛ إذ توثق إغلاق مؤسسات محددة (مثل 16 مصرفاً في إندونيسيا، وشركات التمويل في تايلاند) يتبعه اعتماد أطر لإعادة الرسملة، من دون الإشارة إلى أي سياسة تقوم على «محو كل شيء مسبقاً» كشرط للمساعدة.