المصدر: اللواء
الكاتب: د. جيرار ديب
الثلاثاء 16 كانون الاول 2025 08:00:53
شارك مسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله، عمار الموسوي، السبت 7 كانون الأول، في مؤتمر حول فلسطين بإسطنبول.
ونقلت صحيفة «الجريدة» الكويتية أن الموسوي وقيادات أخرى من حزب الله، أجروا سابقاً زيارات لتركيا حيث عقدوا لقاءات مع المسؤولين الأتراك الذين يعملون على نقل رسائل بين الحزب والقيادة الجديدة في سوريا، لتخفيف التوتر وطمأنة الطرفين.
تطورات مستجدة بين تركيا وحزب الله تتجه إلى بناء علاقة أكثر استراتيجية تنطلق من هدف مشترك بين الطرفين على أرض سوريا لمواجهة الضغوط الأميركية. إذ في الوقت الذي يتطلّع الحزب إلى إعادة تعبيد طريق «السلاح» من طهران إلى بيروت بعد قطعها مع سقوط النظام الهارب بشار الأسد، تجد أنقرة في هذا التلاقي أبعاد تتخطّى القضية الفلسطينية، لتجد في الحزب ورقة تفاوضية مع الأميركي، بعدما تراجع نوعاً ما دورها في بناء سوريا الجديدة مع وضع البلاد ضمن دائرة التهديد الإسرائيلي المستمر والمصالح الأميركية.
في العودة إلى ترتيب العلاقة بين تركيا والحزب، تأتي التحركات الإيرانية لا سيما بعد اللقاء الأخير في طهران، بين وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، ونظيره الإيراني عباس عراقجي، في 2 كانون الأول. وتناول اللقاء ملفات عديدة أبرزها الملف اللبناني الذي في خفاياه أتت مشاركة الحزب في تركيا. أسس هذا اللقاء لبناء حلف ثلاثي جديد يمتد من طهران إلى أنقرة وصولاً إلى ضاحية بيروت الجنوبية، في ظلّ التراجع الكبير للدول الروسي، ورفضاً لوضع المنطقة تحت العصر الإسرائيلي.
أتى هذا اللقاء بمثابة تمهيد إيراني لإعلاء شأن دور الحزب في القضايا الاقليمية وهذا ما مهّد له وزير الخارجية الإيراني في آب الماضي، في حديث إلى الشرق الأوسط، إن طهران «لا تتدخل في الشؤون اللبنانية»، موضحاً «نحن نعبّر عن آرائنا ومواقفنا كما تفعل الدول الأخرى، وإن القرار بشأن السلاح يعود إلى الحزب نفسه والحكومة اللبنانية».
جميل ما قاله عراقجي في الشأن اللبناني، رغم أنّ هذا يدخله البعض ضمن إطار الرسم السوريالي، الذي يعكس حقيقة مختلفة لسلاح الحزب ووضعه في إطار جديد خدمة المشروع الإيراني في المنطقة وورقة بيد التركي وربما السعودي. لا شكّ أن للسلاح وظيفة في الدفاع عن مصالح ومشاريع إيران في المنطقة، هذا ما نطق به أكثر من مسؤول إيراني، لكنّ اليوم بات الحزب يوظّفه في الداخل اللبناني لأخذ مكاسب في السلطة، واخرى إقليمية ترتبط بالمحور الذي ينتمي إليه.
لا نقاش في تمسّك الحزب بسلاحه، هذا ما شدّد الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في كلمة متلفزة له السبت 13 كانون الأول، التي تناول فيها موضوع حصرية السلاح، قائلاً «فلتعلم أميركا أننا سندافع، ولم ينزع السلاح تحقيقاً لهدف إسرائيل ولو اجتمعت الدنيا بحربها علينا»، ولكن هل من وظيفة جديدة له؟
«حصرية السلاح» هناك تكمن الإشكالية بين حزب الله ومن يدور في فلكه، في اعتبار أن هذا القرار مطلب إسرائيلي بدعم أميركي، وبين الدولة ومؤسساتها وكل من يطالب بضرورة حصيرته في سبيل إعادة بناء الدولة. لهذا يرزح لبنان اليوم بين مطرقة الواقع الميدان، الذي يترجم باعتداءات واستهدفت يومية إسرائيلية على أكثر من منطقة لبنانية، وبين سندان الحركات الدبلوماسية التي يقودها أكثر من طرف محلي، بعده الرئيس جوزاف عون وغربي تمثّلت في الزيارة التي قام بها الموفد الرئاسي الفرنسي إيف لودريان الأخيرة والتي شدّد فيها على أمرين: حصرية السلاح، ومحاربة الفساد.
أبعد من النظرية الإسرائيلية التي يستند إليها قاسم لتبرير التمسّك في سلاحه، وتلك السردية التي دائماً يخرج عليها تجاه معارضيه، إلّا أن موضوع السلاح لدى الحزب يحمل أوجه مختلفة. إذ يتمسّك الحزب في هذا السلاح، الذي أوضح قاسم في كلمته أنّ جزءا من التمسّك به، هو عقائدياً لم يخجل الحزب في إظهاره وهذا ما يظهر من شعار على علم حزب الله الأصفر. ولكنّ رغم إن المسؤولين في حزب الله لطالما يضعون السلاح في إطار المقاومة للدفاع عن لبنان، لكنّ الواقع يظهر إنه يوظّف لأجل مشاريع خارجية تطال تحديد هوية المنطقة وأبعاد رسم ما هي مقبلة عليه.
تعمل إيران على إخراج الحزب من عنق الزجاجة، لهذا تعمد على فتح مسارات تفاوضية مع كل من تركيا والمملكة العربية السعودية على اعتبار أنّ الطريقة الأمثل للتعاطي مع الضغوط الأميركية عليها من ملفها النووي والباليستي. هذا ما دفع بالحزب إلى تغيير استراتيجية التعاطي مع الشأن الداخلي، من خلال استبدال اسم نظامه المصرفي «القرض الحسن» إلى اسم «جود». أما إقليمياً فإن الانفتاح على الجانب التركي، ومطالب الشيخ قاسم المملكة لفتح صفحة جديدة، لها دلالات أبعد من حزب مقاوم متمسّك بسلاحه وصولاً إلى تأكيد على دور إيراني لم يزل فاعلا يعمل على إعداد البنود للتقارب الحزب مع الدول الإقليمية.
نقل حزب الله وظيفة سلاحه من مقاوم عن الأراضي اللبنانية، إلى حاجة استراتيجية لتقاطع الدول الإقليمية الثلاث في ردعها لجنوب رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والمخطط الإسرائيلي. لهذا يجد اللاعب الأميركي أن تسليم السلاح ضرورة ليس لبناء الدولة في لبنان، بقدر ما تحتاجه لفك التحالفات الجديد تمهيدا لتحقيق مخططات ترامب من السلام إلى المناطق الاقتصادية.
أدخل حزب الله نفسه في لعبة المواجهة مع الأميركي مباشرة، وزجّ لبنان في ساحة التصفيات في ظلّ حكومة عاجزة عن تطبيق قراراتها منعاً للتصادم الداخلي، وأطراف داخلية متشرذمة أضعف إيمانها أن تقود معركة انتخابية تحصل على أكبر عدد من النواب في المجلس النيابي الجديد المزمع إجراؤها في أيار المقبل.
في ظلّ هذه المعمعة في الساحة الداخلية للبنان، التي يستفيد منها الحزب لإيجاد حالة من التكيّف مع التبدّلات المستجدة والاستفادة من الوقت قبل أن تقرر الإدارة الأميركية إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل بعملية واسعة على لبنان. يجد الحزب بالاشتراك مع الإيراني أن المطلوب تحصين نفسه إقليمياً بعد تجربة حرب الـ66 يوماً الذي ترك وحيداً يواجه آلة الحرب الإسرائيلية، لهذا ذهب في إيجاد وظيفة جديدة لسلاحه يسوقها لدى بعض الدول على إنها ضمانة لإنجاح مشاريعهم في التصدّي اللهيمنة الإسرائيلية المستجدة.