أزمة "فتح" - لبنان إلى أين؟ وما علاقتها بتسليم سلاح المخيمات؟

جاء إعلان السلطة الفلسطينية قرار رئيسها محمود عباس بصفته أيضا رئيسا لحركة "فتح"، إنهاء مهمة إضافية للسفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبّور نائبا للمشرف العام على الساحة الفلسطينية في لبنان، بمنزلة كشّاف أضاء على أزمة تتفاعل داخل الحركة في لبنان، بفعل اعتراض واسع على إجراءات وتدابير تنظيمية جديدة بوشرت وأفضت إلى إقالات وتغييرات عميقة.

كان الأمر ليبدو قضية عادية تختص بفصيل قرّر لأسباب معينة أن يجري ورشة تبديلات تنظيمية، لو لم تكن الخطوة في زمانها فتحا لأبواب موصدة على أزمة تتفاعل منذ زمن داخل الفصيل الفلسطيني الأعرق.

وأبلغ قيادي فلسطيني إلى "النهار" أن القضية تبدو في الشكل اعتراضا على قرارات تنظيمية اتخذها عباس وترمي في الظاهر إلى فصل الشؤون الديبلوماسية عن تلك التنظيمية العائدة إلى الحركة، وهو ما تجلى في قرار كفّ يد السفير دبّور عن مسؤوليته التنظيمية كجزء من عملية تغيير في الهيكيلة الهرمية للحركة في الساحة اللبنانية، وما يرتبط بها من مؤسسات ولجان، لكن هذه الخطوة فجرت أزمة كامنة في الداخل الحركي، بعدما ولّدت حال اعتراض عند قسم من كوادر الحركة وقاعدتها، وهو اعتراض خرج من الأطر التنظيمية الضيقة إلى الأضواء.

جذور التوتر تعود إلى نحو عامين مضيا، وتحديدا عندما وصل إلى بيروت من رام الله فجأة رئيس أجهزة الأمن الفلسطينية العميد ماجد فرج، وبعيد أيام قليلة على مغادرته انفتحت أبواب اشتباك عسكري بين عناصر من حركة "فتح" وآخرين ينتمون إلى مجموعات متشددة سبق أن نمت من خارج الفصائل التقليدية المعروفة التي تعود نشأتها إلى مرحلة ما بعد هزيمة حزيران 1967.

وفي خضم تلك الاشتباكات التي وضعت المخيم كله فوق صفيح ساخن، بدت "فتح" عاجزة عن حسم الوضع الميداني في المخيم وتلقت ضربات موجعة.

لذا وجدت نفسها أمام مهمة شاقة عنوانها إعادة تجديد نفسها وتفعيل دورها عبر تغييرات وإجراءات تنظيمية ضرورية وعاجلة. وبالفعل بدأت الحركة بإنفاذ توجهها هذا، لكن عملية "طوفان الأقصى" النوعية التي نفذتها "حماس" في غزة وما تلاها من تطورات دراماتيكية، جمّدت العملية، إلى أن أتى الرئيس الفلسطيني محمود عباس زائرا إلى بيروت قبيل أسابيع.

وكما صار معلوما، تحولت تلك الزيارة إلى حدث استثنائي بفعل أمرين:

الأول أنه أعطى السلطة اللبنانية الضوء الأخضر لتشرع في تنفيذ قرار اتخذته بنزع سلاح المخيمات، توازيا مع نزع كل السلاح غير الشرعي.

الثاني عندما ألف لجنة "فتحاوية" أوكل إليها مهمة الإشراف التام على الساحة الفلسطينية في لبنان وأعطاها سلطة اتخاذ أي قرار تراه مناسبا لإعادة تفعيل دور الحركة واسترداد مكانتها المفقودة، من دون العودة إلى المؤسسات الهرمية وفق الآليات المعهودة.

وعلى ما صار معروفا، فإن السلطة عادت وتراجعت عن قرارها تغطية عملية نزع سلاح المخيمات، ولا سيما بعدما أبلغ موفدها إلى بيروت عزام الأحمد السلطات اللبنانية ضرورة تأجيل إنفاذ القرار "لأننا استعجلنا"، وهو أمر نزلت عنده هذه السلطات وأرجأت تنفيذ القرار الذي كان مرتّبا مبدئيا في 15 حزيران الماضي.

وتتقاطع المؤشرات المستقاة من أكثر من جهة فلسطينية، على أن ثمة اعتراضات لا يُستهان بها من داخل "فتح" على ورشة التغيير والتبديل المطلوبة تلك، والتي كانت بدايتها إطاحة "رؤوس كبيرة" معروفة. وحجة المعترضين أن القرارات تصدر من جهة غير ذات صلاحية.

ويبقى السؤال: إلامَ تفضي حركة "الاعتراض" المتنامية هذه؟

إلى أحد أمرين لا ثالث لهما:

- إما خروج إضافي من التنظيم المنهك على غرار ما حصل سابقا.

- وإما أن تعيد سلطة رام الله النظر في قراراتها تلك.

وفي الحالين الأزمة واقعة.