هل تُمهّد إسرائيل بعمليات "كوماندوس"... لاجتياح بري للبنان؟

.. ما «الخطوة التالية» لـ «حزب الله» بعد اغتيال تل أبيب رئيس أركانه هيثم علي طبطبائي، في الضاحية الجنوبية لبيروت؟ و«مَن التالي» في «بنك الأهداف» الاسرائيلي وعلى «لائحة المرشّحين للشطب» التي نُشرت في الدولة العبرية على شكل قائمةِ أسماء من قادة الحزب رُوِّج أن كلاً منها بات بمثابة «رَجُلٍ ميت يَمْشي»؟

هذان السؤلان اختَصرا المشهدَ في لبنان الذي بدا في العلَن وكأنه «صمَّ الآذان» عن الأبعاد فائقة الخطورة لِما اعتُبر «قَصاً لشريطِ» مرحلةٍ من التصعيد الأعتى، وإن لم يلامس حدّ «طوفان النار» (خريف 2024) في الوقت الذي ظهّرت اسرائيل تَصميماً ثابتاً على منْع حزب الله من تعزيز قدراته من دون انتظار «إذْنِ» أحد.
وإذ انكفأ لبنان الرسمي عن واجهةِ الحدَث الأكثر دراماتيكية منذ اتفاق وقف النار (27 نوفمبر 2024) وعن التحديد العَلَني لأطر مواجهته التي لا خيار فيها إلا الدبلوماسية وتكييف ملف سحب «حزب الله» مع «العاصفة الآتية»، فإنّ اسرائيل التي أطلقت باغتيال طبطبائي «رياحاً سبّاقةً» لِما «سيكون» أعَطَتْ إشاراتِ استنفار مزدوج وفق الآتي:

- ضخّ مناخاتٍ في الداخل الاسرائيلي وبرسْم بيروت و«حزب الله» عن أن اغتيال قائده العسكري ما هو إلا فاتحة صفحة جديدة من التصعيدِ المتدحرج الشبيه بالذي سَبَق «حرب لبنان الثالثة» عبر موجاتٍ تمهيدية من الاغتيالات والضربات الأمنية الموجعة (تفجيرات البيجر وأجهزة النداء)، وإن ليس بالضرورة أن يبلغ حدّ «الانفجار الكبير»، وسط أجواء عن غضّ نظرٍ أميركي بإزاء رفع تل أبيب وتيرة التسخين مع الحزب بالتوازي مع محاولات خفض التصعيد في غزة.

- ما أورده موقع «ارم نيوز» عن مصادر دبلوماسيّة غربية من أن ثمة تقارير استخبارية تُفيد عن تخطيط الجيش الاسرائيلي لتنفيذ سلسلة عمليات «كوماندوس» كبيرة داخل الأراضي اللبنانية خلال الأيام القليلة المُقبلة، لتدمير بعض المواقع العسكرية التابعة للحزب، بالاضافة الى اغتيال أو خطف بعض قيادات «الحزب».

وأكدت المصادر أن الخطة الاسرائيلية تتضمن تنفيذ من 4 إلى 6 عمليات «كوماندوس» في الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب، «وستستخدم نجاحها أو فشلها كذريعة نهائية لإطلاق الاجتياح البري الذي ينتظره الجيش الاسرائيلي منذ أشهر لتدمير مواقع عسكرية لحزب الله»، متحدثة عن «ان الخطة تشمل عمليات إنزال جوي وبرمائي بواسطة وحدات «شايطيت 13» و«سايريت متكال» و«يهلوم» لتدمير منشآت عسكرية مدفونة لا يمكن للقصف الجوي تدميرها بالكامل».
- محاولة تل أبيب إرساء «ردع نفسي» عبر الكشف عن أن «الجيش نقل رسالة لحزب الله وحكومة لبنان مفادها بأن إطلاق أي صاروخ سيؤدي لرد غير متناسب».

وفي مقلب «حزب الله»، قلّلت دوائر على بيّنة من آليات اتخاذ القرارات داخل الحزب ولا سيما بعد اغتيال السيد حسن نصرالله من دقّة التقارير عن وجود رأييْن داخل الحزب «بين مَن يفضّل الرد على اغتيال أبوعلي طبطبائي ومَن يريد الامتناع عنه»، ومع ملاقاتها المناخَ الذي يسود بأن قيادةَ الحزب تميل الى اعتماد أقصى اشكال الدبلوماسية في المرحلة الراهنة.

وإذ أشارت إلى أن القيادةَ الحالية وفي ضوء المنظمة الجديدة القيادية باتت تحدّد خياراتها في شكلٍ «لا يَحتمل التأويل»، توقفت أوساط سياسية عند إشارتين بارزتين من الحزب يمكن اعتبارهما مؤشراً لِما سيقوم به وإلى تريُّثٍ في أي ردّ وخطوة عسكرية قد تَستجلب «تسونامي نار» سيفتح باب «غزّنة» لبنان - وهو ما لا يريده لبيئته ولا يتحمّله هو - رغم إدراكه أن «تَجَرُّع» شَطْبِ طبطبائي سيَعْني تمادي اسرائيل في اغتيالاتها وتصعيدها.

وفي حين عَكَست هذه الصورة وضعية وقوع الحزب بين «المُرّ والأمرّ»، قال رئيس مجلسه التنفيذي علي دعموش خلال تشييع طبطبائي، في الضاحية الجنوبية، أن «العدو اليوم يستبيح كل لبنان، ويضغط في كل الاتجاهات، من أجل أن نستسلم، ولكننا لن نستسلم مهما بلغ حجم التهديد والتهويل (...) وإذا كان يوجد في لبنان والعالم من يهتم بسيادة هذا البلد واستقلاله الحقيقي واستقراره، وأن لا تذهب الأمور إلى ما هو أسوأ وأكبر، عليهم أن يضغطوا ويلزموا العدو الإسرائيلي بوقف عدوانه واستباحته للبنان، ولا يوجد أي كلام آخر، ولو قتلتم من قتلتم، ودمرتم ما دمرتم، لن نكون معنيين بأي طرح أو مبادرة قبل وقف الاعتداءات والاستباحة والتزام العدو الإسرائيلي بموجبات اتفاق وقف النار».

واعتبر أن «جوهر المشكلة اليوم في لبنان هو العدوان الصهيوني المستمر، وليس الجيش أو المقاومة، ومن واجب الدولة مواجهة العدوان بكل الوسائل، وحماية مواطنيها وسيادتها واستقلالها، وعلى الحكومة وضع خطط واضحة لذلك (...) لا سيما وأن كل التنازلات التي قدمتها الحكومة حتى الآن من حصرية السلاح إلى القبول بالورقة الأميركية وانتشار الجيش وصولاً إلى الاستعداد للتفاوض، لم تثمر، ولم تؤدِ إلى أي نتيجة».

وفي السياق نفسه، برز كلام نائب الحزب حسن عزالدين الذي أعلن أن «استهداف إسرائيل لرئيس أركان حزب الله في الضاحية الجنوبية هو عدوان تجاوزت فيه إسرائيل كل الخطوط الحمر، ما يقتضي ردعها».

وأشار في مداخلة عبر إذاعة «سبوتنيك» إلى أن «الدولة اللبنانية والحكومة مطالبتان بإيجاد حل للخروق الإسرائيلية»، داعياً إلى «موقف موحد من الحكومة والجيش والمقاومة في الردّ، باعتبار أن العدوان موجه ضد لبنان»، ومشدداً على أن «آلية الرد تتطلب وحدة وطنية تجمع كل مكونات البلد».

وفي ما يتعلق بالدعوات إلى سحب سلاح «حزب الله»، وصف عزالدين هذا الطرح بأنه «كلام سخيف»، مشيرا إلى أن «الدولة اللبنانية ملتزمة باتفاق وقف النار، وكذلك المقاومة منذ اللحظة الأولى، بينما تأتي الخروق من الجانب الإسرائيلي».

وتطرق إلى المبادرة التي تحدث عنها رئيس الجمهورية جوزف عون، موضحا أنها «ترتكز على إخراج العدو من المناطق التي يحتلها، ووقف الاعتداءات، وتحرير الأسرى، وهي نقاط تحظى بتوافق لبناني»، مضيفا «أن على إسرائيل الالتزام بما التزم به لبنان».

وفي موازاة ذلك، وعلى وقع «تطمينات» في بيروت إلى أن زيارة البابا ليو الرابع عشر قائمة في موعدها (بين الأحد والثلاثاء)، يستعدّ لبنان لاستقبال وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، لاستكمال وساطة بلاده للتهدئة.

وفيما اعتبرتْ الخارجية الفرنسية «ان ضربة إسرائيل في بيروت تعزز مخاطر التصعيد»، اكتسب هذا الموقف أهمية مضاعفة لأنه جاء عشية استقبال باريس وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.

ولم يقل دلالةً كلام أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي لاريجاني في منشور على «اكس» إذ قال تعليقاً على اغتيال طبطبائي، «على يد الصهاينة المجرمين: لقد بَلَغوا ما تمنّوه، لكن (بنيامين) نتنياهو ما زال يواصل مغامراته إلى أن يدرك الجميع أنه ما عاد بقي طريق إلا مواجهة هذا الكيان المزيّف».

وتعاطى البعض مع هذا الموقف على أن طهران تركت الباب موارباً أمام كل الاحتمالات في إطار «ما سيكون» على صعيد ردّ الحزب.