مرسوم تجنيس جديد قيد التحضير؟

سرى كلام إعلامي في اليومين الأخيرين عن مرسوم تجنيس قيد التحضير لمنح الجنسية اللبنانية لمئات الأشخاص من غير اللبنانيين، من دون أن يصدر نفي لهذه المعلومات. وفي كل الأحوال فإن خروج كلام مماثل الى النور يستلزم آليّة محدّدة في القانون الصادر منذ عام 1925 الذي يخوّل رئيس الجمهورية منح الجنسية اللبنانية لمستحقيها من غير اللبنانيين. ويقول رئيس مجلس الشورى سابقاً القاضي غالب غانم لـ"النهار" إن ثمّة آليّة تحمل سمة المرسوم الجوّال ليصبح نافذاً. تبدأ بموجب اقتراح من وزير الداخلية والبلديات حصراً، ليأخذ طريقه من ثمّ الى التوقيع من وزير الداخلية فرئيس الحكومة ثم رئيس الجمهورية، طبقاً لمرسوم التجنس المشؤوم الصادر عام 1994 الذي استفاد منه مئات آلاف من غير اللبنانيين وتقديرياً 250 ألف شخص.

تجنيس جدد يستدعي في أسبابه الموجبة شروطاً معيّنة لإيجاب طلبات منحها. ويشير القاضي غانم الى أن هذه الأسباب الموجبة تأخذ في الاعتبار الكثافة السكانية، ولبنان يعاني منها لأنه من أكثر دول العالم كثافة. لذا يقتضي وجود حذر وتردّد قبل منح الجنسية التي يجب أن تُعطى في شكل مدروس لكل طلب على حدة، كأن تكون بالنسبة الى مستحقها نوعاً من المكافأة على أفضاله على الدولة أو أدّى مبادرات مهمّة في سبيل البلاد. ثمة محاذير تترتب على منحها ونتائج سلبية، ومرسوم 1994 كان الاستثناء الذي، من المؤسف جداً، استفاد بموجبه مئات الآلاف من غير المستحقين ومن لا يحق لهم الحصول عليها. ويستذكر أن ذاك المرسوم الذي جرى الطعن به أمام مجلس شورى الدولة حينذاك، كان من شبه المستحيل البتّ فيه بكل ملفّ على حدة من ملفات الحاصلين على الجنسية، وفقاً لما ينصّ عليه القانون، فبات من غير الممكن حسم الدعوى المتعلقة بهذه الملفات الكثيرة نظراً الى عددها الكبير، لذا أعطينا التعليمات للدولة عام 2002 في قرار أصدره مجلس الشورى بسحب الجنسية من أربع فئات من الأشخاص ممّن حصلوا عليها خلافاً للدستور حفاظاً على حق العودة للفلسطينيين، والأمر نفسه بالنسبة الى من نالها خلافاً للقانون كزعم أصحابها أنهم من وادي خالد والقرى السبع، ويشكلون بضع عشرات من الآلاف أو استفاد آخرون منها عن غير حق لأن ملفّاتهم حوت طلبات خالية من الإثبات لجهة أن أصحابها مقيمون على الأراضي اللبنانية أو يتمتعون بالسلوك الحسن. وفي النتيجة تمّ سحب حوالي أربعة آلاف جنسية بقرار من لجنة من عشرة قضاة وعشرة ضبّاط في قوى الأمن الداخلي كلفت بدراستها. ثمّ وقّع وزير الداخلية قرارها الذي لا يزال عالقاً في رئاسة الحكومة حتى الساعة. وإنطلاقاً من ذلك يرى القاضي غانم أن وهب الجنسية مسألة خطيرة عندما يستفيد منها من لا حق لهم بإكتسابها. وذهب الى أن موقوفين بقضايا جنائية استحصلوا عليها في مرسوم 1994 فضلاً عن الطلبات الخاوية. ويشدّد في المطلق على أن منحة الجنسية تستدعي توفر الأسباب التي تخوّل رئيس الدولة منحها بعد الأخذ في الاعتبار الوضع السكّاني الجغرافي والبطالة ومدى الإفادة من هذه الخطوة.

وبعيداً من الكلام عن النيّة في هذا الاتجاه أو عدمها، يؤكد القاضي غانم "أننا لا يمكننا التوسّع في موضوع منح الجنسية في وقت لم نتمكّن فيه بعد من معالجة الجوانب السلبية التي تركها مرسوم الجنسية عام 1994 حتى الآن، ولا نزال نعيش تحت وطأته من دون معالجة. فهذه المسألة الخطيرة التي تدل على عجز الدولة عن هذه المعالجة وتخطي آثاره السلبية تستدعي في كل الأحوال التريّث في إعطاء الجنسية لأيّ شخص أجنبي، وخصوصاً إن كان الشخص ملاحقاً كما حصل في المرسوم التسعيني حيث استفاد منه محكومون وأصحاب طلبات كانت ملفّاتهم فارغة كلياً من المستندات حيث اقتصر الأمر على تسجيل صاحب الطلب اسمه فحسب.

وشدد على أنه في كل الأحوال يقتضي تبيان الأسباب في طلب الحصول على جنسية ومدى مواءمته وعلى صعيد أفراد وليس غبّ الطلب وفق المرسوم المذكور. وسأل القاضي غانم: لماذا منحها الآن؟ مميّزاً أن بعض الدول تمنح الجنسية لرعايا بلد آخر بسبب حاجتها أو عرفاناً بالجميل لمفكّر ومبدع وخلّاق في مجال معيّن، أمّا في لبنان فلماذا أمنحها لغير هذه الأسباب؟ ولا سيما أن لبنان يعاني من أعباء سكانية ووجود غير لبنانيين بالملايين، لذا الحذر واجب في هذا المجال ويُفترض إثارتها بعد معالجة الآثار السلبية لمرسوم 1994 التي لم تعالج حتى الآن فيما لا يزال هذا المرسوم معلقاً حيث توجد إشارة على سجلّات المجنسين بموجبه من شأنها أن تعوق بعض القضايا الخاصّة بهم باستثناء حقهم في الاقتراع لمرور عشرة أعوام على حيازتها، بينما من يستحقها لبنانيو وادي خالد غير مسجّلي الولادة وكذلك أبناء القرى السبع في الجنوب.