بقطع النظر عن أي تبريرات يمكن أن يعطيها "حزب الله" للهجوم غير المسبوق الذي شنّه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم ضد لبنان الدولة والشعب واللغة التخوينية التي استعملها، لا يمكن في أي شكل فصل هذا التصعيد المفاجئ عن زيارة الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني لبيروت والتعليمات التي حملها إلى قيادة الحزب. وللمفارقة، إن لاريجاني زار بيروت على وقع تصريحات عالية اللهجة لمسؤولين إيرانيين سبقت وصوله، وغادر على وقع تصعيد غير مسبوق لقاسم، وما بين الاثنين، حرص على أن يتحدث بلغة ديبلوماسية، لا تعكس أبداً الرسائل الضمنية التي حملها والتي عبّر عنها قاسم خير تعبير، على مسافة ساعات من لقاء القمة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، حيث ترغب طهران في توجيه رسائلها في ذلك الاتجاه.

فمحاولة قلب الطاولة التي قام بها قاسم على كل شعارات المرحلة السابقة والتزامات حزبه تجاهها بدءاً من موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في السابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي، بكل مندرجاته، مروراً بالخطاب الأول لقاسم بعد الاتفاق الذي التزم به سقف الدولة والدستور والطائف وصولاً إلى موافقته الضمنية عبر حليفه وأخيه الأكبر كما سمّاه في ذلك الخطاب نبيه بري على مضامين الاتفاق مع الموفد الأميركي توم براك، وصولاً حتى إلى انسحاب وزراء الثنائي من جلسة السلاح وليس الاستقالة أو الاعتراض على الأقل، كل هذه المؤشرات كانت تشي بأن الحزب سلّم بهزيمته ويمدّ يده إلى من ينزله عن الشجرة. وبلوغه هذه المرحلة في ظل ضائقة مالية يعاني منها مع القيود المفروضة على طرق إمداداته براً عبر سوريا وجواً عبر مطار رفيق الحريريّ الدولي وبحراً عبر المرفأ، استدعت جرعة دعم إيرانية فورية لم تقتصر على زيارة لاريجاني بل على تسليم الملف اللبناني إلى مسؤول أمني إيراني لإدارته مباشرة في ظل خشية طهران من تنازلات قد يقدم عليها قاسم، الذي يختلف شكلاً ومضموناً عن الأمين العام السابق الراحل السيد حسن نصرالله.

ومن المواقف المتوالية الصادرة عن القيادة الإيرانية وصولاً إلى ترجمتها في الخطاب الأخير لقاسم، بات واضحاً أن طهران قررت استغلال بند السلاح إلى أقصى الحدود واستعماله ورقة ضغط على المفاوضات التي تطمح إليها مع واشنطن، مهما كان الوقت الذي سيحتاج إليه مسار إعادة إطلاق تلك المفاوضات بعد خمس جولات حصلت في مسقط وانتهت إلى استهداف واشنطن 3 منشآت نووية إيرانية في حزيران الماضي وتساؤلات عما إن كان البرنامج النووي انتهى فعلاً كما صرح ترامب أم لا كما أعلنت طهران نفسها. كذلك تعوّل طهران على أن يكون هذا الملف على طاولة محادثات ترامب وبوتين في القمة المنعقدة في ألاسكا لإعادة رسم محاور العالم، التي لم تتضح معالم نتائجها بعد، وما إن كانت تناولت هذا الملف من ضمن الملفات المطروحة على الطاولة إلى جانب ملف الحرب الأوكرانية الروسية. تجدر الإشارة هنا إلى أن بوتين كان قد قدّم إلى ترامب عرضاً للمساعدة مع طهران في شأن النووي قبل نحو شهرين وذلك خلال اتصال هاتفي حصل بين بوتين وترامب في مطلع حزيران الماضي.