هل يكرس مؤتمر حواري في سويسرا التهدئة بعد الترسيم؟

هل يدفع إنجاز ملف ترسيم الحدود بلبنان إلى ساحة استقرار بعيدة عن التجاذبات الإقليمية والدولية؟ أم أن الصراع الروسي الأوكراني المعطوف على توتر بالعلاقات السعودية الأميركية سيرخي بظلاله بالمزيد من الصراعات والإنقسام إلى حدّ ترسيم حدود النفوذ الإقليمي والدولي؟

هل من تنسيق مع موسكو؟
يُسجّل لرئيس الجمهورية ميشال عون دعوته إلى ضرورة إنجاز ملف ترسيم الحدود مع سوريا خصوصاً أن المناطق المتنازع عليها مساحتها 900 كلم مربع. تُعتبر دعوة عون موقفاً متقدماً على صعيد العلاقات مع دمشق، بينما لا بد من البحث عن الأهداف من وراء هذا الطرح، فهل يرتبط فقط بالموقف المبدئي للدولة في الإنتهاء من ترسيم حدودها؟ أم أنه ينطوي على تنسيق مع موسكو التي تعتبر نفسها خارجة من مناطق النفوذ اللبنانية أولاً من خلال انسحاب شركة نوفاتيك الروسية من كونسورتيوم شركات التنقيب عن النفط والغاز، وثانياً من خلال اتخاذ لبنان موقفاً دولياً إلى جانب أوكرانيا، وثالثاً من خلال التقدم الأميركي الذي حقق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية وما سيكون له من تبعات سياسية في المرحلة المقبلة.

من بغداد إلى بيروت
يمكن لملف الترسيم، أن يؤدي بلبنان إلى ساحة التهدئة بدلاً من ساحة التجاذب وتصفية الحسابات، لكن ذلك غير مضمون حتى الآن في ظل التصعيد بالمواقف الإقليمية والدولية، وفي ظل تقاطع مصالح بين إيران وحلفائها وواشنطن يمتد من بغداد إلى بيروت.

منذ ما بعد الدخول الروسي إلى سوريا في العام 2015، برزت مواقف متعددة روسية ولبنانية تشير إلى أن موسكو تسعى للعب دور في لبنان إنطلاقاً من وجودها في سوريا، ومن يكون هناك لا بد له أن يخوض دوراً سياسياً مؤثراً في لبنان، خصوصاً أن الوجود الروسي يتركز على مسافة قريبة من السواحل اللبنانية. لم تكن في تلك الفترة العلاقات الروسية الأميركية متفجرة، وبالقراءة السياسية فإن دخول روسيا إلى سوريا كان بغض طرف أميركي.

تقاسم نفوذ
في العام 2016 انتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية، رفع شعار المشرقية أو التحالف المشرقي وقام بزيارة لاحقا إلى روسيا وجه خلالها الشكر للرئيس فلاديمير بوتين على دوره في حماية الأقليات المسيحية في الشرق. على إثر هذه الزيارة وما تخللها من مباحثات، تقدمت موسكو بمشروع إعادة تأهيل مصفاة النفط في طرابلس، وهو ما فازت به شركة روسنفت. في تلك الفترة أيضاً، برزت قراءة سياسية تشير إلى أن الجانب الشمالي من لبنان سيكون من حصة روسيا نظراً لحضورها في سوريا، بينما المناطق المتبقية ستكون حصة أميركية إنطلاقاً من دورها المحوري في ترسيم الحدود الجنوبية البحرية، بالإضافة إلى تمركز القوات الأميركية على الشاطئ الشمالي للعاصمة بيروت ووجودها في قاعدة حامات، إضافة إلى تشييد أكبر سفارة أميركية في المنطقة. وفي العام 2018 برزت زيارة قائد المنطقى الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي إلى البقاع الأوسط، وهو ما فسّر بأن الزيارة تشكل حدود النفوذ الأميركي ربطاً بقاعدة رياق الجوية.
حالياً، وعلى وقع الحرب الروسية على أوكرانيا وخروج روسيا من كونسورتيوم النفط، ثمة أسئلة كبيرة تُطرح، تبقى الأيام كفيلة في الإجابة عنها، لاسيما مع التقدّم الذي أحرزته واشنطن ووافق عليه حزب الله، وهو ما له انعكاساته في العراق. وعليه لا بد من مراقبة توالي الأحداث خصوصاً أن هذا الإتفاق الحدودي، سيكون قابلة لتكريس تهدئة في لبنان مع منحه بعض الإستثناءات التي تعززها في مجالات الطاقة أو حتى على الصعيد المساعدات ووقف مسار الإنهيار المالي.

مؤتمر حواري في سويسرا
هنا لا يمكن فصل مسار التحركات الدولية التي تبدي اهتماماً بالواقع اللبناني لاسيما على الصعيد الأوروبي، حيث تسعى الدول الأوروبية ولا سيما فرنسا لجعل لبنان منطقة هادئة ومستقرة، ربطاً بتحضيرات سويسرية لاستضافة مؤتمر حواري لبناني في الشهر المقبل على صعيد النواب من مختلف الكتل والقوى للبحث في مستقبل لبنان وآفاق الأزمة وكيفية السعي لمعالجة الأزمة. ولا بد لكيفية المسار الذي سيسلكه الإستحقاق الرئاسي في مرحلة ما بعد الشغور أن يعطي صورة عن التسوية المرتقبة وآليات تنفيذها وإذا ما كانت ستؤدي إلى تحييد لبنان عن الأزمات المتفجرة في محيطه.