المصدر: نداء الوطن
الكاتب: رنى سعرتي
الثلاثاء 25 تشرين الثاني 2025 07:05:48
لم يأتِ تعميم مصرف لبنان حول تحديث واعتماد نموذج اعرف عميلك (KYC) الخاص بالعمليات النقدية وعمليات الصرافة لدى المؤسسات المالية غير المصرفية، من عدم، بل جاء لسدّ الثغرات الموجودة في عمل بعض تلك المؤسّسات مثل شركات تحويل الأموال والصيارفة الشرعيين. وسبق للمؤسّسات الدولية أن حثت السلطات اللبنانية مرارًا وتكرارًا على تنظيم عمل تلك المؤسسات وتشديد الرقابة عليها، لأنها تستخدم من قبل بعض الجهات كوسيلة لتسهيل عمليات تبييض الأموال، وآخر مثال على ذلك إغلاق شركة Wish Money حسابات جمعية "وتعاونوا"، امتثالًا لمتطلبات تعميم مصرف لبنان 170، ما ينذر بإقفالات أخرى قد نشهدها عند البدء بتطبيق التعميم الجديد وتحديث بيانات عملاء تلك المؤسسات.
رغم أن عمليات تبييض الأموال تتمّ في معظمها لدى مؤسسات غير شرعية، أو عبر التداول بالعملات الرقمية حديثًا، إلّا أن معالجة الأوضاع وسدّ الثغرات القائمة في المؤسسات الشرعية لتطبيق أفضل معايير الامتثال لمكافحة تبييض الأموال، هما أوّل الغيث في المسار المطلوب دوليًّا للبدء بمكافحة ما أمكن للدولة حاليًا أن تكافحه للامتثال للمعايير الدولية المطلوبة، لتحسين سمعة لبنان في مجال مكافحة التبييض. وسيبقى ملف ضبط المؤسّسات غير الشرعية خطوة موازية أو لاحقة.
على غرار المصارف التي أنشأت منذ سنوات أقسامًا ووحدات للامتثال بهدف مكافحة تبييض الأموال وتطبيق أفضل المعايير في ما خصّ "اعرف عميلك" KYC وغيرها، فإن شركات تحويل الأموال والمؤسسات التي تقدّم خدمة المحافظ الإلكترونية ومكاتب الصرافة، باتت ملزمة اليوم بتطبيق تلك المعايير أيضًا، والتصريح عن معلومات دقيقة حول العمليات النقدية التي تساوي أو تتجاوز 1000 دولار أميركي، على أن ترسل تلك المعلومات إلى مصرف لبنان خلال مهلة يومين من إتمام العملية.
من اللافت أن بعض شركات تحويل الأموال والمؤسسات التي تدير محافظ إلكترونية تملك أساسًا وحدات ومراكز امتثال compliance departments وهي تقوم بتطبيق معايير الامتثال لمكافحة تبييض الأموال وتراقب العمليات النقدية والإلكترونية التي تتمّ عبرها ولا تسمح بتجاوزات، وتأخذ على عاتقها إقفال الحسابات المشبوهة أو التي تشكّل مخاطر مرتفعة وغيرها من الأنشطة غير المشروعة والتي تهدف إلى إخفاء المصدر الحقيقي للأموال والأشخاص المستفيدين منها، وهو الأمر الذي يحاول مصرف لبنان اليوم، السيطرة عليه. في المقابل، هناك شركات تحويل أموال أخرى وبعض مكاتب الصيرفة، تسمح بإرادتها، بالتجاوزات وبإتمام عمليات مشبوهة تطرح علامات استفهام حول مصدر الأموال، وفقًا لما شرحه مصدر في إحدى شركات تحويل الأموال لـ "نداء الوطن" بأن هناك أشخاصًا على سبيل المثال، يقومون بشكل مستدام، بتحويل مبالغ مالية قد تكون أحيانًا بسيطة لا تتجاوز 50 دولارًا لعدد كبير من المستفيدين من دون التحقق من هويّات المرسل أو المرسل إليه، من خلال استخدام أحيانًا بطاقات هوية مزوّرة للبنانيين أو أجانب. مشيرًا إلى أن قسمًا للامتثال في الشركة، لاحظ هذا النمط الغريب والمشبوه وقام بالتالي بإقفال حسابات هؤلاء الأشخاص. مؤكدًا أن هناك ممارسات مشبوهة أخرى بمبالغ كبرى تُمنع في عدد قليل من شركات تحويل الأموال التي تهتمّ بسمعتها، ولكنها تتمّ بسلاسة وبلا رقابة، في شركات أخرى.
فهل إن تعميم مصرف لبنان الجديد سيؤمّن تطبيقًا تامًّا لمعايير الامتثال في مكافحة تبييض الأموال وهل تملك كل مؤسسات تحويل الأموال ومكاتب الصيرفة القدرة على إنشاء مراكز امتثال على غرار المصارف؟ أم أن مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف ستأخذ على عاتقها لعب هذا الدور؟ وهل سيؤدّي هذا التعميم إلى إقفال حسابات ومحافظ إلكترونية؟
في هذا الإطار، أوضحت مصادر معنيّة بالقرار لـ "نداء الوطن" أن مصرف لبنان في سباق مع الوقت ويحاول في مهلة قصيرة جدًّا فرض نظام امتثال للمعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال بهدف الخروج من اللائحة الرمادية، مشيرة إلى أن خطوة مصرف لبنان هي الأولى في مسار الألف ميل لربط كافة العمليات الإلكترونية بنظام واحد وموحّد تحت سيطرة البنك المركزي، يشمل المحافظ الإلكترونية وغيرها من العمليات التي تتمّ عبرها التحويلات الماليّة، وهو مشروع يتمّ التخطيط له لإطلاقه قريبًا لكنه يحتاج إلى وقت لوضع الآليات والتقنيات اللازمة له. أمّا حاليًا، فإن تعميم مصرف لبنان الأخير يهدف إلى جمع كافة المعلومات والمستندات data عن الأشخاص والجهات التي تقوم بعمليات تحويل مالي إلى الخارج أو تستقبل أموالًا عبر تلك المؤسسات، على أن يقوم مصرف لبنان في المرحلة الأولى بالتدقيق بها وتطبيق معايير الامتثال، لأن المؤسسات المعنيّة لا تملك وحدات وأقسامًا على غرار المصارف، للامتثال، وبالتالي لا تقوم بتتبّع العمليات التي تتمّ عبرها إن كانت مشبوهة أو ذات مخاطر عالية. وتوقعت المصادر أن يصار بعد ذلك إلى الانتقال بشكل تدريجيّ نحو تدريب تلك المؤسسات على القيام بدورها بهذا التدقيق مراعية معايير الامتثال الدولية، بعد أن يتم وضع الآلية اللازمة والنظام الإلكتروني المطلوب.
ورأت المصادر أن اعتماد نظام "اعرف عميلك" وتعبئة النموذج المطلوب، سيجعلان على غرار المصارف، كافة العمليات التي تتمّ عبر مؤسسات تحويل الأموال أو الصيارفة، مصنفة شرعية شكليًا، على أن يصبح كلّ من يلجأ إلى المؤسسات غير الشرعية موضع شكّ وشبهة، معرّضًا نفسه والمؤسسة غير الشرعية التي تقوم بتحويلاته، إلى المخاطر.
نقابة الصيارفة
من جهتها، أوضحت مصادر في نقابة الصيارفة "أن أياماً فقط تفصلنا عن موعد بدء تطبيق بنود تعميم مصرف لبنان ولا نملك لغاية اليوم الآلية المطلوبة والواضحة لكيفية التطبيق"، موضحةً لـ "نداء الوطن" أن لا علم لدى الصيارفة بعد حول كيفية تطبيق هذا التعميم والآلية التي يجب اتباعها، أو من هم الأفراد أو الجهات المعنيّة، علمًا أن النقابة راجعت لجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان وتلقت الجواب نفسه بأنهما ستجتمعان في اليومين المقبلين لوضع آلية تطبيق هذا التعميم وإرسال التوضيحات اللازمة للمؤسسات المعنيّة بتنفيذه. وأكدت المصادر أن الصيارفة يؤيّدون ويدعمون الإجراءات التي تنظم عملهم وتعيد الثقة والشفافية للقطاع، إلّا أن المهلة قصيرة ولا توجد بعد آلية واضحة، خصوصًا أن هذا الإجراء يحتاج إلى تدريب الموظفين على برامج جديدة، وهو الأمر الذي يكبّد الصيارفة أعباء إضافية لا قدرة لها على تحمّلها حاليًا.
وفيما شدّدت المصادر على أنها مستعدّة لتنفيذ كلّ الإجراءات المطلوبة وتعبئة نموذج RF1، لفتت إلى أنه عندما تطالب المصارف عملاءها بتعبئة مجلّد من المعلومات والمستندات ومصدر الأموال، لا يمانع العميل لأن ليس لديه بديل عن المصرف، لكن عندما يطالبه الصرّاف بتعبئة كافة تلك المعلومات والمستندات، سيلجأ بالتالي إلى أقرب صرّاف غير شرعي ينفذ له العملية نفسها من دون أي مستند أو حتى بطاقة هوية!
كما أشارت إلى أن تعميم مصرف لبنان ينصّ على إرسال النماذج والمعلومات والمستندات التي يتمّ جمعها من الزبائن خلال مهلة يومين عبر البريد الإلكتروني، "ولكن لا نعلم بعد إن كانت هذه المستندات مطلوبة فقط لعمليات التحويل من وإلى لبنان أو أيضًا لعمليات الصرافة العادية. كما أن إتمام هذا الإجراء لا يمكن أن يتم من دون وجود برامج وأنظمة إلكترونية حديثة مخصّصة لذلك".