واشنطن تمهل لبنان شهرين والمركزي يجهّز الشركات للامتثال

لم يعد أمام لبنان الكثير من الوقت للتحرّك في اتجاه تطبيق معايير الامتثال المطلوبة دولياً وأميركياً لمواجهة آفة تبييض الأموال والتهريب عبر شركات تحويل وصرافة تنفذ أعمالاً غير شرعية متفلتة من الضوابط، ما يثير الشبهات حول أنشطتها، خصوصاً تلك المرتبطة بتمويل "حزب الله".

ومع مبادرة مصرف لبنان إلى إصدار تعميمه الرقم ١٧٠ الرامي إلى تحديث نماذج "اعرف عميلك" المتعلق بالعمليات النقدية والتحاويل الجارية عبر شركات التحويل والصرافة، وذلك بهدف تنظيم هذا القطاع المالي المستجد بعد أزمة التعثر المصرفي عام ٢٠١٩، يدخل لبنان في مرحلة حرجة ودقيقة على الصعيد المالي في المواجهة مع قرار تجفيف منابع الحزب، اعتباراً من مطلع الشهر المقبل، أي بعد أقل من أسبوع، موعد بدء سريان مفاعيل تنفيذ التعميم.

حراجة المرحلة لا تعود إلى صعوبات في التطبيق، كما يحاول المتضررون من التعميم القول. ذلك أن الآلية لن تكون معقدة على صعيد ملء الاستمارات، بل بسبب المخاوف من العقوبات التي ستطبَّق على المخالفين، والتي لم يعلن عنها المركزي بعد، وهي تتفاوت وفق المعلومات المتوافرة لـ"النهار" بين غرامات مالية وصولاً إلى الإقفال وسحب الترخيص.

وبدا واضحاً حجم الانعكاسات التي سيخلفها تطبيق التعميم على الحزب وقد برز ذلك بوضوح في الحملة التي شنّها أمينه العام الشيخ نعيم قاسم على الحاكم غداة صدور التعميم، فضلاً عن الحملات التي بلغت مشارف طهران التي لم تتوانَ عن نشر مقالات تتدخل فيها مباشرة في هذا الموضوع. وهذا يعكس حجم التضييق الذي بدأ يتلمسه الحزب وراعيه الإقليمي.

مصادر رفيعة في المركزي شرحت المسار التقني للتعميم، فأكدت أن آليات تطبيقه واضحة جداً وبأدق التفاصيل حيال كيفية الامتثال لمعايير "اعرف عميلك". وكما كان عملاء المصارف يطبّقونها عند كل عملية فتح حساب أو تحويل ويلتزمون بها، فإن هذا الأمر سيبدأ العمل به لدى شركات التحويل والصرافة التي ازدهرت أعمالها وتوسّعت بسبب تعثر القطاع المصرفي. وقد آن الأوان لضبطها، بعدما تبيّن أن عملها البديل من المصارف لمساعدة الناس على القيام بعمليات التحويل قد خرج عن إطاره، وأسهم عدد غير قليل منها بتسهيل عمليات غير شرعية، ما أدّى إلى إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، وبات ملحاً ولزاماً على السلطات المالية والنقدية ضبط هذا السوق المتفلت من أي ضوابط. وتذكّر المصادر بالتحذيرات العالية اللهجة التي سمعها المسؤولون اللبنانيون من وفد الخزانة الأميركية الذي زار لبنان أخيراً وضغط في اتجاه اتخاذ البلد الإجراءات الآيلة للجم عمليات تبييض الأموال التي تجري عبر الشبكة اللبنانية. وقد أمهل السلطات اللبنانية ٦٠ يوماً لاتخاذ إجراءات ملموسة على هذا الصعيد، وإلا فإن الأمور ستتفاقم نحو إدراج لبنان على اللائحة السوداء. وهذا أمر لا يعني كما حاول البعض في انتقاداته قوله إن لبنان يخضع للإملاءات أو الوصاية الأميركية، من خلال التعميم الصادر عن المصرف المركزي، بل يعني باللغة العلمية أن لبنان ملزم بالامتثال من أجل تفادي خروجه من النظام المالي العالمي!
وبناءً على ذلك، ليس المركزي في وارد تأخير أو تأجيل تنفيذ التعميم، وهو وضع سقفاً له قدره ألف دولار للعميل الواحد من دون أن يعني ذلك أن تقسيم الحوالة إلى اثنتين أو ثلاث يعفي من الالتزام.

وتضيف المصادر ان أي تعميم يحتاج إلى شروحات، خاصة إذا كان يتعامل مع السوق: المصارف أو شركات الصرافة، ولذلك فإن التعميم سيخضع لملاحظات توضيحية من لجنة الرقابة على المصارف. ولا تنفي المصادر ان هناك دائما ً ميلا لدى العملاء إلى المقاومة والشكوى في شأن أي تعليمات جديدة. فعلى سبيل المثال، حدد المركزي سقفاً للتحويلات عند 1000 دولار. هذا يعني أنه إذا تلقى شخص ما أو أرسل أو تبادل 1000 دولار أو أكثر، فيجب عليه ملء نموذج. لذلك، فإن 1000 دولار ليس حدا بل يصبح بالتالي عاملاً محفزاً. يمكن للمرء أن يرسل 1000 دولار يوميا، في الخطوة الاولى يجب عليه ملء KYC ولكن بعد ذلك، ولدى كل تحويل، سيتوجب عليه تحديد مصادر رأس المال. وتقول المصادر ان الأمر ليس بهذه التعقيد، وهو يحصل في كل دول العالم، ولكن في لبنان يجب أن يخلق ارتباكا عن قصد، للقول إن المتطلبات الجديدة غير واضحة أو غامضة أو صعبة للغاية، فلماذا لا نطالب بإلغائها؟

وتعتقد المصادر أن التعميم سيساعد في مرحلة أولى في تنظيم السوق ومسح الشركات الشرعية الراغبة في الاستمرار في العمل أو تلك التي تنفذ عمليات غير مشروعة، ما سيساعد على إجراء إحصاء لحجم هذه السوق المقدرة من دون حسابات دقيقة بما بين مليارين إلى ٣ مليارات دولار سنوياً يذهب منها في الحد الأدنى ثلثها لمصلحة الحزب.