هل بدأ فرز الجمعيّات المدنيّة بعد بيان الأمن العام؟

هي كرة اللاجئين السوريين التي لا تزال تكبر، ليس فقط من باب الأعداد بين من هم مسجلون وغير مسجلين، بل أيضاً من باب الإجراءات والتدابير الوزارية.

ففي جلسة مجلس الوزراء التي اتخذت سلسلة مقررات في هذا الشأن، برز بند الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي طالبت الحكومة، يومها، الجمعيات اللبنانية منها والأجنبية خصوصاً، بالتنسيق مع الوزارات والإدارات والأجهزة العسكرية والأمنية تحت طائلة سحب العلم والخبر منها، وذلك بناءً على تقارير ترفعها لهذه الغاية الإدارات والأجهزة المعنية، ولا سيما المديرية العامة للأمن العام.

وكلفت وزارة الداخلية هذه المهمة. فهل بدأ التطبيق فعلاً؟ هل بدأ فرز هذه المنظمات؟ وهل من خطوات اتخذت؟

بين الداخلية والأمن العام

بالامس، لفت بيان للمديرية العامة للأمن العام الذي يؤكد "تزايد أعداد المنظمات والجمعيات التي تُعنى بأوضاع اللاجئين"، ويشدد على "اتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المخالفين وفق القوانين".

البيان قال: "إن عدداً من الجمعيات لم يستحصل على إجازة، ترخيص أو علم وخبر تخوّلها ممارسة أي نشاط، كما تبيّن أن بعض هذه المنظمات تقوم بممارسة نشاطات مخالفة لطبيعة عملها ونظامها التأسيسي. لذلك، يطلب الى المنظمات غير الحكومية، ولا سيما تلك العاملة في مجال إغاثة اللاجئين، الامتناع عن ممارسة أي نشاطات مخالفة لمضمون التراخيص والأذونات الممنوحة لها، والتقدم من المركز الإقليمي التابع لمكان مزاولة نشاطها مع نسخة عن الترخيص (...)، علماً بأن القطاعات العملانية التابعة للأمن العام ستكثف عملية مسح نشاطات كل الجمعيات، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المخالفين".

... والسؤال، هل يعني ذلك أن المسح بدأ؟ وأين دور وزارة الداخلية في هذا السياق؟

مصادر وزارة الداخلية تؤكد لـ"النهار" أن "بيان الأمن العام يعني انطلاق العمل على هذا الصعيد، بعد القرارات الوزارية التي اتخذتها الحكومة".

وفق معلومات "النهار" فإن مسار العمل سيكون على الشكل الآتي: سيقوم الأمن العام بمسح الجمعيات (وهذا ما بدأه وفق البيان الذي صدر)، ومن ثم رفع تقريره الى وزارة الداخلية ، وإذا تبيّن أن ثمة جمعيات ينبغي سحب العلم والخبر منها، عند ذلك تعد الداخلية تقريرها وترفعه الى مجلس الوزراء، وهو الجهة المخوّلة رفع أو سحب العلم والخبر من الجمعية.

حتى اللحظة، يتكتم الأمن العام على عدد الجمعيات التي يمكن أن يرفع عنها العلم والخبر، لكون "المسح لم ينته بعد"، وهذا ما تؤكده الداخلية لـ"النهار": "فلا تقرير بعد وصل الى الوزارة. لا يزال مسار العمل في بدايته. وفي الأساس، فإن الاجتماعات متواصلة لتقويم كل الإجراءات المتخذة".

تعميم ... ومخاوف

وإن كان "الانفلاش" المدني على صعيد المنظمات يعكس حقيقة ما في الواقع اللبناني، وأن عدداً من الجمعيات قد تكون تخطت أهداف الترخيص، فإن طريقة معالجة الأمر طرحت أكثر من علامة استفهام عند الجمعيات نفسها.

يقول الخبير في السياسات العامة وشؤون الهجرة واللجوء زياد الصائغ لـ"النهار": "كنا نتمنى لو باشر وزير الداخلية بسام المولوي معالجة هذا الملف انطلاقاً من مسار تشاوري بين الجمعيات والوزير نفسه، لأننا نرفض أي اشتباك بين الأجهزة الأمنية والمنظمات".

هذا "التحويل الى المربّع الأمني" يفتح الباب أمام إمكان إحداث شرخ بين المجتمع المدني والأجهزة الأمنية، نظراً الى التعميم الذي قد يلحق بالقضية.

لكن بيان الأمن العام تحدث عن الجمعيات التي لم تحصل على علم وخبر أو التي تخطت أهداف إنشائها، وبالتالي، فالسؤال كيف يمكن تحديد مصادر الأموال والأهداف؟

ينبغي الفصل بين الجمعيات التي تتمتع بالشفافية والعمل النظيف، وبين البعض التي تحوم حوله علامات الاستفهام. ففي النوع الأول، أهداف الجمعيات واضحة، تماماً مثل مصادر تمويلها التي تنشرها علناً وتكون زوّدت بها الداخلية عند أخذ العلم والخبر. أما النوع الثاني، فهذا ما يحتاج الى تقصٍّ وتحقيق من الأمن العام نفسه.

عند الصائغ، ثلاثة أسئلة مشروعة عند الجمعيات، بعد القرارات الوزارية التي صدرت، والأهم بعد بيان الأمن العام بالأمس. والأسئلة هي: "ما المعايير أو الضوابط التي اتُّخذت في مسح هذه الجمعيات أو المنظمات؟ هل سنكون أمام استنسابية في الموضوع، وهذا ما سبق أن حذرت منه منذ البداية؟

السؤال الثاني: لماذا العمل بالمقلوب؟ إن كانت ثمة شكوك حول عمل بعض المنظمات، فلماذا أعطيت العلم والخبر في الأساس؟ واليوم يريدون سحبه منها؟

السؤال الثالث: قد تكون ثمة مجموعات وليست جمعيات مجتمع مدني، تدخل في إطار التعاضد المدني، وهي نوع من مجموعات تأخذ تمويلاً من مؤسسات دينية أو من أفراد متمولين أو من مؤسسات قطاع خاص، وقد تكون تقدّم بعض المساعدات في مناطقها. لكن هذه المجموعات لا يمكن إدراجها في خانة المنظمات المدنية. هي جزء من التعاضد المدني في المجتمع اللبناني. والأهم، أننا نرفض أي اشتباك بين ما بقي من مساحات المجتمع المدني والأجهزة الأمنية والعسكرية".

هكذا، من الواضح أن ما لا يقبله المعنيون أو الناشطون المدنيون هو التعميم وتحميل تزايد اللاجئين لهذه المنظمات نفسها، فيما كل مؤسسات السلطة شبه غائبة، و"استفاقت" أخيراً على سلّة من القرارات!

ففي رأي الناشطين المدنيين، إن كان بالفعل ثمة جمعيات تخطت العلم والخبر لها وأهداف الترخيص أو تعمل بلا ترخيص، لم يكن يجوز الانتظار الى اليوم حتى اتخاذ الإجراءات في حقها، والأمر لا يتوقف هنا على مسألة اللاجئين بل يتعدّاها الى الكثير من الملفات.

من هنا، فإن التعميم خاطئ والمعالجة التي أحيطت بالموضوع أيضاً خاطئة. في رأي هؤلاء، إن "المعالجة لا تستند الى معايير أو ضوابط واضحة، ووضعت الجمعيات كلها في سلّة واحدة، إذ يخشى أن يكون هذا الأمر نوعاً من الانقضاض على المجتمع المدني".

في النهاية، يبدو أن المسار بدأ، فأي خواتيم قد تُكتب في هذا المجال، ولا سيما أن هناك حداً فاصلاً ودقيقاً جداً بين الانفعال والتشبّث بالحق السيادي للدولة الذي هو أولوية، وبين حريات المبادرة المدنية ومساحة المجتمع المدني؟

والأهم وكي يكون العمل اكتمل بالفعل، على الأمن العام أن يطلع الرأي العام، عند انتهاء المسح، على أرقام الجمعيات وأهداف عمل كل واحدة.