المصدر: لوريان لوجور
الكاتب: جوزفين حبيقة
الاثنين 13 تشرين الأول 2025 13:41:01
يستضيف متحف فيكتوريا وألبرت في كنسينغتون – لندن، ضمن فعاليات London Design Fair، حتى 19 تشرين الأول، عملاً مميزاً للفنان اللبناني المتعدد الاختصاصات رمزي مَلّاط، المقيم بين بيروت ولندن.
يقول الفنان بتأثر: «أشعر بامتنان كبير لرؤية عملي في أحد أبرز المتاحف في العالم. أنجزتُ هذا العمل خلال عامين، وقد كان تجربة علاجية بقدر ما كانت إبداعية. عندما كنتُ أحطّم الزجاج خلال التنفيذ، كنت أسترجع صدمة انفجار المرفأ، لكنني أردت أيضاً التعبير عن تجربة جماعية، عن جرح وطن بأكمله».
ويضيف مَلّاط أن عمله «يتفاعل مع قطع أخرى معروضة في المتحف، منها عمل للفنانين اللبنانيين رنا حداد وباسكال هاشم المستوحى من الزجاج المتناثر خلال الانفجار»، موضحاً أن عمله «أكثر رمزية وتأملاً، ويسائل غياب النُصُب التذكارية في لبنان».
بين الذاكرة والغياب
العمل الذي يحمل عنوان «Not Your Martyr» (لستَ شهيدك) كان قد عُرض للمرة الأولى في لندن عام 2023 في صالة P21 Gallery. وهو محاولة فنية لإعادة التفكير في مفهوم الذاكرة الوطنية، وفتح مساحة حوار حول الهوية اللبنانية المعاصرة وصعوبة مواجهة الذاكرة الجماعية.
يقول الفنان بأسى: «لم أتمكن من عرض عملي في بيروت، لأن موضوعه ما زال حساساً ومثيراً للجدل. عرضه اليوم في لندن يأتي في الذكرى الخامسة لانفجار المرفأ، والمتزامنة مع مرور خمسين عاماً على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. أردت الربط بين هذين الحدثين في عمل فني واحد».
من خبز الطفولة إلى الفن
يعود شغف مَلّاط بالمواد الملموسة إلى طفولته. «كان والداي يُعطياني قطعة من العجين للّعب بها في المطعم. هناك بدأت علاقتي الأولى مع المادة»، يروي الفنان.
في الخامسة عشرة بدأ الرسم، ثم درس الفنون الجميلة في جامعة لانكاستر في بريطانيا بعد تخرّجه من مدرسة الجمهور في لبنان.
«بعد البكالوريا، كنت أعرف أكثر عن الثورة الفرنسية مما أعرفه عن تاريخ بلدي. في إنجلترا تعلّمت أدوات تحليل نقدية، لكنني شعرت بنقص في فهم ثقافتنا الخاصة، فعدت إلى لبنان عام 2017 لأستعيد هذا الرابط المفقود بين الفرد والإرث»، يقول.
منذ عودته، أقام معارض عدة في بيروت، منها في قصر الأونيسكو ومعهد سرفانتس. كما قام بجولة فنية على المدن اللبنانية من البقاع إلى صور وطرابلس، حيث كان يُعدّ القهوة للمارة، يقرأ لهم الفنجان، ويحتفظ ببقايا البن لتوثيق «أحلام المستقبل»، في مشروع سماه «أرشفة المستقبل».
المعمول كذاكرة جماعية
بعد عودته إلى لندن عام 2021 لمتابعة دراسته العليا في النحت في Royal College of Art، واصل مَلّاط بحثه الفني، مقدماً أعمالاً تجمع بين الرمزية والتراث المادي.
في عمله الأخير، يختار قالب «المعمول» – الحلوى اللبنانية التقليدية – كرمز للذاكرة المشتركة.
يقول مَلّاط: «بعد الانفجار، وبينما كنت أزيل الركام من منزلي، شعرت بحاجة لتوثيق كل شيء. خشيت أن تُمحى ذاكرتنا سريعاً، ففكرت في نصب تذكاري لا يكون سياسياً أو طائفياً. اخترت المعمول لأنه يجمعنا جميعاً، مسيحيين ومسلمين، ولأنه رمز للفرح والاحتفال، كما يرمز إلى المغتربين الذين يحملون معهم نكهات الوطن أينما ذهبوا».
العمل مصنوع من الزجاج المنحوت والمشكّل على هيئة قوالب المعمول التقليدية بألوان وأشكال متعددة تشبه الأصداف والأزهار والنقوش الهندسية. هذه العناصر، كما يقول الفنان، «تستحضر البحر والطبيعة والخصوبة، وهي رموز كونية للحياة والموت والتجدد».
بين النُصب والنسيان
يرى مَلّاط أن الفن يمكن أن يتحول إلى أداة مقاومة للنسيان:
«نحن لا نزال نعيش في الحداد منذ الرابع من آب، والفن يساعدنا على تحويل الألم إلى فعل، إلى شكل من أشكال التواصل. هذا العمل ليس مجرد نصب تذكاري، بل محاولة لتأسيس ذاكرة جماعية حقيقية، بعيدة عن الشعارات السياسية وعن فكرة "الشهيد" التي تُستغل في الخطابات».
ويختم قائلاً: «أتمنى أن أتمكن يوماً من عرض هذا العمل في بيروت، لأن الذاكرة، مهما كانت موجعة، يجب أن تُروى في المكان الذي وُلدت فيه».