أحمد الشرع في حديث نوعي: الرؤساء أيضاً بحاجة لأن يُنصَفوا

أول ما يتبادر إلى ذهن المتلقي لكلام الرئيس السوري أحمد الشرع، في لقائه الأخير مع مجموعة نخبوية من الصحافيين العرب، هو الحجم الهائل من الظلم الذي تعرض له الرجل بفعل التشويه الكبير الذي مارسه الإعلام العربي والعالمي تجاهه.

كان بوسع كل من أصغى إلى الكلام الهادئ، المدروس بعناية الذي صدر عن الشرع أن يستنتج أنه يتعرف عليه للمرة الأولى، وأنه أمام رئيس واعد لم تنصفه الهواجس المقلقة التي أحاطت بصورته منذ تسلمه السلطة. أما بالنسبة إلى المواطن اللبناني فالأرجح أنه حظي للمرة الأولى منذ زمن طويل، بجرعة من الإطمئنان إلى المصير كانت حاجته إليها ملحة.
بهدوء وثقة قارب الرئيس ملفات متفجرة في المحيط العربي، تحدث بصراحة، تتطلب الكثير من الشجاعة، عن المشاكل والأزمات التي تطال بلاده، إضافة إلى سواها من البلدان المحيطة بها. كما وضع أسساً واثقة، بقدر ما هي ممكنة وبسيطة، لتخطي الكم الهائل من الإعاقات التاريخية التي حالت بين الكيانات القلقة المشمولة بحديثه وبين انتقالها إلى مرحلة الدول المنيعة التي تمنح مواطنيها شعوراً بأمان الانتماء وقدسيته طال افتقادهم إليه.
القدرة على التجاوز هي السمة الأبرز التي منحت الحديث الرئاسي بعداً استثنائياً: "كان يمكننا بعد تسلمنا السلطة أن نضع في مقدم أولوياتنا تصفية الحساب مع "حزب الله" على ما ارتكبه بحق سوريا والسوريين طيلة أربعة عشرعاماً، لكننا آثرنا الصفح، منطلقين من حرصنا على تجنيب لبنان إمكانية التحول إلى حقل ألغام".
أي مقاربة لمضمون الكلام لا يسعها تخطي الهدوء الذي ميزه في سياق تعرضه لمواضيع في غاية الصخب: "حاجة لبنان وسوريا إلى فتح صفحة بيضاء يتشاركان من خلالها في صياغة تاريخ جديد لعلاقتهما بعيداً عن الإرث الماضوي الثقيل، وامتلاكهما القدرة على ذلك".
بدلاً من الغرق في متاهة الثأر والانتقام اقترح الرئيس فكرة التكامل بين البلدين الجارين: "ما تشهده سوريا حالياً من استقطاب للاستثمارات يشكل فرصة أمام اللبنانيين للاستفادة منها، وسيكون من الخطأ الكبير أن يخسروا مثل هذه الفرصة التي قد لا تتكرر".
في عملية قطع من طابع استراتيجي مع النمط السوري المألوف في التعاطي مع لبنان، تماهياً مع الصيغة المعتمدة بين الدول المتجاورة حيث يمارس الكبير هيمنتة على الصغير، وهو ما أدرك، في العلاقة التي وصفت بأنها مميزة بين البلدين طيلة فترة زمنية واسعة، مرحلة متقدمة. رأى الرئيس أنه سيكون من الخطأ أن تمارس سوريا عملية استثمار في الاستقطاب الطائفي اللبناني، وهو ما تغري به، وتحرض عليه، تركيبة لبنان الديموغرافية المتنوعة، والمهيأة دائماً لأن يجري تفعليها باتجاه صدام عنفي.

في سياق السرد سرعان ما يتخلى الرئيس عن مكانه ليتقدم الخبير الساعي إلى إيجاد حلول علمية لما يطرح أمامه من مشاكل: "يمكن للتعاون الاقتصادي بين لبنان وسوريا أن يقدم الفائدة لشعبيهما اللذين خضعا لمعاناة معيشية قاسية، ومن شأن فتح أبواب التفاعل الاقتصادي المنتج بين البلدين أن يخرج الشعب اللبناني خاصة من إطار التمركز الطائفي، ويدفعه باتجاه البحث عن حياة مستقرة، تليق بلبنان أكثر مما تفعل الحروب والكوارث".

لم يخل كلام الشرع عن لبنان من مفاجآت تبعده عن صورة حامل الإيديولوجيا الذي يشخص المشكلة وفقاً لحلول جاهزة يمتلكها مسبقاً، لتضعه في خانة المتفاعل المرن مع القضايا المطروحة تبعاً لمقتضياتها الموضوعية: "المطلوب إخراج لبنان من دائرة التجاذب الطائفي التي تؤطر مناخه السياسي الحالي نحو فضاء أكثر رحابة، بحيث يمكن لكل طرف أن يشعر نفسه رابحاً في أرجائه".

"أسعى لدخول البيوت من أبواب الثقة وليس من نوافذ التآمر". هكذا لخص الرئيس الشرع رؤيته لطبيعة العلاقة التي بجب ان تكون قائمة بين سوريا ولبنان، متخطياً بذلك النزعة الفردية المحرضة على الهيمنة التي تتحكم غالباً بآداء بعض أصحاب السلطة، وهي تتأتى في العادة من مركبات نقص اكثر مما هي تنبثق عن رؤى سلطوية تحاول تسويق مفاهيمها اعتماداً على أرجحية الرأي ومشروعية النقاش. إذ ما معنى الإصرار على ممارسة التسلط الأبوي الفوقي عندما تكون صلة الأخوة المتساوية متاحة؟ الأرجح انه لو قيض لبعض الحكام ادراك هذا السؤال البديهي، وتنكب محاولة الإجابة، لكانت مشاكل العالم أقل بكثير مما هي عليه.