أزمة متجذّرة في عقود من الفساد.. انهيار وانحلال للدولة

يقع لبنان في قبضة أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث، لا سيّما أنّها متجذّرة في عقود من الفساد وسوء الادارة من قِبل الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية. هذا وما زالت الطبقة السياسية تقاوم تنفيذ الاصلاحات كما يطالب بها المجتمع الدولي.

منذ بدء الانهيار الاقتصادي، يعيش ثلاثة أرباع سكان لبنان، بما في ذلك مليون لاجئ سوري، في فقر مع تضخّم آخذ بالارتفاع. وأخيراً، حدّد البنك المركزي سعر الصرف الرسمي عند 15000 ليرة للدولار، بينما سعر السوق السوداء يُستخدم الآن في جميع المعاملات تقريباً. ومع التعاميم المتتالية لمصرف لبنان، والتي أقل ما يُقال عنها إنّها تخالف الأعراف الاقتصادية والمالية، وتضرب بعرض الحائط كل الأسس الاقتصادية والمالية، في أكبر عملية رشوة يتعرّض لها شعب بكامله، ألا وهي الصيرفة. أي انّها سياسة ملتوية لإلهاء النّاس عن الأساس ودفعهم إلى المغامرة من أجل مبلغ من المال سيدفعونه حتماً في المحلات التجارية، وهذا ما يُعرف بالاقتصاد بـ «Money Illusion».

حسب البنك الدولي، يعيش لبنان واحدة من أسوأ ثلاث أزمات منذ منتصف القرن التاسع عشر (البنك الدولي- 1 حزيران 2021). والسؤال يبقى، ما مدى سوء الوضع، وكيف تتعامل معه الطغمة الحاكمة، والتي على ما يبدو فقدت شروط ومقوّمات الحسّ الوطني منذ زمن بعيد؟

 

وذكر البنك الدولي، أنّ الناتج المحلّي الاجمالي إنخفض إلى ما يقدّر بنحو 20.5 مليار دولار في العام 2021 من حوالى 55 مليار دولار في 2018، وهو نوع الانكماش المرتبط عادة بالحروب. وفقدت الليرة اللبنانية حوالى % 95 بالمائة من قيمتها، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار وهدم القوة الشرائية في بلد معتمد في إجماله على الاستيراد.

 

وقالت وكالة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، إنّ معدّلات الفقر قفزت بشكل كبير بين السكان، مع تصنيف 80% من السكان على أنّهم فقراء. هذا بالإضافة إلى الخسائر التي عانى منها النظام المالي، حيث تُقدّر الخسائر الاجمالية بحوالى 70 مليار دولار، وقد يرتفع هذا الرقم إذا لم تتمّ معالجة الأمور بشكل جدّي وجذري.

 

يبقى الأهم، أنّ مصرف لبنان يتلاعب بالدولار ويحاول إعادة هيكلة أمواله، علماً أنّ كل هذا يتمّ ضمن خطة تلاعب اسمها «صيرفة»، وإغلاق المصارف أبوابها وتوقف الخدمات العامة. وتتحدّث المؤسسات الدولية عن أنّ لبنان أصبح «دولة فاشلة»، كما انّ حالة الأمن الغذائي مقلقة مع انخفاض قيمة العملة وارتفاع تكاليف المعيشة التي تمنع الأسر من الحصول على ما يكفي من الغذاء والاحتياجات الأساسية اليومية.

 

يقول عبدالله الوردات، ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير القطري في لبنان: «أصبح عدد الأشخاص الذين يعتمدون الآن على المساعدة في لبنان أكثر من أي وقت مضى». ولبنان اليوم يعتمد معظم شعبه على المساعدات العائلية الخارجية، والتي بلغت في السنوات الأخيرة مبالغ جديرة بالذكر.

 

كلّ الذي ذكرناه غيض من فيض. ويبقى الأهم السؤال الذي يجب أن نطرحه: لماذا كل الدول تتعاون مع صندوق النقد الدولي إلّا لبنان؟ وهل شروطه مستعصية علينا، أم أنّها لا تناسب بعض فئات تعيش على التهريب والسرقة والفساد؟ وهل أنّ ضبط الحدود البريّة والبحريّة أمر غريب في أي دولة؟ أو انّ تطهير الادارة من فائضها ليس بالوارد لجماعات عاشت على هذه الاستنسابية، ضاربة بعرض الحائط مؤسّسات نفتخر بها، لا سيما أنّها تعطي فكرة واضحة عن بلدٍ بات محلولاً، وتضرب بعرض الحائط كل ما سعى رجالات لبنان لبنيانه، لا سيما المجلس التأديبي ومجلس الخدمة المدنية وغيرها من المؤسّسات التي أصبحت بحكم المنسيّة؟ وهل نحن على خصام مع المجتمع الدولي والمؤسّسات الدولية، ونرفض معونتها الّا بشروطنا؟ وما هي هذه الشروط سوى الإبقاء على الفساد والسرقة والتهريب، لطبقة حكمت البلد منذ سنين ولا تزال؟

يبقى القول، إنّ التزامنا مع صندوق النقد الدولي يبقى المخرج الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم، ويضع لبنان على سكة الخلاص، الّا إذا كان المسؤولون فيه يطبّقون أجندة عمل أجنبية تسعى بلبنان إلى الخراب والزوال. ويبقى السؤال: هل نحن ندق أبواب التقسيم والكانتونات المذهبية، وهذا وللأسف ليس بالغريب في ظلّ ما يحدث من تجاذبات تأخذ منحى طائفياً، وتجيّش عامل الفرقة والتفاوت في التفكير بين مختلف فئات المجتمع اللبناني؟

 

أما الوقت والتوقيت فهو عالمي، والجدل والاستنسابية لا ينفعان في مثل هذه الحالة.