وقف توزيع الأدوية السرطانية في الكرنتينا وتأمينها على عاتق المستشفيات... تحذير من انفجار الازمة

كتبت سلوى بعلبكي في النهار:

بين أزمة وأخرى يتسكع اللبنانيون. كأنهم منذورون للمصائب والبلايا والخيبة، وكأن قِبلة الوجع تشدهم اليها عنوة، رضيت آمالهم وأمانيهم أم مانعت، فيما القدر لا يزال يمارس هوايته القذرة في إرهاقهم وإذلالهم وحقنهم بمصل اليأس والإستسلام.

آخر أقدار الوجع اللبناني، وقف توزيع أدوية علاج مرض #السرطان وإحالة مسؤولية تأمينها الى المستشفيات، التي فوجئت بالقرار، وبالآلية المقترحة من الوزارة لتسديد ثمنه الى الوكلاء والموردين، مما تسبب ببلبلة بين المستشفيات والأطباء من جهة، والمرضى من جهة أخرى. ولسان حال أحد هؤلاء المرضى يقول: إذا لم يكن لدى الدولة والمستشفيات القدرة على تنظيم الخدمات، رجاء فلينظموا لنا الوجع والضربات".

في خطوة قال إنها "تصب في أهداف الإستراتيجية الدوائية لوزارة الصحة بغية ضبط الدواء المدعوم ووقف أي إمكان لتخزينه أو تهريبه والمتاجرة به أو إعطاء أفضلية بالحصول عليه لمريض دون آخر"، أصدر وزير الصحة العامة الدكتور فراس الابيض تعميما أدرج فيه أدوية الأمراض السرطانية التي تعطى كحقن وريدية والأدوية الأخرى التي تعطى كحقن حصراً في المستشفيات ضمن الفواتير الإستشفائية للمرضى المستفيدين من تغطية وزارة الصحة العامة في المستشفيات المعتمدة من قِبلها.

التعميم الذي بدأ العمل به أمس ينص على "ضرورة حصول المرضى على الموافقة المسبقة من قِبل اللجان المختصة في وزارة الصحة قبل الإفادة من التعميم، كما يجب أن تكون المستشفيات المعنية مدرجة ضمن برنامج تتبّع الأدوية" (Meditrack).

من وجهة نظر الوزير، فإن هذا الإجراء الجديد "سيوفر على كل مرضى الأمراض السرطانية الذين يحصلون على دوائهم من خلال الحقن في المستشفيات ويعالجون على نفقة الوزارة، عناء الإنتقال إلى مستودع الكرنتينا للدواء، لأن توفير الدواء سيتم بالتواصل بين المستشفى والوكيل بإشراف من وزارة الصحة التي تدفع للمستشفى كلفة الدواء بعد التأكد من ملف المريض وحاجته للدواء".

ولكن من وجهة نظر المستشفيات، يبدو الوضع مختلفا تماما. فهذا التعميم أصاب المستشفيات بمقتل، وبدأت صرختها تعلو للمطالبة بالعودة الى زمن ما قبل هذا التعميم تخوفاً من أن تنفجر المشكلة في الايام المقبلة.

ووفق رواية أكثر من مستشفى تواصلت معها "النهار" فإنه بعدما أصبح تأمين الدواء من وكلاء الادوية يقع على عاتق المستشفيات برزت مشكلتان: الاولى الارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار، والثانية تأخر الوزارة في تسديد ثمن الادوية بما يؤدي الى خسارة كبيرة للمستشفيات في ظل عدم استقرار سعر الدولار، اضافة الى استحالة تأمين الادوية لكل المرضى، خصوصا أن المستشفيات ليس في مقدورها تأمين "الكاش" بمئات المليارات لتسديدها للوكلاء، على أن يصدر المستشفى فواتير لتحصيلها من الوزارة لاحقا وهو أمر لا يمكن للمستشفيات تحمّله، إذ من غير المنطقي أن تشتري المستشفيات الادوية "كاش" من الشركات وتنتظر بعدها الوزارة لتسدد لها ثمنها الذي يمكن أن يفقد قيمته بعد فترة.

ثمة مشكلة أخرى، وهي تشكل عائقا كبيرا أمام المستشفيات، إذ إن عدد الموافقات التي تؤمنها الوزارة للمستشفيات لشراء الادوية من الوكلاء لا تتطابق مع عدد المرضى، وتاليا يبقى عدد لا يستهان به من المرضى لا يحصلون على الادوية، بما يضطرهم الى شراء الدواء غير المدعوم من السوق السوداء.

احد المستشفيات شكا عبر "النهار" من قلة الأدوية السرطانية المدعومة بحيث تأتي الموافقات على عدد أقل من المرضى المطلوب معالجتهم، والمشكلة الكبرى أن الموافقات لا تتضمن اسماء المرضى بل يُترك للمستشفى تحديدهم بعد التنسيق مع الاطباء المعالجين بغية جدولة اعطاء الادوية بما يوقع المستشفى في مشكلات مع المرضى الذين يأتون مزودين بموافقات شفهية من الوزارة أنهم ارسلوا الموافقات الى المستشفى المعني، وتاليا عليهم التواصل مع المستشفى.

"النهار" حملت الشكوى الى نقيب اصحاب المستشفيات سليمان هارون الذي ارتأى عدم الحديث عن الموضوع قبل الاجتماع مع وزير الصحة والبحث في كل المعوقات التي تعترض تطبيق التعميم من المستشفيات، مؤكدا أنه يمكن الوصول الى معالجة جدية ونهائية للموضوع.

الأبيض الذي يبدو صارما في تطبيق التعميم، نبه المستشفيات الى أنه "في حال تبلغت الوزارة شكوى حول تكبيد المريض دفع أي فروقات مالية، فإنها ستجري التحقيقات اللازمة وتتشدد في الإجراءات مع الجهة المخالفة سواء كانت المستشفى أم شركة الدواء".

ويردّ على اعتراض المستشفيات بالقول: "ما نطلبه من المستشفيات حيال التعامل مع مرضى الوزارة مماثل لتعاملها مع مرضى الضمان والتعاونية والتأمين".

وبرر الابيض عدد الموافقات الذي لا يتطابق مع عدد المرضى بالقول إن اللجان في الوزارة "تدرس حالة كل مريض على حدة، وبعدها تقرر ما اذا كانت حالة المريض تستدعي تلقّي اي نوع من العلاج أم لا يزال من المبكر بعد".

وفي ظل تخوف المستشفيات من تأخر وزارة الصحة في تسديد فواتير الادوية لها، يؤكد وزير الصحة أن "قيمة أدوية السرطان التي نشتريها للكرنتينا سنويا تراوح ما بين 120 مليار ليرة و130 مليارا (كونها مدعومة)، منها أدوية بقيمة 60 مليار ليرة تُنقل إلى المستشفيات سنويا. أما العقود بين المستشفيات والوزارة فقيمتها بالموازنة الجديدة ألفان و300 مليار ليرة. وتاليا فإن تخوفها من التأخر في التسديد غير منطقي، واذا كان الامر صحيحا لماذا لا يعممون كلامهم عن الادوية على كل الفاتورة"، رابطاً انزعاج بعض المستشفيات من شراء الادوية مباشرة من الوكيل بانها كانت تحمّل شركات التأمين كلفة أدوية مرضى السرطان المشمولين بالتغطية الصحية عندها فيما المستشفيات تحصل على الدواء من الوزارة بسعر مدعوم لهؤلاء.

ولا يستغرب الأبيض انزعاج المستشفيات من الإجراء الاخير، إذ إن عددا منها كان ينسق مع شركات الادوية والوكلاء بغية الحصول على الادوية قبل مستشفيات أخرى وبالكمية التي تريدها، بما أثر على المستشفيات التي لم تكن تقدم الطبابة للفقراء.

وأكد أن الوزارة "لا تؤمن للمستشفيات 100% من حاجاتها، وهي تعمل على زيادة الكمية، لكن في المقابل ثمة واقع بحيث اننا كنا نستورد شهريا أدوية بقيمة 140 مليون دولار نصفها كان يذهب هدرا، أما اليوم فإننا نغطي 70% من الحالات بـ35 مليون دولار فقط".

في المقابل، يبدو أن الوزير متعاون بهدف عدم تفاقم الامور مع المستشفيات، إذ يقول: "نقوم باجتماعات متكررة لإيجاد الثغرات، علماَ أنّني اجتمعت أول من أمس بالنقيب هارون ومع نقيب مستوردي الادوية كريم جبارة وطلبت منه أن يتعاون مع المستشفيات لأقصى الدرجات. وأمس تواصلت مع ديوان المحاسبة في شأن قرار زيادة التعرفات الطبية والاستشفائية التي رُصدت من ضمن الموازنة الجديدة، وكان ثمة ايجابية لكي ندفع في العام 2023 عن أدوية العلاجات الكيميائية خلال شهرين من تقديم الفواتير".

الإجراء الجديد يغطي نحو 60% من أدوية الأمراض السرطانية التي توزع في الكرنتينا، في حين يأتي التعميم "خطوة إضافية لضبط السوق الذي بدأته الوزارة بتنفيذ المرحلة الأولى من المسار الممكن لتتبع 14 نوعا من الأدوية السرطانية، وهي تعدّ حاليا لإطلاق المرحلة الثانية بإضافة 28 نوعا آخر بما يغطي نحو 70% من المرضى في لبنان. وقد أظهرت نتائج المرحلة الأولى نجاحها في تأمين الدواء لثمانين في المئة من المرضى بعدما كان يصل إلى 20 في المئة منهم فقط، والسعي سيبقى مستمرا لتتبع كل الأدوية السرطانية والمزمنة بما سيسمح للوزارة بتحديد الحاجة الدقيقة للدواء في لبنان، وتاليا المطالبة بالإعتمادات اللازمة والكافية للفاتورة الإستشفائية والدوائية.