المصدر: الوكالة المركزية
الكاتب: جوانا فرحات
الثلاثاء 29 نيسان 2025 15:45:40
كان يمكن الركون إلى عبارة "حتى اللحظة" للقول بأن الانتخابات البلدية والاختيارية ستنطلق في موعدها المقرر في 4 أيار المقبل من محافظة جبل لبنان. لكن كل المؤشرات السياسية والأمنية وحتى داخل بيت الثنائي الشيعي تؤكد أن لا عودة عن القرار ولا تراجع عن إجراء الإنتخابات البلدية والاختيارية في مواعيدها.
وقد تكون الضربة الإسرائيلية يوم الأحد الماضي على مبنى يضم مخازن أسلحة وصواريخ لحزب الله في منطقة الحدث أثرت سلباً على حماسة بعض الناخبين لا سيما في البلدات والقرى ذات الغالبية الشيعية أو التي تقع ضمن دائرة حزب الله الأمنية، لكنها لم تنعكس على اندفاعة السلطة بعدم تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية على رغم التلويح بالمزيد من الاعتداءات.
حتى دعوات التأجيل لم يعد لها مفعول يذكر مع الدخول في مدار الإنتخابات التي تنطلق أولى جولاتها صباح الأحد المقبل، وهذا ما بدا واضحا بعدما سقط الاقتراح المقدم من النائبين وضاح الصادق ومارك ضو لتأجيل الإنتخابات الى ٣١ تشرين الأول المقبل ، ولم يعد مجدياً الكلام أو التلميح بالتأجيل.
وعلى مستوى الدولة، واضح أن رئيس الجمهورية جوزاف عون يصر على انجاز الاستحقاق كمقدمة تواكب التعيينات وعملية الاصلاح في مؤسسات الدولة ورئيس الحكومة نواف سلام ماضٍ في قراره في شأن الإنتخابات وأصدر نفيا رسميا حول المسألة والأحزاب غير آبهة بمشهدية الضربات الإسرائيلية المفاجئة على مواقع محددة لحزب الله تضم مخازن أسلحة وصواريخ، وهي ترفض إطفاء محركاتها، والثنائي الشيعي المعني أولا وآخرا بمسألة التأجيل بسبب الصعوبات اللوجستية في إجراء الإنتخابات في القرى الجنوبية المدمرة بالكامل وعددها 37 بلدة لا يظهر أي تراجع أو تململ في قرار خوض الإنتخابات.
في المقابل يعتقد كثيرون ان المغامرة باجراء الإنتخابات مهما كان الحدث الأمني كبيرا يعود لأن الوضع البلدي كارثي، ومجمل البلديات الكبرى منحلة، ويعشش فيها الفساد وهذا السبب المنطقي وحده يحفز لخوض معركة الانتخابات البلدية والاختيارية والتي قد تكون مؤشراً للانتخابات النيابية في ربيع 2026.
مصادر مُلِمة بالشأن الانتخابي تؤكد لـ"المركزية" أن ثمة قرارا لدى الثنائي الشيعي بتغليب التزكية في الإنتخابات البلدية والاختيارية وضم العائلات إلى اللوائح ولو على حساب مقاعد المحازبين وهو يصر على عدم حصول المعارك في القرى والبلدات مستفيدا بذلك من التعاطف الشعبي في ظل عدم وجود أي بوادر لإعادة إعمار المنازل المدمرة بالكامل.
الثنائي إذا يريد أن يلعب على الوتر العاطفي والتضامن الشعبي والأمر كان سيرتد سلبا عليه، في ما لو حصلت الانتخابات البلدية والاختيارية في ظل موجة إعادة إعمار وخروج الجيش الإسرائيلي من كل الأراضي اللبنانية.
وانطلاقا من هذه الوضعية تلفت المصادر إلى عدم وجود أي قرار بالتأجيل، لكن اللافت أنه على رغم وفرة المرشحين في الشكل نظرا لغياب أرقام وإحصاءات دقيقة عن عدد المرشحين في آخر جولة انتخابات بلدية، يبدو أن عدد البلديات التي فازت بالتزكية حتى اللحظة وقبل انطلاق الانتخابات بجولاتها الأربعة تخطت المعدل الطبيعي، إذ تم إحصاء فوز 53 بلدية بالتزكية حتى تاريخه في محافظة جبل لبنان وحدها.
وترد المصادر الأسباب إلى عدم وجود حماسة لدى اللبنانيين بالترشح إلى منصب "لإدارة أزمة" في ظل الشح المالي وعدم تخصيص ميزانية للبلديات تتماشى والمتطلبات الإنمائية والمشاريع المقررة لإنجاح مسيرة المجلس البلدي ورئيسه. على أن الصراع القائم اليوم بين السياسة والإنماء ينعكس سلبا على الأداء البلدي سيما وأن عددا كبيرا من البلديات سيتم تقاسم الولاية فيها إنطلاقا من قاعدة التوافق والتحالف الحزبي والسياسي والعائلي"وهذه السياسة ستؤدي إلى إفشال مسيرة العمل البلدي لأنها تضع مشروع الإنماء في الأدراج وتطلق اليد للعمل السياسي. وبالتالي بدل أن تكون الإنتخابات البلدية ساحة لتطوير القرى والمدن وتحسين الخدمات، إذا بها تتحول إلى حلبة لصراع النفوذ السياسي والمصالح الضيقة. وتتحول المنافسة من "أي فريق يحمل خطة تنموية أفضل؟" إلى "من يملك دعماً سياسياً أوسع؟".
أبرز العوامل المؤدية إلى فوز البلديات بالتزكية هي: الهيمنة السياسية والعائلية والضغوط الاجتماعية والسياسية مما يؤدي إلى عزوف المواطنين عن الترشح أو حتى التصويت، وغموض المشهد السياسي حيث يُفضل البعض التوصل إلى "توافق" على لائحة واحدة بالتزكية حفاظًا على الاستقرار المحلي والعلاقات الاجتماعية، وأخيراً قلة الوعي أو الاهتمام العام بالشأن البلدي إذ يحصل أن لا يدرك بعض الناخبين حجم تأثير البلديات على حياتهم اليومية، ما يُضعف الحافز لخوض الانتخابات أو دعم مرشحين بديلين. وفي هذه الحالة، تفوز اللوائح الجاهزة بالتزكية بسبب غياب المبادرة المعارضة أو المنافسة المستقلة.
لكن، وعلى رغم أن التزكية قد تُفهم كمؤشر على "توافق أهلي" أو "هدوء محلي"، إلا أنها غالبًا ما تعكس "جمودًا ديمقراطيًا" وغيابًا في طفرة مرشحين على المقاعد البلدية والإختيارية والأهم أنها تفرغ العملية الانتخابية من مضمونها التنافسي، وتُسقط فرصة حقيقية لاختيار الأفضل أو محاسبة من لا يُؤدي واجبه.
في كثير من القرى، لا تُنتخب البلديات على أساس مشاريع أو برامج، بل على قاعدة "ابن العائلة"، "مرشح الحزب"، أو "الزعيم المحلي"، ويؤدي هذا التسييس للعمل البلدي إلى مجالس منقسمة غير قادرة على اتخاذ قرارات، وصراعات داخلية تؤدي إلى شلل في الخدمات، وإلى توظيفات ومحسوبيات لا تُراعي الحاجة والكفاءة، وإهمال المشاريع الإنمائية التي لا تخدم مصالح الأطراف السياسية، وقد شهدنا حالات متكررة من حلّ مجالس بلدية نتيجة الانقسامات أو الفشل في تنفيذ أبسط الخطط، تختم المصادر.