التسمم الغذائي في لبنان... حالات كثيرة والخطر على عتبة كل منزل

انطلق الموسم السياحي وانطلقت معه حالات التسمّم، لتتوزّع على المناطق اللبنانية كافة، فأصبح هناك حالات كثيرة تسجّل يومياً من دون رقابة ولا محاسبة.

إسهال، تقيؤ، حرارة مرتفعة، ودخول الى المستشفيات أحياناً بعد فشل المعالجة المنزلية.

خلال أزمة انقطاع التيار الكهربائي وتقنين المولدات الخاصة، كانت الحجج مقنعة نوعاً ما، وأما ما نشهده اليوم فخرج عن السيطرة والمعقول في ظل ما نسمعه من تزوير لتاريخ انتهاء الصلاحية، وعدم حفظ المأكولات في أماكن مؤهّلة للحماية من الجراثيم والتعفّن، ناهيك عن الرقابة شبه الغائبة من المعنيين.

 

طبيب الأطفال في مستشفى أوتيل ديو الدكتور برنارد جرباقة، أكّد في حديث خاص لـkataeb.org، أننا نشهد ارتفاعاً في حالات التسمم الغذائي في لبنان، لتطال وبشكل خاص الفئات المستضعفة صحياً، كالأطفال الرّضع والمسنين وأصحاب المناعة الضعيفة والأمراض السرطانية والمعوية، بالإضافة الى الحوامل اللواتي هن أكثر عرضة للتسمّم والى دخول المستشفيات.

وأشار جرباقة الى ان انهيار النظام الصحي في لبنان، المتعلّق بالحوكمة ان لناحية المركزية الإدراية أو البلديات، أثّر بشكل مباشر على هذه الظاهرة، لعدم وجود الرقابة الكافية التي تمنع خلط مياه الشرب مع مياه الصرف الصحي، بالإضافة الى غياب المتابعة التي تُلزم المواطنين بتطهير الخضار والفاكهة، وتعقيم المياه التي تستعمل لري المزروعات والشرب.

واعتبر أن الارتفاع في الحرارة الذي نشهده اليوم والنابع عن ظاهرة التغيّر المناخي، يساهم في تطوّر أنواع الميكروبات وانتشارها بشكل أسرع، لافتاً الى أن هناك 3 أنواع منها:

  • الفيروسات (الروتا مثلاً)
  • البكتيريا (salmonella، shigella، Coli...)
  • Parasite (giardia، …Dysentery)

ورداً على سؤال حول ما أشيع عن تعرّض بعض السياح القادمين من الخارج الى لبنان لتمضية عطلة صيفية للتسمّم في أحد المطاعم، كشف جرباقة أن هؤلاء هم أكثر عرضة كون الميكروبات الموجودة في أميركا او أوروبا تختلف تماماً عن تلك الموجودة في لبنان وبعض دول الشرق الأوسط.

وعن نسبة الدخول الى المستشفيات، كشف جرباقة أن هناك ارتفاعاً بالحالات التي تحتاج الى عناية طبية من داخل المستشفى ومتابعة من الأطباء المختصين، خاصة الشرائح المستضعفة صحياً التي سبق وذكرناها أعلاه، لما في ذلك من خطورة على صحتهم في حال تعرّضوا لحرارة مرتفعة أو إسهال قوي ينتج عنه جفاف الماء من الجسم.

الفرق بين "التشويبة" والتسمم الغذائي

وعن سؤال حول كيفية التفرقة بين عوارض "التشويبة" والتسمم الغذائي، لفت جرباقة الى أن "التشويبة" او ما يعرف بضربة الشمس هو مصطلح غير متعارف عليه طبياً، وهو غير موجود فعلياً، فالعوارض كلها تصبّ في خانة التسمم الفردي أو الجماعي.

وشدّد على أهمية تزويد الأطفال باللقاحات اللازمة لتعزيز المناعة لديهم، لافتاً الى انه وفي حال الإصابة تكون العوارض خفيفة وغير مؤذية للجسم والمناعة، مطالباً الأهالي بتفعيل الرقابة الذاتية التي تبدأ من خلال الإنتباه لعدم تعرّض أطفالهم الى أشعة الشمس القوية، وتمرّ بتفادي التوجه الى وجبات الطعام السريع من دون معرفة المصدر وكيفية التحضير والتخزين، لتنتهي بتعقيم الأدوات المستخدمة في عملية طهي الطعام المنزلي لتفادي انتقال الجراثيم بين المأكولات.

وناشد جرباقة الحكومة اللبنانية تفعيل خطة صحيّة شاملة، والنقابات التي تعنى بالقطاع السياحي تشديد الرقابة في المطاعم والمسابح والمنتجعات السياحية، احتراماً منهم للسياح القادمين من بلاد الخارج، وحفاظاً على صحتهم وصحة المواطن اللبناني، لما في ذلك من ضمان لإستمرارية الحركة السياحية في لبنان والتي تساهم بدورها في تحريك العجلة الإقتصادية في زمن نحن بأكثر الحاجة اليها.

 

أهمية المتابعة الغذائية

بعد الشرح الطبي لهذه الظاهرة، كان من الضروري تسليط الضوء على أهمية المتابعة الغذائية، ان بهدف الوقاية والحماية لعدم التعرّض للتسمم، أو وان حصل لاعتماد نظام غذائي معيّن في مرحلة التماثل للشفاء.

اختصاصية التغذية مارينا العموري، شدّدت في حديث خاص لموقعنا على أهمية النظافة والتي تبدأ من المنازل قبل الانتقال الى المطاعم.

وقالت: "من الضروري غسل اليدين قبل تقديم الطعام، تعقيم الأدوات المستخدمة في عملية طهي الأطعمة، تطهير الأماكن المخصصة للأكل، وعدم استخدام السكاكين والمعدات نفسها لتقطيع اللحوم والدجاج النيئة مع المأكولات المطبوخة والمشوية، وتطبيق الأمر عينه مع الخضار والفواكه المعقمة وغير المعقّمة، تفادياً لإنتقال الميكروبات بين المأكولات".

وشدّدت العموري على أهمية تخزين المأكولات في أماكن صالحة ومؤهلة، والانتباه الى تاريخ الصلاحية قبل تناولها في المنازل.

وأما في المطاعم، وبحسب العموري، فعلينا التأكد من مصدر اللحوم والدجاج والخضار التي تقدّم، وكيفية تخزينها، وعدم القبول بأي وجبة مشكك بأمرها ان لناحية الطهو الجيّد او حتى التعقيم.

وتطرّقت العموري الى شقّ أهمية المتابعة الغذائية بعد النكسة الصحية في حال التعرّض لتسمم غذائي معيّن، لافتة الى أن هذه المتابعة تكون بالتنسيق مع الطبيب المتخصص بأمراض الجهاز الهضمي (Gastroenterologist) والذي عاين المريض خلال فترة المرض، وتكون من خلال تزويد المريض بالسوائل المفيدة والتي تعوّض عمّا خسره الجسم (كالمياه، اللبن، الخضار والفواكه، والمصل..) مع الابتعاد عن كل أنواع الأطعمة التي تزيد نسبة الحساسية والأوجاع في المعدة.

 

بناءً على كل ما تقدّم، يبقى المواطن اللبناني هو المدافع الأول والأخير عن صحّته في بلد يفتقد لأبسط معايير السلامة الصحية.

فبعد اهتزاز الأمن الاجتماعي، الاقتصادي، المالي.. من دون رادع أو رقيب أو حتى محاسبة، جاء دور الأمن الصحي ليدقّ الخطر بابه، وبات اللبناني المسؤول الوحيد عن سلامة غذائه وصحته.