الفراغ يتمدّد في مؤسسات الدولة..تقاعُد عويدات يؤسّس لأزمة قضائية في النيابة التمييزية

تراجع منسوب التفاؤل بملء مركز النائب العام التمييزي في لبنان، بعد إحالة القاضي غسان عويدات إلى التقاعد المرتقبة في 22 فبراير (شباط) الحالي، لغياب الاتفاق على مَخرج قانوني يُفضي إلى تسمية القاضي البديل، سواء بالانتداب أو بالتكليف.

وكشفت مصادر مواكبة للمشاورات والاتصالات المستمرّة بين المراجع السياسية والقضائية، عن «تضارب كبير حيال المعطيات التي يمكن أن تقود إلى الحلّ في الأيام التي تفصل عن مغادرة عويدات مكتبه». وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبّود، «لا يزال يملك مفتاح الحلّ، وهو يتجه إلى تكليف رئيس محكمة التمييز الجزائية، القاضي جمال الحجّار، بمهام النائب العام التمييزي، بالنظر لأهمية هذا الموقع العائد للطائفة السنيّة وعدم تركه أسير الشغور». ورأت أنه «لا شيء محسوماً حتى الآن، غير أن احتمال تسمية الحجّار يتقدّم على كل الخيارات الأخرى».

وإزاء المخاوف من انسحاب الفراغ على الوظائف العليا، وأن تشمل النيابة العامة التمييزية، قال مصدر قضائي بارز إن القاضي سهيل عبود «ملتزم عدم ترك هذا المركز الحساس للشغور، خصوصاً أن مدعي عام التمييز يمثّل رأس هرم النيابات العامة ورئيس الضابطة العدلية في كلّ لبنان، وهذا ما يسعى المعنيون إلى تجنّبه»، لكنه لفت إلى أن عبّود «كان قد تعهد بتكليف القاضي المناسب ليشغل هذا الموقع، وأن القاضي جمال الحجار هو الشخصيّة الأقدر والأكثر كفاءة بالنظر إلى كونه القاضي السنّي الأعلى درجة في القضاء، ويتمتّع بخبرة واسعة».

وأوضح المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن رئيس مجلس القضاء «وضع هذا الخيار نصب عينيه، إثر تبلغه أن (المحامية العامة التمييزية) القاضية ندى دكروب، الأعلى درجة بين المحامين العامين لدى محكمة التمييز، كانت قد أعلنت أنها لا ترغب في تسلّم هذا المركز بالإنابة، لكن بعد تراجعها عن هذا الموقف وإبلاغ مَن يلزم أنها مستعدّة لتحمّل مسؤولياتها، لن يذهب القاضي عبّود إلى تجاوزها وتكليف قاضٍ آخر، لأنها الأحقّ، خصوصاً أنها معيّنة بمرسوم ضمن قضاة النيابة العامة التمييزية».

وقبل حلول 22 فبراير (شباط) بأسابيع، بدأت التباينات القضائية تظهر بشكل أكبر، خصوصاً في أروقة النيابة العامة التمييزية، وأفادت معلومات بأن «التذرّع بقبول القاضية دكروب تسلّم هذا المنصب، ليس سبباً موجباً يدفع رئيس مجلس القضاء إلى التراجع عن تكليف الحجار».

وقالت أوساط مطلعة في قصر العدل لـ«الشرق الأوسط»، إن «نقل الحجار من رئاسة محكمة التمييز الجزائية سيخلق مشكلة متعددة الجوانب». وقالت: «إذا جرى تكليفه فإنه سيحلّ مشكلة النيابة العامة التمييزية، لكن في نفس الوقت سيترك فراغاً على رأس محكمة التمييز التي يرأسها، وسيشغر مقعده كمستشار في المجلس العدلي، وأيضاً سيفقد عضويته في الهيئة العامة لمحكمة التمييز». ورأت أن «الأفضل عدم إدخال القضاء في مزيد من التعقيد، إذ يمكن للقاضية ندى دكروب أن تُسيّر أمور النيابة التمييزية لمرحلة انتقالية، إلى حين تعيين مدَّعٍ عامٍّ أصيل».

كان أربعة من قضاة التحقيق في بيروت قد اعترضوا على قرار تكليف زميلهم القاضي وائل صادق، بمهام قاضي التحقيق الأول في بيروت، لكون درجاتهم أعلى منه، علماً بأن تكليفه جاء لأنه سنيّ، وهذا المركز هو من حصة الطائفة السنيّة، ووقعوا كتاباً رفعوه إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، أعلنوا فيه أنهم سيتوقفون عن العمل، لأن القاضي فؤاد مراد هو الأحق بالمركز بالتكليف، عندها سارع القاضي صادق إلى الاعتذار عن قبول التكليف، فما كان من الرئيس الأول حبيب رزق الله إلّا أن كلّف القاضي بلال حلاوي بهذه المهمّة، ولم يَلقَ ذلك اعتراضاً إلا من القاضي مراد، الذي طعن أمام مجلس شورى الدولة بهذا الإجراء، فما كان من مجلس الشورى إلّا أن رفض المراجعة وبقي التكليف قائماً. فهل يتكرر هذا السيناريو في النيابة العامة التمييزية؟