مليون دولار هبة صينية للنازحين: هذا ما جنته الدولة؟!

كلّما تقلّصت احتمالات حصر القصف في المناطق الحدودية، تختار إسرائيل أهدافاً أبعَد. وأحياناً أخرى تصعِّد عملياتها وتزيد مستوى القصف، ما يوحي بأن الحرب قد تمتدّ جغرافياً، بالتوازي مع المدى الزمني. وهذا يعني إطالة أمد نزوح سكّان المناطق الحدودية، وتالياً ترتفع معدّلات الحاجة إلى تغطية مالية لسدّ حاجاتهم، وخصوصاً الأساسية. وإلى جانب ذلك، يفكّر المتضرّرون بالتعويضات التي يفترض أن تدفعها الدولة، سواء من مالها الخاص أو عبر اجتذاب هبات وقروض دولية. وأولى المؤشّرات في هذا الملف، هي الهبة الصينية التي طُرِحَت اليوم خلال اجتماع ضمّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجّار، إلى جانب سفير الصين لدى لبنان تشيان منجيان ورئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر.

مساعدات إنسانية أساسية فقط
وضعت الحكومة خطّة طوارىء لمواجهة احتمالات التصعيد والذهاب نحو حرب واسعة. لكن ما تم أو سيتم تدميره من منازل ومنشآت ومؤسسات، وتضرّر أراضٍ ومزروعات، ليس موضوعاً على طاولة التعويضات حتى الآن. وإذا كانت الدولة غير قادرة على تأمين المبالغ المالية المطلوبة، والتي ستُسَجَّل بعد انتهاء العمليات العسكرية ووضوح حجم الدمار وكلفته، يبقى التعويل على الدول الراغبة بالتبرّع والمساعدة.

لاحت بوادر المساعدات من خلال الهبة الصينية التي سعى إليها وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجّار. فقد أكّد السفير الصيني أن حكومة بلاده "قرّرت تقديم مليون دولار أميركي نقداً، كمساعدة مستعجلة للنازحين اللبنانيين الذين أصيبوا في الاشتباكات على الحدود اللبنانية".

وتلك المساعدة، هي خلاصة اجتماعات ولقاءات "لأكثر من شهر، مع سفراء الدول لتحفيزهم على الالتزام والمساعدة، ولشرح الأوضاع الصعبة في الجنوب"، وفق ما أكّده حجّار الذي لم يجد تجاوباً حتى الآن إلا من الصين التي "قدمت الهبة الإنسانية لدعم القضايا الإنسانية لنازحي الجنوب". وأشار حجّار إلى أن أوراق قبول الهبة، ستُقَدَّم بشكل رسمي "خلال الساعات المقبلة. وستحوَّل الأموال إلى حساب وزارة الشؤون، وسنعلن موعد استلام الهبة وسنشرح للمواطنين كيف سيتم دعم النازحين اللبنانيين".

وبالتوازي، تشرح مصادر في وزارة الشؤون الاجتماعية، في حديث لـ"المدن"، إلى أن الوزارة تهتم بـ"خمسة قطاعات تتعلّق باحتياجات النازحين، هي الإيواء، الحاجات الأساسية، الغذاء". وضمن هذا الاختصاص "سيتم توزيع قيمة الهبة الصينية ضمن هذه القطاعات. أما تمويل باقي الاحتياجات، ومنها دفع تعويضات للمتضرّرين، فهو من اختصاص جهات أخرى، وليس وزارة الشؤون الاجتماعية".

مجلس الإنماء والإعمار والهيئة العليا للإغاثة
تأمين الاحتياجات الأساسية للنازحين، وخصوصاً المصابين منهم، هو خطوة أوّلية مهمة جداً، لكنها لا تلغي الحاجة الملحّة لتأمين التعويضات للمتضرّرين ككل. فالكثير من المنازل والأراضي الزراعية تضرّرت بفعل القصف، وهذا ما يحوِّل الأنظار نحو الحكومة كطرف أساسي في تنفيذ خطة الطوارىء ودفع التعويضات، ثم نحو مجلس الإنماء والإعمار والهيئة العليا للإغاثة، كلٌّ بحسب اختصاصه.

ورغم مرور أكثر من شهر على الحرب التي تطال القرى الحدودية، لم يتلقَّ المجلس أو الهيئة أي قرار رسمي حول التعويضات، وفق ما يقوله لـ"المدن"، كلٌّ من رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، ورئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد الخير. ومع ذلك، فإن "المجلس مستعد للعمل بحسب ما تقرّره الحكومة التي يفترض أن تكلّف المجلس بمهام معيّنة". ويفصل الجسر بين المهام التي يُكلَّف بها المجلس، وتلك التي تذهب للهيئة العليا للإغاثة. فالمجلس معنيّ "بالاهتمام بالطرقات والجسور المهدّمة. في حين أن تعويضات المنازل وغير ذلك من أمور تعني المواطنين، فتهتم بها الهيئة". ومع ذلك، "لم يُطرَح هذا الملف في اجتماع اليوم".

في المقلب الآخر، ما زالت الهيئة العليا للإغاثة خارج مدار بحث التعويضات. وينتظر الخير "قرار الحكومة في هذا الشأن. فهي التي تقرّر كيف سيتم التعويض ومَن سيدفع القيمة. والحكومة تكلِّف الهيئة بما يفترض بها تغطيته". والحكومة حتى الآن لم تحسم هذا الموضوع ولم تتواصل مع الهيئة العليا. حتى أن الأخيرة "لم تتبلَّغ بالهبة الصينية. ولا نعرف كيف ستتوزَّع". ويرى الخير في حديث لـ"المدن"، أن الحديث عن التعويضات للمتضرّرين "ما زال سابقاً لأوانه".

الهبة الصينية ما زالت وعداً لم يدخل حيّز التنفيذ بعد. لكن الوعد يفتح النقاش حول ما يُمكن تقديمه لمساعدة النازحين، ولاحقاً كل متضرّري الحرب. على أن مصدر أموال التعويضات ما زال غامضاً. ومع ذلك، تظهر مشكلة غياب ثقة المتضرّرين بالدولة وبأذرعها التي تتسلَّم مهمّة تحديد الأضرار وصرف التعويضات المالية. وتجربة تعويضات حرب تموز 2006 ما زالت حاضرة في أذهان الجنوبيين، الذين بقي كثيرون منهم بلا تعويضات رغم تدفّق الأموال من غير جهة ودولة.