"التسلّح النسوي"... حكاية نساء لبنان مع فقدان الأمان

كتبت زيزي اسطفان في الراي الكويتية:

... في لبنان المتهالك على وهج اضطرابٍ سياسي - مالي - اجتماعي، صارتْ النساء عرضةً للخطر مع تحوّلهن «أهدافاً» للسرقة والنشل والاعتداء عبر وقائع تضجّ بها التقاريرُ الأمنية على نحو شِبْه يومي.

فلبنان الذي غالباً ما كان يفاخر بمكانةِ سيّداته وأَلَقهنّ في بيئةٍ آمنة، يكاد أن يَفقد دورَ الحاضنة مع التقهقر المعيشي والترهّل الأمني وازدياد مَظاهر الجريمة والعنف والتسيّب.

.. داخل سياراتهنّ، في الأزقة، خلال ممارسة الرياضة وفي المرائب أو مَداخل المباني، في وضح النهار أو تحت جنح الظلام تتعرّض النساء كـ «أهداف أكثر سهولة من الرجال» للاعتداء والسرقة.

آخِر محاولةِ سرقة «ذائعة الصيت» كانت تلك التي تعرّضت لها ملكة جمال لبنان سابقاً كريستينا صوايا داخل سيارتها، ما أصابها بذعر شديد وصدمة كسواها من اللواتي يواجهن «العدوان» عيْنه.

وقبل مدةٍ ضجّت بيروت بخبر مفزع عن تَعَرُّض صحافية بريطانية لمحاولة اغتصاب أثناء ممارسة رياضة المشي على الواجهة البحرية للعاصمة (البيال) قبل أن يُلْقي الأمنُ اللبناني القبض على «الجاني» الذي أقرّ بمطاردة النساء.

ولأن الخوفَ بات رفيقَهنّ نتيجة الخشية المتزايدة من تعرّضهن للاعتداء، برزت ظاهرةٌ جديدة جرى الحديث عنها أخيراً في الأندية الاجتماعية وعبر وسائل الإعلام، وهي ظاهرة اقتناء النساء مسدّسات صغيرة للدفاع عن النفس.

أن تَسحب المرأةُ من حقيبتها مسدّساً تواجه به المعتدي، صورة اعتدنا رؤيتها في الأفلام السينمائية، لكنها قد تتحوّل حقيقةً حين تضطر المرأة للدفاع عن نفسها وتلجأ إلى حالة متطرّفة ليست في الأصل مهيأة لها. صورة بدأت تختبرها بعض نساء لبنان وتنسف كل الصور النمَطية للمرأة وتُدْخِلها في خانة جديدة.

أعداد المسدسات الصغيرة من عيار 5 أو 6 ملم المباعة في لبنان في الفترة الأخيرة إلى تزايُد، بحسب مصادر صحافية استناداً إلى مصادر أمنية. وما يفسر هذا التزايد هو إقبال النساء على التزود بمسدس صغير الحجم يمكن أن يتّسع في حقيبة اليد ويمنحهن الشعور بالأمان وإن لم يكن فعالاً في شكل واقعي في حمايتهن من الاعتداءات.

وقد صرحت كريستينا صوايا ملكة جمال لبنان لعام 2001 بعد الاعتداء الذي تعرّضت له أنها باتت تفكّر باقتناء مسدس للدفاع عن نفسها رغم إقرارها بصعوبة الأمر، لكن ما هي متأكدة منه أن على النساء أن يتعلّمن كيفية الدفاع عن أنفسهن بطرق مختلفة لأن الاعتداء عملية مؤذية نفسياً ومعنوياً كما جسدياً.

فالاعتداءات تتكرر وكانت إحدى الموظفات في السفارة البريطانية قد تعرضت لاعتداء وحشي فيما كانت تمارس رياضة الجري في واجهة بيروت البحرية، وقبْلها وقعت الممثلة نيكول طعمة ضحية عملية سرقة أمام إحدى محال السوبرماركت إذ تقدم رجل يحمل مسدساً نحوها ودخل سيارتها وسرق حقيبتها من دون أن تتمكن هي والناس من حولها من القيام بشيء لردعه. ولكن هل يمكن للمسدس أن يحمي المرأة... أم يمكنه التحول إلى مصدر خطر إضافي على حياتها؟

«الراي» جالتْ على مختصين في أساليب الحماية وتحدّثت إلى ربيع الأيوبي، رئيس لجنة المسدس في الاتحاد اللبناني للرماية والصيد وصاحب نادي Swat المخصَّص للرماية لسؤاله عن أهمية اقتناء مسدس تدافع به المرأة عن نفسها.

ويقول الأيوبي إن «الدفاعُ عن النفس آلية معقّدة، تحتاج إلى تدريب وتقنيات متطورة ومدرّبين محترفين يمرّنون المرأة على أساليب مختلفة لحماية النفس وقد لا يدخل من ضمنها السلاح، لكنها في كل الأحوال تقنيات محدَّدة ومعروفة عالمياً وتحتاج إلى تمرين جدي. لكن للأسف ثقافة الدفاع عن النفس غير موجودة في مجتمعاتنا الشرقية».

وأوضح أن «استخدام المسدس من أشخاص غير مدرَّبين قد يؤدي إلى أذية النفس قبل الآخَر، ونادراً ما تتمكن المرأة أو الرجل من الدفاع عن نفسيهما إن لم يكونا يُجيدان إستخدام المسدس. وهذا ما رأيناه في حالة زوج الفنانة نانسي عجرم الذي عَمَدَ إلى إطلاق رصاصات كثيرة كادت أن تؤدي إلى كارثة عائلية قبل أن يتمكّن من إصابة السارق. الدفاع عن النفس وإستخدام المسدس يتطلب مهارات عالية».

في نوادي الرماية، ازداد عدد النساء اللواتي يتدرّبن على الرماية في شكل عام بنسبة 20 في المئة تقريباً، وعلى المسدس في شكل خاص.

ولكن غالبيتهن يقمن بذلك من باب الرياضة أو التسلية، وقلة منهن للدفاع عن النفس. ولكن ما هو مؤكد أن الوضع الأمني ساهم في سعي النساء إلى التمرن على استخدام المسدس وعلى إصابة الهدف ولا سيما في مدينة بيروت وضواحيها التي تشهد اعتداءات متكررة.

يقول راني الأيوبي، وهو مساعد مدير في نادي رماية: «الجزء الأهمّ في التدريبات على استعمال المسدس هو الأمان أولاً، ثم التسديد وإصابة الهدف. ولكن مهما يكن من أمر فاستعمال المسدس هو حالة متطرفة يتم اللجوء إليها عند تعذُّر استخدام وسائل أخرى، ويبقى سحب السلاح رد فعل متقدماً جداً تفتقده المرأة».

حاولْنا التقصي عن أنواع المسدسات التي يتم اقتناؤها من النساء، ووجدنا أن المسدس الصغير مرغوب لأنه يتسع في حقيبة اليد، لكن فؤجئنا بأنواع أخرى من المسدسات بات بالإمكان الحصول عليها بسهولة وهي ما يعرف بـ «المسدسات الخلّبية» التي يتم جلبها من تركيا.

هذه المسدسات التي تُستعمل في الأصل في الأفراح أو المسابقات الرياضية ويتم تزويدها بطلقات تُصْدِر صوتاً فقط ويمكن تحويرها وتزويدها بطلقات عادية رغم كونها غير مصمَّمة في الأصل لهذا الاستعمال. وهذه المسدسات لا تصيب الهدف كما يجب وتُستعمل من مسافات قريبة.

ولكن كونها رخيصة الثمن فقد بات المعتدون يلجؤون إلى اقتنائها كما صارت بعض النساء يتزودن بها وفق ما عرفنا من مصادر خاصة.

السلاح ليس الحل

«الراي» توجهت إلى صاحب شركة متخصصة بطرق وأساليب الحماية لتسأله عن أهمية اقتناء مسدس للدفاع عن النفس وعن أفضل الوسائل التي يمكن للمرأة اتباعها لتحمي نفسها من المعتدين.

ردُّ روي سليمان، الخبير في آليات الحماية كان متوقَّعاً إلى حد ما، فهو لا ينصح بالسلاح لأن استخدام المسدس عند التعرض لاعتداء ليس بالأمر السهل بل يحتاج إلى رد فعل سريع وجريء والمرأة غير المدربة لا تملك القوة ولا الجرأة لاستعمال المسدس. لا بل قد يصل السلاح سواء كان مسدساً أو سكيناً أو هراوة إلى يد المعتدي ويصبح الوضع أشد خطورة.

والنساء اللواتي حصلن على تدريب جدي لاستخدام المسدس في ما يُعرف بأسلوب «الحماية اللصيقة» عددهن محدود جداً وقد لا يتمتعن بردّ الفعل الضروري عند وقوع الاعتداء. فظاهرة اقتناء المسدسات إذاً يراها سليمان في غير محلها ولا تفيد في صدّ الاعتداءات.

وبحسب سليمان، فإن ما يمكن أن يساعد المرأة في الدفاع عن نفسها هو الحنكة والوقاية.

فالوقاية تقوم على تجنُّب الاحتفاظ بمبالغ مالية كبيرة في مكان واحد وتخصيص محفظة في الحقيبة للسارق أي تحوي على كمية صغيرة من المال وتوزيع المبالغ الأخرى في أمكنة مختلفة من السيارة.

إضافة إلى تفادي ارتداء المجوهرات الصارخة أو ترْك نوافذ السيارة مفتوحة وأبوابها غير مقفلة. وفي حال تعرّضت المرأة لمحاولة سرقة فالأفضل أن تتخلى عن حقيبتها تلك وأن تُجَنِّب نفسها اعتداء جسدياً من السارق.

أما إذا كانت تتعرض لاعتداء جسدي فالأسلم أن تتمالك أعصابها وتستدرج المعتدي إلى حيث يمكنها طلب النجدة أو الفرار منه.

حتى الفتيات والنساء اللواتي يتمتعن بلياقة بدنية عالية قد يصعب عليهن صد المعتدي في مواجهة مباشرة إلا إذا كن خلْفه واستطعن ضربه بحجر أو آلة حادة.

فالمعتدي، وفق سليمان، خبير وسريع الحركة وقد قام بعشرات عمليات السرقة والاعتداء ويستطيع بسهولة التغلب على المرأة وجهاً لوجه ولذا من الأفضل مراوغته وغدْره في حال استطاعت ذلك.

المهم أن تحافظ الضحية على أعصابها ولا تنهار أو تستسلم للخوف.

بعض النساء لجأن إلى حلول أخرى مثل اقتناء صاعق كهربائي أو رذاذ الفلفل لصد المعتدين المحتملين.

لكن حتى هاتين الطريقتين بحاجة إلى دراية وتدريب، وفق ما يقول روي سليمان. فرذاذ الفلفل يُنصح به ويمكن الحصول عليه بسهولة وإن من السوق السوداء ولكن عند رشه نحو المعتدي على المرأة أن تدير وجهها نحو الناحية المعاكسة وأن تغمض عينها بضعة ثوان تجنباً للتأثر بمفعول الرذاذ، وحين تتأكد من تأثيره على المعتدي يمكنها الهرب.

أما بالنسبة للصاعق الكهربائي فإستخدامه يحتاج إلى دقة ودراية، حيث ينبغي على المرأة أن ترفس المعتدي بكعب قدمها، وهو المكان الوحيد الذي لا يتأثر بالصعقة الكهربائية، ثم تحاول صعق المعتدي من دون السماح له بالإمساك بها حتى لا يعرّضها لصعقة الكهرباء، ومن الأفضل دائماً أن تصعقه من جهة القلب.

كذلك يمكن أن يشكل استخدام الضوء القوي طريقةً مناسبة وسليمة للدفاع عن النفس ليلاً لأنه يبهر المعتدي ويجعله يفقد الرؤية للحظات تكون كفيلة بتمكين الضحية من الهرب.

نعم للحماية الذاتية

سألنا بعض النساء والشابات عن رأيهن في استخدام السلاح للدفاع عن النفس. فقالت الممثلة اللبنانية فيفيان أنطونيوس انها تكره السلاح وضده بالمطلق لا بل حتى في أدوارها التمثيلية ترفض استخدامه وتعجز يدها عن الضغط على الزناد رغم علمها أنها رصاصات فارغة.

وأضافت «ربما لأنني نشأتُ خلال الحرب اللبنانية وسمعت أصوات الرصاص والقذائف صرتُ أخشاها كثيراً وتولّدت لديّ فوبيا من الأسلحة. لكن للأسف نحن في لبنان فقدنا الأمان ونعيش في حالة خوف دائمة، والعنف إلى ازدياد لا سيما ضد المرأة ولذلك أوجه ابنتي إلى الرياضات القتالية مثل البوكس. لكن تبقى الوقاية هي الأهم وحسن توجيه الأهل لبناتهن بعدم القبول بالعنف بكل أشكاله لأن التعنيف اللفظي قد يوصل إلى تعنيف جسدي ويتطور ليصبح جريمة».

من جهتها، تقول سيلينا، وهي صبية لبنانية يضطرها عملها للعودة في وقت متقدم ليلاً إلى بيتها «رغم الخوف والقلق من العودة وحدي إلا أنني لا أفكر باقتناء مسدس حتى لا أبتلى به فقد أتسبب بموت شخص وأخرب حياتي. أفضل الإحتفاظ بهراوة حديد في سيارتي تفيدني في مواجهة المعتدي أو السارق لا سيما أنني أتخذ عادة كل التدابير التي تمنعه من دخول سيارتي. لكن في الحقيقة لا أعرف إذا كنتُ قادرة على إستخدام أي سلاح في حال التعرض لاعتداء».

في حديث إذاعي لها، إثر تعرضها لمحاولة اقتحام لسيارتها وسرقتها، قالت ملكة جمال لبنان السابقة إنها باتت تفكر جدياً بتعيين حارس شخصي لها يرافقها في تنقلاتها ليلاً لحمايتها، وقد نصحها كثيرون بذلك.

وتعترف بأنه لولا تدخل مدير أعمالها لصد السارق ومسارعته للمساعدة، لما كان هذا الأخير لاذ بالفرار، وتمكن ربما من أذيتها.

وأكدت «بتنا نعيش في زمن مخيف وعلى كل إمراة أن تسعى لحماية نفسها بالطريقة التي تراها مناسبة ومن ضمنها اقتناء السلاح».