المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
الاثنين 20 تشرين الأول 2025 10:17:13
اكثر من اسبوع من النقاشات الشاقة والاجتماعات بين وفد لبنان الذي ضم مجموعة الوزراء والنواب إلى جانب حاكم مصرف لبنان، وممثلي صندوق النقد الدولي على هامش اجتماعات الخريف السنوية المنعقدة في واشنطن سعى فيها لبنان إلى تجميع مواقفه تحت مظلة واحدة سعياً وراء نتائج ايجابية تساعد على معالجة نقاط التباين التي يختلف عليها الفريقان وتحول دون الوصول إلى المرحلة النهائية لتوقيع برنامج مالي بينهما.
كل الاجواء والمعطيات الواردة من واشنطن عكست مناخاً سلبياً او متشائماً لم تنجح التصريحات العلنية لكلا الجانبين في تجميله او إضفاء لمسة إيجابية عليه. لكن تلك الاجواء لم تكن بهذه السلبية، بل كان الوفد اللبناني متماسكاً في تقديم مقاربته بالرغم من التمايزات في ما بين اعضائه الذين حرصوا على تقديم رؤية موحدة.
لم تصل النقاشات إلى حائط مسدود، ولا سيما في الجانب التقني بل امكن التوصل إلى تفاهمات حوّل نقاط التباين من خلال اما تعليقها او تحييدها حتى الوصول إلى بلورة نقاط تفاهم مشتركة حولها. والواقع ان المشكلة ليست في الجانب التقني بل في الخلفية السياسية التي تحكمت بموقف الصندوق، ما أدى إلى خلاصة ان لا اتفاق قريبا ولا دعم قبل انجاز الاتفاق السياسي. فالاختلاف لم يكن على ملف الودائع مثلاً بل على أمور تقنية بحت عكست الضغط السياسي الذي يمارس على الصندوق لخلق ذرائع لعدم السير في البرنامج الآن، علماً ان الوفد اللبناني أبلغ مسؤولي الصندوق ان قانون الفجوة سينجز في الحكومة قبل نهاية السنة وستتم إحالته إلى المجلس ليقره، وسط توقعات بأن المجلس لن يعمد إلى ذلك في سنة انتخابية.
والمفارقة اللافتة التي لمسها الوفد ان الشروط لم تعد تقتصر على نزع سلاح "حزب الله" الذي بات النظر اليه كأداة، تعكس الالتزام السياسي بالدخول في التفاوض المباشر على السلام.
وبحسب المعلومات التي توافرت لـ"النهار" من مصادر مشاركة في واشنطن، بأنه في هذه المرحلة التي وصلت اليها النقاشات، لا يزال موقف صندوق النقد الدولي عالقاً عند محورين أساسيين:
1- الدين القائم بين الدولة ومصرف لبنان. وعلم انه تم الاتفاق على تجميد او تعليق البحث في هذا الموضوع إلى حين انتهاء اللجنة المشتركة لوزارة المال ومصرف لبنان من مراجعتها. وقد كلّفت اللجنة شركة KPMG بالتدقيق في وجود هذا الدين وتحديد قيمته الدقيقة.
لكن، حتى قبل صدور التقرير والنتائج التي خلص اليها، قرر ممثّلو صندوق النقد تحديد المبلغ الذي يعتبرونه مقبولاً من قِبلهم للدولة كي تعترف به — بغضّ النظر عن الواقع المحاسبي الفعلي. ورأى الوفد اللبناني في هذا الموقف نزعةً تعطيليّة، واتفق على ان يتم تحييده مؤقتاً بانتظار نتائج التدقيق.
2- معالجة رساميل المصارف ومنطق الحلّ. وفي هذه النقطة، علم ان الصندوق قدم خطّة تُشبه إلى حدٍّ كبير الإطار الذي سبق ان اقترحه المصرف المركزي لحلّ الأزمة المصرفية ويقضي بخفض العجز بنحو 30 مليار دولار أميركي، وإعادة رسملة القطاع المصرفي، وإعادة الودائع (الصغيرة، المتوسطة، والكبيرة).
كما نصّت الخطة على توزيع الأعباء المالية بين الدولة، ومصرف لبنان، والمصارف التجارية. لكنّ الصندوق كما فهم، لا يزال متمسّكاً بشكلٍ عقائدي بفكرة شطب رساميل المصارف مسبقاً، أي قبل إجراء أي تقييم مستقل لجودة الأصول (AQR) أو عمليّة تدقيق تفصيليّة على مستوى كلّ مصرف.
وهذا النهج يتعارض مع المبدأ الأساسي الوارد في قانون إعادة هيكلة المصارف ولا سيما في المادة 36، التي تنصّ على أن يقوم مقيّم مستقل أولاً بتحديد مدى قابلية كلّ مصرف للاستمرار وحاجاته إلى إعادة الرسملة.
وبالرغم من الشروحات المشتركة التي قدّمها ممثلو وزارتي المال والاقتصاد ومصرف لبنان، والتي تُظهر أن مقاربة الدولة اللبنانية تؤدي إلى النتيجة نفسها ولكن عبر مسارٍ قانوني ودستوري أكثر صلابة وسياسياً أكثر قبولاً، فقد رفض صندوق النقد أي نقاش جوهري حول هذا المبدأ، من دون أن يقدّم أي حجج قانونية أو معايير محاسبية أو سوابق دولية تدعم موقفه.