هذا ما حققه عون من مشاركته في قمّة الدوحة

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، شكّلت قمة الدوحة العربية والإسلامية الاستثنائية محطة محورية في إعادة رسم مشهد التوازنات في الشرق الأوسط، على وقع التطورات المتسارعة، حيث جاءت مشاركة رئيس الجمهورية جوزاف عون، بطلب شخصي من امير قطر، لتحمل دلالات استراتيجية تتجاوز الرمزية السياسية، وتمتد إلى مجالات الأمن القومي، التموضع الإقليمي، وإعادة التموضع الدولي، في توقيت حساس داخليًا، حيث تستمر التجاذبات حول مسألة "حصر السلاح"، والدور المستقبلي للجيش اللبناني، والموقف من القرارات الدولية، وفي ظل حراك دولي أميركي وفرنسي - خليجي متزايد لإعادة تفعيل الدور اللبناني في الإقليم، سواء في سياق ترسيم الحدود، أو ضبط الجنوب، أو معالجة ملف النازحين السوريين.

فلبنان، العالق بين أزماته الداخلية والانهيار المؤسساتي، وبين الضغوط الإقليمية والدولية، وجد في قمة الدوحة فرصة سانحة لتأكيد حضوره على الساحة العربية والدولية بصفته دولة "ذات موقف"، لا مجرد ساحة صراع بالوكالة، وهو ما عبر عنه خطاب عون أمام القادة العرب والمسلمين، حيث أعاد لبنان التذكير بثوابته تجاه القضية الفلسطينية، ودعمه للمقاومة المشروعة، وفي الوقت نفسه تشديده على احترام السيادة اللبنانية ورفض الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة.

من هنا، فإن قراءة ما حقّقه لبنان من هذه القمة لا يمكن أن تختصره البيانات الرسمية أو الصور البروتوكولية، بل يجب أن يقاس في ضوء التأثيرات السياسية والاقتصادية والأمنية التي يمكن أن تنجم عنه، سواء في شكل تفاهمات غير معلنة، أو وعود بدعم مشروط، أو حتى إعادة فتح قنوات الاتصال مع عواصم عربية كبرى كانت قد جمدت تواصلها مع بيروت، ما يضعنا أمام مجموعة من الأسئلة الأساسية: هل استطاع لبنان استثمار القمة لتعزيز موقعه الإقليمي؟ وهل فتحت المشاركة الباب أمام فرص دعم فعلي ومباشر للجيش والمؤسسات؟ وما مدى قدرة لبنان على ترجمة هذا الزخم السياسي إلى استقرار داخلي؟

مصادر سياسية مواكبة رات ان "العهد" حقق سلسلة من المكاسب السياسية والدبلوماسية، التي لا يستهان بها، من إعادة تثبيت الحضور اللبناني الرسمي على الساحة العربية والاسلامية، بعد سنوات من شبه غياب بسبب الانقسام الداخلي والشلل السياسي، وهو ما تجلى في اللقاءات الثنائية الرفيعة المستوى، أبرزها مع الرئيس السوري أحمد الشرع، الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وقادة خليجيين، ووزراء خارجية، ما فتح الباب أمام إمكانيات التنسيق الإقليمي في ملفات حساسة، كالنازحين، وضبط الحدود، وأمن الجنوب.

وتتابع المصادر بان زيارة الدوحة ساهمت في تخفيف بعض الضغوط، خصوصًا مع حديث بعض الوفود عن دعم الاستقرار في لبنان، والمساهمة في تمكين الدولة، والجيش، وخطط الإصلاح، مع نجاح عون في ربط قضية لبنان بالعدوان على غزة وقطر، مسلطًا الضوء على التشابه في سياسات إسرائيل تجاه الدول المستقرة والدول الضعيفة، في محاولة لبناء تحالفات تضامن سياسي.

من هنا تشير المصادر، الى ان فتح مسار وسطي بين طهران والرياض عبر بيروت ودمشق، من خلال حضور الرؤساء الثلاثة لنقاشات مشتركة، سيؤدي حتما الى تفعيل الدور اللبناني في التوازن الإقليمي، مع احتمال نيل دعم مالي أو لوجستي محدود، لا سيما في قطاعات الصحة والجيش والطاقة، وإن لم يتم الإعلان عن شيء مباشر بعد.

وختمت المصادر بان كل ذلك لا يسقط تاثير التحديات والمخاطر على هذا المسار، اذ أن لبنان لا يزال يعاني من انقسام داخلي حول السلاح، والتحالفات الإقليمية، ما قد يُضعف من قدرة الرئيس على ترجمة المواقف إلى نتائج داخلية، ومن جهة اخرى، غياب حكومة فاعلة ومؤسسات منتجة قد يحرم لبنان من فرص الاستفادة من الزخم العربي والدولي، إن لم يُسرّع خطواته الإصلاحية.

في الخلاصة، فان مشاركة لبنان في قمة الدوحة كانت ضرورة سياسية واستراتيجية في توقيت دقيق، وقد نجح عبرها في إيصال صوته وتأكيد تموضعه كطرف فاعل لا هامشي في قضايا المنطقة، فيما يبقى التحدي الأبرز في ترجمة هذا الحضور السياسي إلى مكتسبات ملموسة للبنان، سواء على صعيد دعم الاستقرار، أو في ملف النزوح، أو في الدفع نحو حل سياسي داخلي متماسك.