المصدر: إرم نيوز
الأربعاء 5 تشرين الثاني 2025 11:37:11
قالت مصادر دبلوماسية لبنانية إن انتهاء قضية هانيبال القذافي، نجل الرئيس الليبي الراحل، وإطلاق سراحه، متعلق حاليا بمدى إجراء ترتيبات بتخفيض مبلغ الكفالة الصادرة من السلطات القضائية اللبنانية المقدرة بـ 11 مليون دولار إلى النصف.
وأوضحت في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هناك تواصلا من جانب عائلة القذافي عبر وسطاء من دول عربية مع مسؤول لبنانيين لتخفيض الغرامة إلى أقصى حد، مشيرة إلى أنه لا قدرة على بلوغ سقف نصفها من جانب العائلة، وأنه سيتكفل بها من وصفتهم المصادر بـ"المتعاطفين" مع هانيبال.
ويجري ذلك بجانب ما يعمل عليه وفد حكومة الوحدة الوطنية الليبية الذي زار بيروت والتقى بالرئيس اللبناني جوزيف عون، بخصوص تخفيض قيمة الكفالة.
وقال مصدر إن هانيبال منذ البداية ليس له علاقة بعملية اختفاء أو مقتل الإمام موسى الصدر، وليس له علاقة من قريب أو بعيد بالواقعة؛ لأنها عندما جرت كان رضيعا بعمر عامين.
وذكرت مصادر حكومية لبنانية أن الملف الذي تقدم به وفد ليبي إلى القضاء اللبناني، يتكون من شقين، الأول الأوراق والمستندات المتوفرة في قضية الإمام الصدر، والتي أعدتها الجهات الأمنية والقضائية الليبية في عهد الزعيم الليبي معمر القذافي.
أما الشق الثاني من الملف، بحسب تصريحات المصادر الحكومية لـ"إرم نيوز"، فيضم تحقيقات مع مسؤولين سابقين وتحريات عملت عليها السلطات القضائية الليبية منذ عام 2012 إلى عام 2018 بخصوص قضية اختفاء الصدر.
ويحمل هذا الشق أيضا، في إطار تطوير العلاقات قضائيا بحسب مذكرة التفاهم القائمة، خطاب تعهدٍ بإمكانية قيام الحكومة الليبية بمساعدة لبنان في حال تحرك سلطاته وأجهزته في إجراء تحقيقات بناء على المستندات التي قدمها الوفد.
وأفادت المصادر بأن هناك ضمن الملف الذي تقدم به الوفد الليبي مذكرة قانونية، بأنه لا يمكن احتجاز شخصية لا تمتلك أموال الكفالة، وإذا كانت تمتلكها، فإن أرصدة آل القذافي ومسؤولي النظام السابق محجوز عليها عبر أحكام قضائية.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في بيروت، الدكتور خالد العزي، إن احتجاز هانيبال غير قانوني أساسا، ولبنان وصل إلى مرحلة أنه مضطر للإفراج عنه ولكن بكفالة 11 مليون دولار "وهذا شيء من الجنون والتعقيد" على حد وصفه.
ورفض العزي في تصريحات لـ"إرم نيوز"، الادعاء بأن قرار احتجاز هانيبال اتخذه القضاء اللبناني، مشيرا إلى أن زاهر حمادة، اليد اليمنى لرئيس حركة أمل، رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، يحاول عبر هذا الملف التملص من إشكاليات وأمور جدلية في هذه القضية.
وأشار العزي إلى أن القذافي الابن ليس مدانا في عملية اختطاف الإمام الصدر، وأن نبيه بري لا يملك أي معلومة ويحاول الضغط على الجانب الليبي للوصول إلى مستجدات حتى يبرر دوليا احتجاز هانيبال، ويقول لمناصريه إنه متكفل بالقضية.
ولفت العزي إلى أن من يملك المعلومات حول اختفاء الإمام الصدر ليس أبناء القذافي وربما هناك معلومات في حوزة الأمن الليبي السابق بأن نظام بشار الأسد وإيران متورطون في هذه العملية، وهذه المعلومات ستترك أثرها على نبيه بري والثنائي الشيعي أمام جمهورهم حول اختفاء الإمام الصدر، في ظل العلاقة الوثيقة بين حزب الله وحركة أمل مع طهران والنظام السابق في دمشق.
وتابع العزي بالقول إن العملية معقدة وغير واضحة وهناك تلاعب بهذا الملف الذي أصبح ثقيلا على نبيه بري والقضاء اللبناني، وفي ظل السلطة الجديدة ومع ما ضجت به الدوائر الدبلوماسية والإعلامية خلال إضراب هانيبال عن الطعام، فقد ساهم ذلك بفتح الملف وإطلاق سراحه بكفالة كبيرة جدا في وقت لن تدفع فيه ليبيا أموالا عن ابن القذافي الذي هو هارب في الأساس من ليبيا.
ويقول الباحث السياسي اللبناني قاسم يوسف، إن هانيبال كان عمره عامين فقط عندما تم اختطاف الإمام موسى الصدر، وبذلك فلا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بهذه المسألة، والجميع يعرف هذا الأمر، وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي ضغط بشكل كبير لاستمرار توقيفه.
وأضاف يوسف في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن توقيف هانيبال في الأساس لم يكن مبنيا على سردية قانونية واضحة، ولا على أي أسباب جدية تمكن القضاء اللبناني من اتخاذ قرار بتوقيفه، بل كان قراراً سياسياً واضحاً، تحت شعار كبير هو قضية اختطاف الإمام موسى الصدر ومحاولة دفع الجانب الليبي، وبالتحديد ما تبقى من عائلة القذافي، لتقديم معلومات تتعلق بالقضية.
وأشار إلى أن ضغوطاً كبيرة مورست على السلطة السياسية في لبنان وعلى القضاء اللبناني والرئيس بري تحديداً، إلا أن الأمور وصلت في نهاية المطاف إلى طريق مسدود، حيث أصر بري على استمرار توقيفه، فيما لم يتخذ القضاء اللبناني أي قرار حاسم في هذه المسألة، وبقيت السلطة السياسية عاجزة.
وذكر يوسف أن الرئيس السوري السابق بشار الأسد تدخل شخصيا لدى الرئيس بري قبل سقوط نظامه، مطالباً بإخلاء سبيل هانيبال، وقد وضع الأسد حينها كل ثقله في هذه الوساطة، لكن كان الجواب بالرفض المطلق، موضحا أن هذه الواقعة أدت إلى قطيعة سياسية وشخصية بين بري والأسد على خلفية هذا الملف تحديدا.
وأضاف أن شخصيات عربية ودولية أخرى حاولت التوسط في القضية، إلا أن جميع المساعي وصلت إلى النتيجة ذاتها، وهي رفض بري المطلق لأي تفاوض بشأن الإفراج عن هانيبال، لكن في الآونة الأخيرة، تغيرت المعطيات؛ إذ تدخلت مؤسسات دولية معنية بحقوق الإنسان، مثل "هيومن رايتس ووتش" وغيرهما، وأصدرت مواقف وتقارير حول هذا التوقيف "الاعتباطي"، بحسب وصفه.
وأكد يوسف أن القضاء اللبناني لم يعد يحتمل هذا الكم الكبير من الضغوط، فاتخذ قراراً بإخلاء سبيل هانيبال، لكنه اشترط مقابلاً مالياً ضخماً يعتبر خياليا في معايير القضاء اللبناني، معتبرا أن هذا الشرط المالي كان بمثابة محاولة تعجيزية لإلزام عائلة القذافي بدفع مبلغ طائل لعائلات الأشخاص الذين تم اختطافهم.
وختم يوسف قائلاً إن هذا الملف الذي تقدم به الوفد الليبي مهم جداً، وإذا تضمن فعلاً معلومات حقيقية تتعلق بمصير الإمام موسى الصدر، فربما يؤدي في المستقبل إلى فتح تحقيق جديد حول الحادثة والوصول إلى المكان الذي دُفن فيه، إن كان قد دُفن فعلاً، واستخراج جثمانه للكشف النهائي عن الحقيقة التي ظلت غامضة، أو أن تكون هناك مفاجأة أخرى في هذه القضية المعقدة.