أنهى حياته بمسدس داخل الكنيسة... حادثة الكاهن جورج حوش تثير الجدل في سوريا

شهدت مدينة اللاذقية السورية، مساء الأربعاء، حادثة لم يسبق وأن حصلت في "تاريخ المسيحية المشرقية"، وفق خبراء، حيث أعلنت وزارة الداخلية التابعة للنظام السوري عن "انتحار الكاهن جورج رفيق حوش، بإطلاق النار على نفسه في كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذوكس".

 

وقالت الوزارة في بيان إن "حوش أطلق النار على نفسه من مسدسه الخاص، بسبب ضغوطات نفسية واجتماعية"، في رواية شكك بها أكاديميون وباحثون تحدث إليهم موقع "الحرة"، معتبرين أن ما حصل "جريمة قتل وليس انتحارا"، وكذلك "رسالة ترهيب".

وأثارت هذه الحادثة منذ الإعلان عنها، في الساعات الماضية، الكثير من الغرابةوالتساؤلات، فيما أصدرت "أبرشية اللاذقية وتوابعها للروم الأرثوذكس" بيانا جاء فيه أن "الخوري جورج رفيق حوش أنهى حياته بإطلاق النار على نفسه داخل كاتدرائية القديس جاورجيوس".

 

وأضافت "الأبرشية" في البيان: "قد أتى هذا التصرف المستغرب، نتيجة ضغوطات نفسية واجتماعية متراكمة".

 

وكان "الأب جورج" في قرية حلوز بريف إدلب الغربي، قبل أن ينتقل منها إلى مدينة اللاذقية، في أثناء المعارك التي أفضت إلى انسحاب قوات النظام السوري من تلك المنطقة.

"غموض وترويع"

وتعد كاتدرائية "القديس جاورجيوس" من أقدم وأكبر الكنائس لطائفة الروم الأرثوذكس في مدينة اللاذقية، ووفق الإعلامي السوري، أيمن عبد النور فإن "الخوري كان قد أوقفت خدمته بما يشبه تقاعده قبل 8 أشهر تقريبا".

وبينما يقول عبد النور لموقع "الحرة" إن "الأمور المتعلقة بالحادثة غير واضحة" حتى الآن، تعتقد الباحثة والأكاديمية السورية، الدكتورة سميرة مبيض أن "الترويج لرواية إطلاق الأب جورج الرصاص على نفسه هو ساذج يتبنى أكاديب النظام، والتي تكررت عند اغتيالات عديدة قام بها".

 

وتتابع مبيض في حديث لموقع "الحرة": "كيف بالأحرى إذا كان اغتيال رجل دين مسيحي والنظام يدّعي حماية المسيحيين، وبالأخص لوقوعها في اللاذقية وضمن حرم الهيكل، أي لا يمكن حصولها بشكل اعتباطي".

 

وتضيف الأكاديمية السورية: "هي ترتبط بجهة أمنية ولها هدف واضح، وهو ترويع المسيحيين في المنطقة وتهجيرهم أو دفعهم لليأس والتوجّس".

و"يؤكد ذلك كيفية إخراج المشهد الإجرامي الذي يحاكي مشاهد عديدة قام بها النظام في أحياء وبلدات مسيحية بالتواطؤ مع التنظيمات الإرهابية للتنكيل بالمسيحيين وترهيبهم باستمرار"، بحسب ذات المتحدثة.

 

وكان بيان "الداخلية السورية" قد ذكر أنه وبعد إرسال دورية من "فرع الأمن الجنائي" إلى الكاتدرائية "شوهد الخوري جورج حوش جالسا على كرسي، ومصابا بطلق ناري في الصدر والمسدس ملقى على الأرض بجواره".

 

وأضاف البيان أن "هيئة الكشف الطبي والقضائي حضرت بعد ذلك، وتبيّن أن سبب الوفاة صدمة رضية نازفة تالية لطلق ناري نافذ بالصدر باتجاه الظهر".

 

وهذه التفاصيل تفاعل معها مستخدمون سوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالتشكيك.

 

وكتب جورج أنطون عبر "فيس بوك": "قضية (انتحار) الأب جورج حوش غريبة جدا، وقد تكون السابقة الوحيدة في التاريخ أن يقوم رجل دين بقتل نفسه".

 

وأضاف أنطون الخميس: "الغريب بالقصة أيضا أن رجل دين يملك مسدسا. رجل دين يدخل الكنيسة وبحوزته مسدس. من المتعارف عليه أن من ينتحر يطلق الرصاصة على رأسه وليس في صدره. من يريد الانتحار ينتحر في بيته وليس في الكنيسة".

 

وتابع: "من أكبر المعاصي في جميع الديانات ومنها الديانة المسيحية للشخص العادي هو الانتحار فلا يصلى عليه ولا يُدخل جثمانه من باب المقبرة، فكيف لرجل دين عرف بطيبته وإيمانه ومساعدته للجميع أن يرتكب هذه المعصية الكبرى!".

من جهته قال سليمان يوسف وهو باحث وناشط آشوري سوري مهتم بقضايا الأقليات وحقوق الإنسان إن "ثمة شكوكا وتساؤلات كثيرة تطرح نفسها حول حقيقة انتحاره أم هناك جريمة قتل؟".

 

وأوضح يوسف: "لم يحصل في تاريخ المسيحية المشرقية أن كاهنا انتحر داخل هيكل الكنيسة وأثناء الصلاة".

 

"رسالة ترهيب للمسيحيين"

في مطلع يناير عام 2020 نشر موقع "المسيحيون بوست" الأميركي مقالا تحت عنوان "مسيحيو سوريا يواجهون تهديدات بفعل رئيسها".

 

وفي أحد عناوينه الفرعية "الممارسة الحرة للدين مقيدة" أشار المقال إلى انتهاكات النظام السوري بحق رجال دين مسيحيين، منها التحكم بزعماء الكنائس والتسلل إليهم عبر جواسيس، لمنع خروج معارضين في الوسط المسيحي، معتمدا نموذج "الترهيب".

 

وحول الانتهاكات بحق مسيحيي سوريا، وثق المقال اختفاء عدد من رجال الدين المسيحيين منهم الأسقف السرياني الأرثوذكسي، يوحنا إبراهيم، والأسقف الأرثوذكسي اليوناني، بولس يازجي، واللذين تم اختطافهما في حلب عام 2013، بعد أيام من انتقادهما مطران مؤيد للنظام السوري.

 

ويتقاطع ذلك ما سبق مع حديث الأكاديمية السورية، سميرة مبيض والتي اعتبرت أن "المسيحيون يشكلون اليوم العقبة الأكبر لتحويل سوريا لمناطق متناحرة وفق أسس طائفية وقومية تؤدي لاندثار سوريا بشكل كامل، ولترسيخ تقاسمها بين قوى استبدادية وقوى أمر واقع".

 

وتضيف مبيض: "ذلك من منطلق كونهم متواجدين في جميع المناطق السورية دون استثناء، ومن جميع القوميات والثقافات والبنى المجتمعية، وارتباطهم بجميع الحقبات التاريخية المؤسسة لسوريا. لذلك يشكلون تهديدا لمشروع المنظومة الحالية، نظاما ومعارضة، بالاستمرارية".

 

ولا ترى الأكاديمية السورية أن مواقف "الأب جورج" السياسية هي "جوهر الحديث".

 

وتلك النقطة كانت قد تطرق إليها سوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في إشارة منهم إلى حالة التأييد للنظام السوري، والتي كان عليها المذكور.

 

وتابعت مبيض: "إن قتلة واستعراض جثمانه بهذه الطريقة المُهينة، ومن ثم الترويج لكذبة الانتحار هي رسالة ترهيب للسوريين المسيحيين، وتدل بوضوح على انعدام أمنهم في ظل المنظومة الحالية القائمة على تبني الفتنة والعنف المسلح بين السوريين".

 

"رسالة موجعة"

وتقع سوريا في المرتبة قبل الأخيرة (162 من أصل 163) على مؤشر السلام العالمي، الذي تصدره "Vision Of Humanity".

 

وفي فبراير الماضي كان المدير العام لـ"الهيئة العامة للطب الشرعي"، زاهر حجو قد أعلن أن المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام السوري شهدت 13 حالة انتحار في شهر يناير الماضي، 10 حالات منها لذكور، وثلاثة لنساء.

 

وترتبط جميع هذه الحالات بمواطنين عاديين، لكن "كيف يمكن أن يكون من بينها رجال دين؟" إن صحت رواية "الداخلية السورية" المتعلقة بـ"الأب جورج".

 

وكتبت الطبيبة والأديبة السورية هيفاء بيطار "عبر فيس بوك": "الخوري كان لطيفا ومتواضعا لكنه متزوج ولديه أولاد. ربما هو عاجز عن تأمين حاجات أولاده. ربما يتعرض لضغوطات لا تتناسب مع أفكاره. ربما صار عنده انفصام في الشخصية بين كونه رجل دين الذي يمثل المسيح على الأرض، وبين مجتمع ينغل فيه الفساد والرشاوي والقهر وشعب الطابور والتعتير والفقر"، معتبرةً أن "انتحار كاهن في الكنيسة وبوجود الناس رسالة موجعة جدا. رسالة كأنه يعلن استسلامه لليأس، وأنه لم يعد يؤمن بالخلاص".