منصور الرحباني قائد الثورة

في مثل هذا اليوم انتهى المشوار الأرضي لمن رسم لنا الوطن الذي نسعى في هذه الايام الى تحقيقه. وفي مثل هذا اليوم رحل القائد الحقيقي للثورة لا بل لثورات الارض مجتمعة لانه أوجد مع شقيقه عاصي المعنى الحقيقي للحرية والكرامة وحرّرنا من الظلم وجعلنا نرى على الخشبة كيف نقاوم الاستبداد وكيف يسقط الطغاة في نهاية المطاف وتزول الانظمة وتتزلزل العهود ويبقى الناس...الناس البسطاء ...الناس الطيبون.

لم يكرر منصور مسرحا تقليديا ولا حتى مسرحا حديثا فهو الى جانب عاصي جعلا من الوطن حكايات ترسم على الخشبة لتصل الينا بصوت "ساكن العالي" على الارض- صوت فيروز - وتتجسد أروع البطولات التي غالبا ما تنتهي بالحزن والمأساة، لان ذلك ربما هو قدر الأحرارعلى هذه الارض.

تخطى منصور في حياته الوطن الأم أي لبنان فخلق لنا أوطانا نتوق حتى اليوم للعيش فيها. تلك الاوطان لم تكن كذبة تنتهي مع نهاية المسرحية بل كانت "الوطن اللي جايي" الذي رسمه منصور وها هو اليوم يولد من رحم ثورة قرّرت "انو لازم يضل في حدا يقول لأ" ورجالها "ثوار من المسافات ع غفلة بيحضروا."

شعب منصور وعاصي اليوم" ودع اليأس ولفحتو ريح الشمس ورجعت ايديهن تبني وتعمّر صوت عيادهن خزق سمعهن فرح معاولهن بالارض بشرهن بهدم براجن".

 هذه الكلمات يعيشها لبناننا اليوم الذي أراد في غفلة من الزمن أن يثور وينتفض على المتسلطين وهو اليوم بات أمام خيارين، فاما ان يربح الرهان وينتصر على الوالي المستبد والذي يغفل عن أبسط حقوق الناس حتى اصبح شعبه من دون سقف كما في مسرحية صح النوم أو الخيار الثاني وهو الخيار المرّ فهو أن يرحل شعب عن بكرة أبيه ويترك الارض للوالي المستبد حتى يدرك الاخير ان لا قيمة له من دون شعبه تماما كما الصورة التي رسمها منصور وعاصي في ناطورة المفاتيح ذات ليلة صيف في بعلبك.

يوم عاد المعلّم الكبير الى قلعته للمرة الاولى بعد انتهاء الحرب اللبنانية لم يستسلم للواقع السائد انذاك لا بل استشرف المرحلة المقبلة اي تلك التي نعيشها اليوم مطلقا جملته الشهيرة التي أكدت أن ما رسم بريشة الاخوين قبل العام 1975 قد رسم وهو حقيقة اتية لا محال "قالوا حكينا ع وطن جايي ووعدنا الناس قصصنا ورق الرواية عملناهن ناس عم يبكي فيي ويسأل وطن العينين الاول حبيبي ونطرني رح يوعى الزهر الما بيدبل نحنا الارض العتيقة نحنا صرنا مطارحنا نحنا وما منرحل..."

الوطن الذي أراده منصور والذي يولد اليوم أمام أعيننا لخّصه منصور بصوت فيروز بأسطر وكلمات قليلة صدحت مجدا وعزًا في أرجاء بعلبك: "أنا بدي عمر وطني متل ما بدي وجي ع هالسهل الواسع والسما حدي أنا بدي وطن يكون مثل السيف المسنون بهدير الايام الجايي وبالحرية مسكون يا وطني يا حبيبي يا همي الاكبر يا وطني حبيبي رح ترجع أخضر انا يلي سميتك لبنان الاخضر."

منصور الرحباني اليوم تستحق لقب قائد الثورة لا بل الثورات وانت "رح تبقى هيداك السراج المضوي بالبال."

بيار البايع