المصدر: الأخبار
الكاتب: محمد وهبة
الأربعاء 13 أيلول 2023 07:00:20
الرسالة التي يمكن تلقّفها من مشروع موازنة 2024 والنقاشات التي تدور حولها في مجلس الوزراء، هو أن كل الإشكاليات الأساسية ستبقى على حالها لفترة غير معلومة الأجل، وستطغى عليها أولوية زيادة إيرادات الخزينة من خلال زيادة الرسوم والضرائب. لذا، لن يكون هناك أي تعديل في السياسات الضريبية المتّبعة منذ عقود، حتى لو أن هناك ضرورات تفرض تعديلات كهذه مثل الانكماش الاقتصادي الهائل والتضخّم المتواصل. بذلك، يعكس مشروع موازنة 2024، عجز السلطة عن القيام بأي خطوة نحو الأمام وسط تضارب في اتجاهات ومسارات السلطتين النقدية والمالية.
بلغت قيمة الإيرادات الضريبية في مشروع موازنة 2024 نحو 208065 مليار ليرة مقارنة مع 112767 مليار ليرة في مشروع موازنة 2023، أي بزيادة قيمتها 95298 مليار ليرة. وبالتوازي بلغت قيمة الإيرادات غير الضريبية (حاصلات إدارات ومؤسسات عامة/ أملاك الدولة، الرسوم والعائدات الإدارية والمبيعات، غرامات ومصادرات، وإيرادات مختلفة) 50719 مليار ليرة في موازنة 2024 مقارنة مع 34971 مليار ليرة في موازنة 2023. في المجمل بلغت قيمة الزيادة في الإيرادات بين المشروعين نحو 111045 مليار ليرة. وتبيّن أن نحو نصف هذه الزيادة مصدرها الزيادة على الرسوم الداخلية، و20% منها مصدرها الزيادة على ضريبة الأملاك المبنية، و13.7% مصدرها الزيادة اللاحقة بضرائب الداخل.
عملياً، كل هذه الزيادات هي نتيجة تعديلات في قيم الرسوم والضرائب فضلاً عن استحداث ضرائب جديدة. في المقابل، لا يظهر التصنيف الوظيفي للموازنة أي زيادات فعلية على مستوى الأجور وملحقاتها ومعاشات التقاعد والتعويضات والتقديمات الأخرى التي تمنح لموظفي القطاع العام، بل تبيّن أن الزيادة الوحيدة الكبيرة التي لحقت بهؤلاء هي تلك المتعلقة بالتقديمات المدرسية التي زادت من 1408 مليارات ليرة إلى 14112 مليار ليرة، بينما بند الأجور وملحقاتها انخفض من 30486 مليار ليرة إلى 29630 مليار ليرة.
هكذا، لا يظهر وجود للأزمة في مشروع موازنة 2024 وفي المشاريع السابقة، إلا في جانب الإيرادات حيث تتركّز الأولوية على إدارة التدفقات من جيوب الأفراد والمؤسسات إلى الخزينة العامة من دون ضمان إعادة توزيع هذه الموارد وفق رؤية للتعافي والنهوض. فالتركيز على الإيرادات يُعطى الأولوية دائماً بينما الآن نحن في مرحلة أزمة انكماش اقتصادي وتضخم وانهيار في سعر العملة ودولرة نقدية للأسواق. «بهذا المعنى، مشروع موازنة 2024 لا يلبي الحدّ الأدنى، إذ إنه ليس معدّاً للإنقاذ بل هو موازنة أمر واقع تعكس غياب أي سياسة إنقاذية عامة» يقول رئيس المركزي الاستشاري للدراسات عبد الحليم فضل الله.
الزيادات الكبيرة في الإيرادات الناتجة من الرسوم والضرائب لا تضمن إنهاء تعطيل القطاع العام «فمن دون تأمين عودة القطاع العام إلى العمل، تصبح أرقام الإيرادات في مشروع الموازنة كأنها فرضيات لا يمكن ضمان تحقيقها» وفق فضل الله. فإذا كانت هناك أولوية يجب أن تكون لتمويل رواتب القطاع العام «من أجل ضمان تسيير العمل في مختلف إدارات الدولة، سواء الإدارة الضريبية أو الإدارات الخدماتية».