البحر مقبرة المهاجرين.. 59 قارباً في سنة إلى مصير مجهول

عامٌ تلو آخر، تتكرس مظلومية المهاجرين على متن "قوارب الموت" في البحر المتوسط نحو أوروبا، بعدما بات مصيرهم معلقًا بين فكيّ شبكات التهريب والاتجار بالبشر، وبين حكومة بلادهم والدول الأوروبية، التي تمعن بانتهاك القوانين الدولية لجهة حمايتهم وإنقاذهم وتكريس السياسات الطاردة لهم. ومع اقتراب "اليوم العالمي للموتى والمفقودين والمخفيين قسرًا في البحر وعلى الحدود"، في 6 شباط، وهو مناسبة بادرت إلى تنظيمها بعض المنظمات الأهلية والحقوقية، يتقدم السؤال حول ما ستؤول إليه قضية عشرات آلاف اللاجئين والمهاجرين الذين إما غرقوا في البحر وإما فُقدوا وإما ينتظرون مصيرهم المجهول على الحدود وداخل الدول الأوروبية.

لا رواية رسمية

في لبنان، وبعدما تحول شاطئه في الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى أحد أبرز منصات الهجرة غير النظامية، وتحديدًا للمهاجرين السوريين، بفعل تشابك الهجرة برًا وبحرًا بين لبنان وسوريا، ما زال مصير عشرات المهاجرين مجهولًا، إضافة إلى غياب العدالة في قضية غرق وفقدان القوارب.

وآخر قضايا المهاجرين إثارة، تجسدت بفقدان قارب انطلق من شاطئ طرابلس متجهًا إلى قبرص وعلى متنه نحو 85 مهاجرًا سوريًا، انطلق يوم 12 كانون الأول 2023، لكن أهالي اللاجئين فقدوا الاتصال بهم من اليوم التالي، وما زال مصيرهم مجهولًا حتى اليوم، مع ترجيح فرضية الغرق بعد توافر معطيات حول العثور على نحو 17 جثة بين طرطوس وشمال تركيا.

وحتى الآن، وبعد قرابة شهرين، لم تصدر أي رواية رسمية حول مصير هذا القارب وركابه، فيما تعيش عائلاتهم أسوأ اللحظات بفعل تجاهل قضيتهم من جهة، وتلاعب المهربين الذين نظموا هذه الرحلة بهم من جهة أخرى.

 

البحر مقبرة المهاجرين

وفي مناسبة اليوم العالمي للموتى والمفقودين والمخفيين قسرًا في البحر وعلى الحدود، يستذكر كثيرون مأساة القارب المنسي، الذي غرق في 23 نيسان 2022، قبالة شواطئ طرابلس، وسقط فيه أكثر من أربعين مهاجرًا بينهم نساء وأطفال، لبنانيين وسوريين وفلسطينيين. وتجسد قصة هذا القارب معنى غياب العدالة والافلات من المحاسبة والعقاب، بعدما فشلت غواصة هندية من انتشاله، وبقي غارقًا بعمق 450 مترًا في قعر البحر، ودفن معه حقيقة غرقه بعد مطاردته من خفر السواحل التابع للجيش اللبناني.

كذلك نستذكر مأساة غرق قارب قبالة ساحل طرطوس، في أيلول 2022، وكان على متنه 150 مهاجرًا لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، وذهب ضحيته ما لا يقل عن 80 مهاجرًا، من دون محاسبة من تسبب بهذه الجريمة، التي جسدت تكثيفًا إضافيًا لاتساع رقعة الاتجار بالبشر من قبل شبكات المهربين.

وإذا كان لبنان عاجزًا، قضائيًا وأمنيًا، عن ملاحقة ومحاسبة كبار المهربين الناشطين بين لبنان وسوريا، بسبب تباطؤ الملاحقات وضعف الأحكام القضائية، تشير معطيات "المدن"، إلى نشاط المهربين يتعدى قضية جني الأرباح من رحلات الهجرة، إلى قضايا مرتبطة بالاتجار بالأسلحة والمخدرات والكثير من الأعمال غير المشروعة.

وكانت مفوضية اللاجئين قد رصدت في عام 2023 وحتى 28 كانون الأول، مغادرة 59 قاربًا من لبنان، يحمل نحو 3528 راكبًا. وكان من بين هؤلاء 3298 سوريًا، و76 لبنانياً، و5 فلسطينيين. أي أن نحو 93% من المهاجرين من لبنان يحملون الجنسية السورية، فيما لا تعكس هذه الأرقام حقيقة من هاجروا نحو أوروبا من دون رصدهم، وهم بالآلاف.

وبانتظار الكشف عن مصير المهاجرين في القارب المفقود منذ 12 كانون الأول الفائت، يبدو أن هذه الظاهرة مرشحة للتصاعد مع تفاقم الأزمات الداخلية والإقليمية، وطالما أن شبكات التهريب تنشط بين لبنان وسوريا بحرية مطلقة، لتطرح الكثير من علامات الاستفهام حول المسؤوليات الأمنية بين البلدين.