أزمة الحاكمية تبعثر الحكومة ولا مخرج بعد

 لم "تقو" الجولة المكوكية الجديدة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان على القيادات اللبنانية في يومها الثاني على احتلال موقع الأولوية في المشهد - الحدث الداخلي اذ طغى عليها توهج ازمة حاكمية مصرف لبنان التي تقف اليوم امام "الخميس المفصلي" الذي سيحدد اتجاهاتها شبه النهائية. فاذا كان يمكن اجمال نتائج اليوم الثاني من لقاءات لودريان بانها اثبتت ما كشفته "النهار" امس من طرحه المتعلق بإقامة حوار في السفارة الفرنسية في أيلول يتركز حول مواصفات رئيس الجمهورية وتنطلق بعده جلسات متتالية لمجلس النواب لانتخاب الرئيس، فان الطابع المتمهل والمرجأ تكرارا للازمة الرئاسية وجد نقيضه تماما في الطابع الملتهب والعاجل والمتسارع لازمة الحاكمية، وسط اشتداد التجاذب السياسي في شأن جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم لتعيين حاكم جديد، يبدو واضحا تعذر او حتى استحالة تعيينه. وتزامن كل هذا التوهج مع انشداد اللبنانيين الى الاطلالة التلفزيونية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة عبر "المؤسسة اللبنانية للارسال" مساء امس التي كانت بمثابة مطالعة دفاعية مسهبة "وداعية" له قبل أيام من نهاية ولايته الاثنين المقبل. ودافع سلامة الذي حسم عدم بقائه في منصبه بعد نهاية تموز عن سياساته طوال ثلاثين عاما، كما دافع بقوة عن مصرف لبنان ولكنه لم يهاجم "المنظومة" كما توقع بعضهم ولو انه رد بتبريرات مسهبة عن سياسات المصرف. وقال سلامة انه بعد أيام "سأطوي صفحة المركزي وفي 31 تموز ستنتهي ولايتي وهذا الأمر محسوم".

وأشار الى انه "خلال 27 سنة ساهم مصرف لبنان بإرساء الاستقرار والنمو الاقتصادي وتخفيف الفوائد والناتج المحلي ارتفع إلى 55 مليار دولار وودائع القطاع المصرفي ارتفعت إلى ما يفوق الـ170 مليار دولار خلال ولايتي". واوضح بان "نواب الحاكم هناك تقدير لهم من قبلي وعملنا 3 سنوات معاً، وطبعاً هناك تباينات في الاجتماعات، وكان همنا الأساسي أن نقدّم للبنان ما نستطيعه، واليوم نحن أمام مفترق في ظلّ عدم تعيين حاكم جديد، وحالياً هناك نواب الحاكم وفي طليعتهم نائب الحاكم الأوّل وهم عليهم أن يستلموا المؤسسة وأتمنى أن تبقى كما هي صامدة، ولدى نواب الحاكم مطالب وقد وضعوها أمام مجلس النواب والرأي العام وهذا لا علاقة له لا بالمركزي ولا بالعلاقات بيني وبينهم". وشدد على انه "لا أحد يمارس الديكتاتورية في المجلس المركزي، وأول خطوات الإصلاح الجدية تبدأ بإلغاء إمكانية استدانة الدولة من مصرف لبنان". وامل سلامة في "عدم حصول اضطرابات في السوق بعد مغادرتي، كما آمل أن تستمر الآليات التي ساهمت في استقرار السوق، ولكن لا علاقة لي بعد الآن في اتخاذ القرارات". وكشف ان هناك 20 مليار دولار أميركي فعليا استدانتها الدولة من مصرف لبنان بالإضافة الى 54 تريليون ليرة لبنانية. وقال ان مصرف لبنان يلعب دوره إذ لا حسابات لها علاقة بأشخاص سياسيين بل حسابات مرتبطة بالقطاع العام والمصارف".

واردف :"من زمان المنظومة غسلت إيديها مني وليس خفيًا أنني كبش محرقة.. جرى "كبّ شعارات" لتضييع الناس وإظهار أنني أزعر سارق أموال المودعين، لكن الحقيقة مغايرة كليًا، إذ لا يستطيع اي مصرف مركزي الصمود أمام الأزمة التي واجهناها". وكشف ان اكثر من ثلاثين مليار دولار سددت للمودعين منذ 2019.

وفي ملف الملاحقات القضائية ضده خصوصا في الخارج تحدث عن حملة التسريبات ضده و"ديكتاتورية إعلامية غير طبيعية وهناك خطة واضحة منطلقها محام يزعم ان رياض سلامة اخذ ما بين مليار وملياري دولار فكيف هذا؟ ورفض الإجابة على الأسئلة المتصلة بالتحقيقات وتحديدا بشركة "فوري" .

لا جلسة؟
وفي غضون ذلك افادت مصادر مالية مطلعة "النهار" أنه حتى لو تم تأمين النصاب لانعقاد مجلس الوزراء اليوم وهو أمر مستبعد، فإنها لن تثمر تعيين حاكم جديد على خلفية معارضة القوى المسيحية، ومن داخل الحكومة "التيار الوطني الحر" و"تيار المردة" و"حزب الله" . إذ في غياب هؤلاء لن يكون في مقدور الحكومة تعيين حاكم جديد لانها تحتاج الى تصويت 16 وزيرا لتعيين حاكم جديد. وتاليا كل المؤشرات تفضي الى خلاصة واحدة وهي أنه لن يتم تعيين حاكم جديد، لتعود الامور الى المربع الاول اي العودة الى الفراغ وخصوصا أن الاستقالة المحتملة للنائب الاول للحاكم وسيم منصوري اصبحت شبه مرجحة بناء لطلب الرئيس نبيه بري. وذهبت المصادر عينها أبعد من ذلك بقولها أن منصوري قد يعتكف عن تصريف الأعمال ايضا، وهذا الخيار مطروح بقوة على الطاولة، بما يؤكد أننا أمام مرحلة حرجة وصعبة وأن لا شي محسوما فيها، لتصبح الامور مفتوحة على كل الاحتمالات.

وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اجتمع امس في السرايا في حضور نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ووزير المال يوسف خليل، مع نواب الحاكم وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وألكسندر مراديان. وأعلن وزير المال يوسف خليل بعد الاجتماع ان "الجو يميل حتى الآن الى عدم الاستقالة".
واستمر مصير الجلسة اليوم ضبابيا وانعقادها غير محسوم بسبب النصاب. فقد اعلن وزير الاعلام زياد المكاري أنه ووزير الاتصالات جوني القرم لن يحضرا أي جلسة تهدف الى تعيين حاكم جديد أو التمديد لرياض سلامة. كما كشف وزير السياحة وليد نصار انه لن يشارك في اي جلسة حكومية تخصّص للتمديد لحاكم مصرف لبنان او تعيين حاكم جديد. من جانبها، قالت مصادر الحزب الديموقراطي اللبناني ان الوزير عصام شرف الدين سيقاطع جلسة مجلس الوزراء الخميس وأي جلسة تهدف الى التمديد لحاكم مصرف لبنان أو تعيين حاكم جديد.

وفي خطوة مثيرة للشكوك وتعكس تصاعد التجاذبات من داخل الحكومة اعلن المكتب الاعلامي لوزارة العدل ان الوزارة "تتحضر للتقدم بطلب تسمية مدير موقت لدى قضاء العجلة الإداري أمام مجلس شورى الدولة، وذلك في ضوء ما يمكن ان يستجد من تطورات خلال اليومين المقبلين، وتفادياً لأي فراغ يصيب مركز حاكمية مصرف لبنان، وتأميناً لسير المرفق المالي والنقدي"

وأكدت مصادر قانونية أن هذا الطلب ليس له سند قانوني وتاليا ليس في موقعه القانوني الصحيح. وأشارت الى أن "قانون النقد والتسليف لا يأتي على ذكر تعيين مدير موقت لمصرف لبنان، ولا حتى قانون مجلس شورى الدولة، معتبرة أن الوزارة "تبتدع مفهوما جديدا في هذا الاطار، إذ تستعين بالشق التجاري لتطبيقه على مصرف لبنان الذي هو ليس مصرفا تجاريا، بل يعتبر شخصا معنويا من القانون العام، وهذا ما نصت عليه المادة 13 من قانون النقد والتسليف، وأكت انه "حتى اذا استقال منصوري، فإن تعيين مدير موقت غير قانوني".

الى ذلك أفادت اوساط مقربة من المصرفي اللبناني سمير عساف "النهار" انه "خلافا لما ذكرته بعض وسائل الاعلام اللبنانية امس، فان عساف لا ينوي وغير مستعد لتولي منصب حاكم مصرف لبنان وان الاشارة الى اسمه للمنصب بعيدة كل البعد عن الحقيقة اذ هو غير مستعد لمغادرة عمله المصرفي في لندن".