المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الجمعة 17 تشرين الأول 2025 07:29:10
أثار التوصل إلى اتفاق لوقف النار في غزة، والذي وضعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحت عنوان عريض هو "الشرق الأوسط الجديد"، شعورا إيجابيا في لبنان كما في المنطقة بوجود فرصةٍ للبناء على هذا الاتفاق على نحو ينتقل سريعا إلى لبنان محطة ثانية من ضمن الخطة الأميركية لتعزيز الاستقرار في المنطقة. وثمة تفاؤل كبير لدى البعض في هذا الاتجاه، مبني على المعطى الجديد على رغم الحذر البديهي، في انتظار رؤية مسار استكمال الخطوات الأولى والمراحل التدريجية لها، ولكنه مبني أيضا على تطور لم يأخذ حقه أو حجمه من الاهتمام اللبناني، على أهميته القصوى وأولويته بالنسبة إلى لبنان. وهذا التطور يتصل بالخط الذي يتوسع مع سوريا الجديدة وزيارة وفد سوري برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني وما وضع على النار لحل الإشكاليات والمسائل العالقة بين البلدين.
فمع أن النظام السوري الجديد يتبع نهج تصفير المشاكل ولاسيما مع جيرانه، لا يمكن إهمال الرعاية السعودية له والدفع الإيجابي في هذا الإطار لردم الصدع التاريخي مع لبنان، ولا الدفع الأميركي، لاسيما في اتجاه تنظيم العلاقة بين النظام السوري والتقدم المحرز في سوريا بين "قوات سوريا الديموقراطية" ودمشق، كجزء من توجه أوسع لتوحيد سوريا.
ويرى كثر أن المهمة التي أوليت إلى نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري في تنظيم العلاقة مع سوريا، أمر يكتسب أهمية. ولكن المغزى أن هناك أيضاً خطوات مهمة تُتخذ على خط العلاقات مع سوريا نحو الاستقرار، على نحو يفوق ما هو منتظر من التفاوض مع إسرائيل، رغم أهميته، ولاسيما أنه يترجم الدفع الإقليمي الجاري في هذا الاتجاه والذي قد يفوت البعض في حمأة المخاوف والتجارب المريرة السابقة.
واقع الأمر أن لبنان واقع بين نقيضين في اتجاه البناء على اتفاق غزة. ولا ينفي التفاؤل لدى البعض وجود اتجاه أقل تفاؤلا، مبني في شكل خاص على "الممانعة" الداخلية التي ينظمها "حزب الله" تحديا لقرار الدولة حصر السلاح في يد الجيش اللبناني، وعلى محاولة إيران تعزيز تدخلها في لبنان أكثر فأكثر بعدما ضعف الحزب، بحيث يُتوقع أن تتشدد أكثر إزاء تسليم الحزب سلاحه، ولا سيما بعد خسارتها ورقة "حماس" في غزة، وقد عادت الحركة إلى الحضن العربي الإقليمي بعيدا من إيران، وهو ما قد يزيد التعقيدات الداخلية في لبنان ويلجم قدرة الدولة على تنفيذ أجندتها بالسرعة المطلوبة.
وقد أكد الرئيس الأميركي تكرارا في خطابه في الكنيست أن "وقف النار في غزة لم يكن ليتحقق لو لم نقصف منشآت إيران النووية"، ولا يزال الموضوع بالنسبة إلى لبنان بعيدا من هذا المستوى من الوضوح، على رغم اقتناع جهات أجنبية بأنه يتم تعظيم قدرات إيران أكثر بكثير مما هو متوقع. فالحزب ضعف جدا وترامب تحدث عن أن مستشاريه ستيف ويتكوف وجاريد كوشنير سيعتمدان لاحقا للحوار مع إيران التي دعاها تكرارا إلى التفاوض معه.
المنحى التفاؤلي الذي يبني عليه البعض ما بعد غزة، بدا مرتكزا جزئيا على ما أعلنه رئيس الجمهورية العماد جوزف عون من استعداد لبنان للتفاوض مع إسرائيل، إذ لا يعتقد أنها إشارة عابرة، بل معبرة من حيث الرغبة في عدم ترك لبنان جانبا في الاتجاهات الإيجابية التي تذهب إليها المنطقة، ورغبته أو جهوزيته من أجل إنهاء الحرب.
وكان الموفد الأميركي توم براك أعلن صراحة أنه لا يمكن حل الأمور بين لبنان وإسرائيل من دون تفاوض مباشر بين الطرفين، وترك المسائل عالقة في انتظار خلفه الذي يتوقع أن يكون السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى ليتولى ذلك بدلا منه، فيما ينتظر تسلمه مهماته في نهاية الشهر الجاري. هذا التفاوض يقول ديبلوماسيون إنه ممكن بصيغ مختلفة تعدل في طبيعة الوفد الذي يفاوض أمنيا في الناقورة. لكن المنحى التفاؤلي يستند أكثر إلى معطيات سابقة أفادت لدى انطلاق العهد الحالي أن حكومته الأولى هي حكومة تسلم السلاح وضمان حصريته في يد الدولة اللبنانية، بمعنى أن الرهانات لا تزال قوية على إبراز جدية هذا المسار وفاعلية الخطوات التي ستتخذ، قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة.