المصدر: النهار
الكاتب: شانتال عاصي
الأحد 7 أيلول 2025 07:57:58
في ظل الأزمات والكوارث المتلاحقة التي يعيشها لبنان، يظل الشعب اللبناني مثالاً على الصمود والقوة، شعبٌ يحب الحياة بكل تفاصيلها، ويتمسك باللحظات الصغيرة التي تمنحه الفرح وسط معاناة يومية لا تنتهي. لكن هذه القوة والحياة تنعكس أحيانًا في اتجاهات غريبة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتحوّل الترند إلى ظاهرة اجتماعية وسلوكية تجذب الكثيرين، لا سيما على تطبيق تيك توك، الذي أصبح منصةً للترفيه، لكنه في كثير من الأحيان يحمل في طياته محتوى سطحيًا أو استفزازيًا يساهم في نشر السخافة وقلة الأدب.
من دمية اللابوبو إلى "الكروكس الصغير"
ومثال واضح على هذا التأثير ما شهده لبنان مؤخرًا مع انتشار دمية اللابوبو العالمية "المخيفة"، والتي جذبت انتباه المستخدمين بسرعة، ما يعكس قدرة الترندات العالمية على التأثير على سلوك الجمهور اللبناني، حتى في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة. والآن، ومع حملة جديدة، يقف اللبنانيون بالطوابير أمام فروع ماكدونالدز للحصول على ما يُعرف بـ "الكروكس الصغير"، في مشهد يطرح العديد من التساؤلات حول دوافع هذا التهافت، خاصة بعد حملات مقاطعة طويلة من بعض المواطنين، بسبب ارتباط العلامة التجارية، حسب بعض المراقبين، بالقوى المعادية.
العامل النفسي وراء ركوب الترند
إذا نظرنا إلى الظاهرة من منظور تحليلي، نجد أن جمع هذا النوع من المنتجات ليس مجرد تسلية أو متابعة للترند، بل يرتبط بشكل عميق بالعامل النفسي والاجتماعي. في ظل الضغوط اليومية والأزمات المتكررة، يبحث الناس عن لحظات فرح وسعادة سريعة، حتى لو كانت مرتبطة بمنتجات تافهة أو رمزية. هذه الرغبة تعكس حاجتهم إلى الشعور بالمشاركة والانتماء إلى مجتمع واسع، حيث يُصبح التفاعل مع الترند وسيلة لإثبات الحضور الاجتماعي والتواصل مع الآخرين على المنصات الرقمية.
التسويق الاستراتيجي واستغلال الفضول
من جانب آخر، تُظهر الظاهرة أيضًا ديناميكية التسويق الاستراتيجي للعلامات التجارية العالمية. فبينما يحقق المستهلكون لحظات من المتعة والفضول، تجني الشركات أرباحًا ضخمة من المنتجات الموجهة للترندات، مستغلةً عوامل الفضول والرغبة في التميز والانتماء الاجتماعي لدى الأفراد. وهنا يظهر السؤال: ما الذي يحققه المستهلك فعليًا؟ هل الهدف ترفيهي بحت، أم أن هناك تأثيرًا أعمق على السلوك الاستهلاكي والقرارات المالية للأفراد؟
تيك توك والمحتوى غير الهادف: بين الترفيه والخطر
لا يمكن الحديث عن موجة الترند في لبنان دون التوقف عند دور تطبيق تيك توك، المنصة التي أصبحت محورًا أساسيًا لانتشار الظواهر الرقمية بسرعة هائلة. فبينما يُروج له كوسيلة للترفيه والتعبير الإبداعي، يحمل التطبيق في طياته كمًا هائلًا من المحتوى السطحي وغير الهادف، الذي غالبًا ما يركز على السخافة والمواقف المثيرة للجدل، ويغذي سلوكيات غير ناضجة لدى المتابعين.
الأمر الأكثر خطورة هو تأثير هذا المحتوى على الأطفال والمراهقين، الذين يُعتبرون الفئة الأكثر عرضة للتقليد والتأثر بالترندات. فموجات التحديات غير المدروسة، والمقاطع التي تحتوي على إيحاءات غير مناسبة أو مغالطات، قد تشجع على سلوكيات خطرة أو غير أخلاقية، وتؤثر على تطورهم النفسي والاجتماعي. يضاف إلى ذلك الضغط النفسي الناتج عن المقارنة المستمرة بين الذات والمحتوى الذي يراه الطفل أو المراهق على المنصة، ما قد يزيد من حالات القلق أو الشعور بالنقص، خاصة في مجتمعات تعيش ضغوطًا اقتصادية واجتماعية مثل لبنان.
من هنا، تصبح المسؤولية مشتركة بين الآباء والمربين، وبين المنصات الرقمية نفسها، لضمان ترشيح المحتوى المناسب ومراقبة الأطفال والمراهقين أثناء استخدامهم التطبيق. كما يبرز التحدي الأكبر في كيف يمكن للمجتمع التعلم من هذه الظواهر الرقمية، وتوجيه استخدامها نحو محتوى هادف يُعزز الإبداع والتعلم بدلًا من السخافة والخطر.
الترند كنافذة لفهم المجتمع اللبناني
إنّ ركوب موجة الترند في لبنان، سواء كان ذلك عبر دمى اللابوبو أو "الكروكس"، يعكس أكثر من مجرد هواية مؤقتة، فهو نافذة لفهم كيف يختار الناس الهروب من الواقع القاسي، وكيف يمكن للضغوط الاجتماعية والنفسية أن توجّه سلوك المستهلك، حتى في مجتمعات تواجه أزمات معيشية وسياسية حقيقية.
في النهاية، يطرح السؤال الأهم: هل هذه الظواهر مجرد تسلية مؤقتة، أم أنها مؤشر على حاجة المجتمع اللبناني المتزايدة إلى منفذ للتنفيس النفسي والبحث عن لحظات فرح وسط أزمة مستمرة؟