الانهيار اللبناني الكبير: جيش فقير وجنود يفرون

كتب مروان شلالا في ايلاف: الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبناني هي من أكثر المؤسسات الأمنية تضررًا من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان وانهيار عملته، إذ يفرّ الجنود من الخدمة، ليبحثوا عن وظائف بدوام جزئي.

عمر جندي لبناني (35 عامًا) لا يخرج كثيرًا. باستخدام اسم مستعار لأنه غير مخول بالتحدث إلى الصحافة، قال إنه لم يعد قادرًا على تحمل نمط الحياة الذي اعتاد عليه. بسبب الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية، انخفض راتب عمر الشهري من 1300 دولار (قيمته قبل ثلاث سنوات) إلى 75 دولارًا فقط. قال لـموقع "المونيتور": "انظر إلى الفارق.. الآن لا شيء".

استنزفت خزائن الدولة اللبنانية، ويعاني أغلبية السكان من الفقر حيث يعاني البلد من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. فقدت الليرة أكثر من 98 في المئة من قيمتها خلال السنوات الثلاث الماضية. وخرجت العملة عن السيطرة في الأسابيع الأخيرة، ووصلت إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 81 ألف ليرة للدولار، ما يقرب من الضعف من 42500 ليرة للدولار في بداية يناير الماضي.

بعض أولئك الذين تضرروا بشدة من تراجع قيمة العملة يعملون في الخدمة العامة، بمن فيهم جنود لبنان وضباط الشرطة. قبل ثلاث سنوات، كان عمر قادرًا على توفير المال، وهذا صار متعذرًا اليوم. لا يملك المال للزواج وبناء أسرة، ويميل إلى البقاء في المنزل. مضيفًا: "لا يمكنني اليوم تحمل تكلفة الغاز اللازم لفنجان قهوة". 

تركوا الجيش لفرص أفضل
قال سامي نادر، مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية، لـ "المونيتور": "راتب الجندي قليل جدًا". إنه يثير بعض الأسئلة المهمة للغاية حول قدرة الجيش اللبناني على الاستمرار. وأشار نادر إلى "موجات" من الجنود تركوا الجيش بحثًا عن فرص أفضل. أفادت تقارير صادرة عن صحيفة "لوريان لوجور'' اللبنانية في أكتوبر 2021 أن الآلاف فروا من الجيش بسبب تدني الأجور، وكذلك فرّ المئات من قوى الأمن الداخلي. ولجأ آخرون من أفراد الأمن اللبناني إلى الانتساب إلى وظائف جانبية، مع غض الجيش نظره عن هذه الممارسة غير القانونية من الناحية الفنية.

قال نادر إن هذا "مقلق" لأنه يعرض أداء الجندي للخطر. وقد ناشد الجيش، الذي وقف طويلا على قدميه بفضل المانحين السخاء، المجتمع الدولي عدة مرات لتقديم مساعدات نقدية لتعزيز رواتب 80 ألف جندي. في يونيو 2022، أعلنت قطر عن حزمة مساعدات بقيمة 60 مليون دولار للجيش اللبناني، مقدمة 100 دولار إضافية لكل جندي شهريًا. كما أعلنت الولايات المتحدة في الشهر الماضي عن حزمة مساعدات مماثلة للجيش اللبناني بقيمة 72 مليون دولار، سترفع أيضًا رواتب الجنود الشهرية بمقدار 100 دولار.

لكن عمر قال إنهم لم يتلقوا المساعدة الأميركية بعد. وعلى الرغم من أن التبرع القطري كان مفيدًا، إلا أنه لا يزال يكافح من أجل تأمين تكاليف الضروريات الأساسية. مع ارتفاع الأسعار وانخفاض الليرة، قال إنه يدفع 100 دولار شهريًا للإيجار والمرافق.

قال قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون في مؤتمر صحفي للإعلان عن حزمة المساعدات الأميركية الشهر الماضي إن الأزمة التي يواجهها الجنود قد تكون الأسوأ. أضاف: "الأزمة الحالية قد تكون أخطر ما يواجهه الجيش اللبناني حتى الآن".

لقد "أثرت الأزمة على أداء" أفراد الأمن، قائد قوى الأمن الجداخلي اللواء عماد عثمان في المؤتمر نفسه.

الأقل تكلفة
في هذه الأثناء، مع بلوغ إضراب البنوك اللبنانية "المفتوح" الأسبوع الثالث، اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء لبنان ما زاد الضغط على قوات الأمن في البلاد ذات الرواتب المتدنية. وفي الأسبوع الماضي، أضرمت النيران في ستة بنوك على الأقل في بيروت، وفي أجزاء أخرى من البلاد تعرضت البنوك للنهب وأغلق المودعون الغاضبون الطرق. ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجيش اقتحم مدينة صيدا جنوب لبنان كإجراء "استباقي".

قال عمر إن العديد من الجنود الذين يُطلب منهم العمل خارج مسقط رأسهم يختارون الخيار الأقل تكلفة للعيش في قواعدهم العسكرية عدة أيام في كل مرة بدلاً من استئجار شقق. وأضاف أنه مع تآكل أموال الجيش ساءت الأوضاع في القواعد، مشيرا إلى أن معسكر القاعدة نادرا ما يقدم وجبات من اللحوم أو الدجاج والحصص محدودة. قال عمر: "نحن منهكون جسديا وعقليا".

لكنه قرر البقاء مع الجيش، بشرط أن يتبقى أمامه أربع سنوات فقط حتى يحصل على معاشه التقاعدي الموعود. قال إنه يأمل بحلول ذلك الوقت أن يكون راتبه أكثر قيمة وبعد ذلك قد يكون قادرًا على البدء في التفكير في الزواج وبناء أسرة.

لكن في بعض الأحيان، كما قال، يتلاشى أمله ويسيطر عليه الخوف: "أخشى أن أتقدم في السن ولا أتمكن من تحمل نفقات حياتي".