نتنياهو يلعب على حافة الانتخابات الأميركية: تسريبات تناقضها السلوكيات

توحي التسريبات الإسرائيلية والجهود الأميركية المكثفة والجدية، بقرب الوصول إلى حلّ ديبلوماسي للحرب مع لبنان ووقف العملية العسكرية. على مدى الأيام القليلة الماضية تضج إسرائيل بتسريبات وأخبار وتقديرات عسكرية وتوصيات صادرة عن الجيش تشير إلى إمكانية إبرام صفقة مع لبنان، مع تغليفها بمعادلة الاقتراب من تحقيق أهداف الحرب والعملية العسكرية، وهي إبعاد حزب الله عن الحدود وتدمير مخزونه الصاروخي. تعززت هذه التسريبات بتصريحات أدلى بها وزير الأمن يوآف غالانت حول تدمير ما يقارب 80 بالمئة من قدرات الحزب العسكرية واحتفاظه بـ20 بالمئة. وهو أمر ينفيه حزب الله قطعياً ويؤكد أنه لا يزال يمتلك مخزوناً كبيراً ولم يستخدم جزءاً أساسياً من صواريخه وأسلحته. 
 
مشروع نتنياهو 
ضمن اللعبة التي يخوضها نتنياهو وحكومته، اعتماد التسريبات التي تشير إلى تحقيق أهداف إسرائيل من عمليتها العسكرية والتي قد تكون مرتبطة بتهيئة الأرضية الداخلية للادعاء بأن الأهداف تحققت فتصبح الحكومة قادرة على التسويق للحلّ السياسي.
في مقابل هذه التسريبات، لا تزال الشكوك عالية في إسرائيل حول نوايا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي وضع أهدافاً بعيدة المدى وقال إن الإستراتيجية التي يعمل ضمنها قد تستمر لسنوات. في هذا السياق يتم توجيه الكثير من الاتهامات لنتنياهو بأنه يسعى للالتفاف مجدداً على كل التوصيات العسكرية لأنه يريد إطالة أمد الحرب ولا أحد يعرف حقيقة مشروعه وما يرمي إليه، وذلك أيضاً يتأكد من خلال الخلاف الذي تجدد مؤخراً بينه وبين غالانت، إذ يعتبر الأخير أن نتنياهو لا يضع استراتيجية واضحة للخروج من الحرب التي لم تعد أهدافها واضحة أو معروفة. 

إعلان الانتصار
قبل أسابيع وقع الخلاف نفسه بين نتنياهو والجيش ووزير الأمن يوآف غالانت على خلفية تمسك الأول بمواصلة الحرب، علماً أن مقترحاً عسكرياً تم تقديمه له بإمكانية إعلان الانتصار بعد ما اعتبروه تفكيك المجموعات العسكرية لحركة حماس وقد تجددت المطالبات بإعلان الانتصار بعد استشهاد رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، لكن نتنياهو رفض ولا يزال يريد مواصلة العملية العسكرية على الرغم من دخوله في مفاوضات للوصول إلى صفقة تستمر لأقل من شهر، إلا أنه في المقابل يريد مواصلة القتال بعدها وهو أمر لا يمكن لحماس أن ترتضيه. 
بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ورئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين، والكثير من القيادات العسكرية والأمنية في الحزب، نصح الجيش الإسرائيلي مجدداً نتنياهو بإمكانية إعلان الانتصار مع الدخول في مفاوضات سياسية جدية لانتاج حل ديبلوماسي. جانب كبير من النقاشات الإسرائيلية الداخلية تستغرب إصرار نتنياهو على الدخول في معركة برية ضد حزب الله، وهي التي يراهن عليها الحزب لإلحاق خسائر كبيرة في صفوف الإسرائيليين، وجزء من النصائح والتسريبات تشير إلى إمكانية الاكتفاء بالعمليات الجوية، لكن ذلك بحسب بعض الجهات داخل إسرائيل لن يكون كافياً لتدمير البنى التحتية التي يمتلكها الحزب في الجنوب وخصوصاً الأنفاق، وحتى الآن لا يزال حزب الله يفاجئ الإسرائيليين بالخروج من أنفاق في قرى تعرّضت للكثير من الغارات وعمليات القصف والاستهداف، ولا يزال مقاتلوه يوجهون ضربات صائبة للجنود والآليات. 

الشروط المستعصية
على الرغم من الإصرار على مواصلة العملية العسكرية البرية، والتصعيد الجوي ضمن اعتماد استراتيجية ضرب وتدمير المدن الكبرى في لبنان، والتي بدأت بتدمير مدينة النبطية، صور، وصولاً إلى بعلبك، مع مخاوف من احتمال اللجوء مجدداً لتدمير أحياء ومناطق واسعة في الضاحية الجنوبية، إلا أن نتنياهو في المقابل يوحي بقبول الدخول في المفاوضات خصوصاً في ظل الضغط الأميركي، لكنه يحاول أو يراهن على كسب المزيد من الوقت طوال فترة التفاوض لما بعد الانتخابات الأميركية، ولذلك يعمل على رفع سقف التفاوض ويضع الكثير من الشروط التي لا تبدو قابلة للتحقق، لا على صعيد مطالبته بفرض الحصار البرّي والبحري والجوي على لبنان، ولا بإدخال قوات متعددة الجنسيات ولا أخذه لحرية العمل العسكري في اللحظة التي يريدها، فهذه كلها لا يمكن للبنان أن يوافق عليها.
ينتظر نتنياهو مصير الانتخابات الأميركية ونتائجها، ففي حال فازت كامالا هاريس يكون قد وضع مساراً للتفاوض مع إدارة بايدن ويستكمله معها في موازاة تصعيده العسكري، وفي حال فاز ترامب فسيأخذ مدى جديداً إلى حين تسلّمه، علماً أن جهات أميركية تشير إلى أن بايدن سيكون متشدداً جداً مع نتنياهو بعد نتائج الانتخابات والتحرر من أعبائها لصالح إعادة انتاج تفاهمات مع إيران لعدم الدخول في حرب إقليمية.