المصدر: نداء الوطن
الكاتب: عباس هدلا
الأربعاء 23 تموز 2025 07:13:18
كما كل عام، يترافق إحياء «حزب الله» لمراسم عاشوراء مع إعلانه عن عنوان يوسم على كل المناسبات والإصدارات خلال فترة إحياء هذه المراسم، وكان عنوان هذه السنة «ما تركناك يا حسين».
وفي كل عام يترافق الإحياء مع إصدار العديد من المنشورات والعناوين والمفاهيم التي يتم الترويج لها في أيام عاشوراء، حيث العقول والقلوب متقبّلة ومتحفّزة لاستقبال كل فكرة ورؤية ومفهوم ومستعدة لتشبّعها وتبنيها والسير بها دون نقاش أو سؤال، فقد عمل مشروع تصدير الثورة الإسلامية منذ بداياته على ترسيخ مفهوم أساسي جسّده في أدبياته وثقافته ومستمد من نهج «ولاية الفقيه المطلقة» بإطاعة ولي الفقيه و«أولي الأمر» وعدم المجادلة كي لا تدخل في المحظور، وتحت عنوان «معرفة الدين الحق» و «الجهاد في سبيل الله»، كان ترسيخ مفاهيم الطاعة والتلقين وعدم المجادلة تتم رويداً رويداً، إلى أن أضحت نهجاً وثقافة، يجسدها مفهوم «إطاعة الولي الفقيه المسدد بعين صاحب الزمان (الإمام المهدي)» و« التكليف الشرعي».
وكما هو متبع في كل أطر ومؤسسات «حزب الله» كان هناك من يتولى متابعة العمل الثقافي والفكري والفني تحت العباءة الدينية وهي «جمعية المعارف الإسلامية» التي أنشئت مع نهاية القرن العشرين كإطار جامع وموحّد لكل المؤسسات الثقافية المتعلقة بـ «حزب الله» ومشروع تصدير الثورة الإسلامية، والعاملة على الترويج لنهج ومفاهيم وإيديولوجيا وأدبيات هذه الجماعة وتلقينها للبيئة وللمؤيدين والموردين.
لمحة تاريخية
بحسب كتاب «الشيعة في لبنان طقوساً ومجتمعاً وثقافة: من الحيوية إلى النمط الموجه» الصادر عن أمم للتوثيق والأبحاث عام 2023، فإن «حزب الله» منذُ تأسيسه اتَّخذ من العناوين الاجتماعيَّة والثقافيَّة مِنْبَرًا وعُنوانًا يُخفي الطابعَ الأمني والعسكري والأُصولي.
فأسَّس العديد من اللجان والمؤسَّسات المَعنِيَّة بالشأن الثقافي من مسرحي وسينمائي وإعلامي، وهي كانت تتعاوَنُ مع نظيرَتِها الإيرانيَّة في إقامة المهرجانات وتنظيم المناسبات الفنيَّة والثقافيَّة، وأسَّس الوِحْدةَ الثقافيَّة كإطارٍ رسميٍّ داخله لمتابعة النشاطات الثقافيَّة وتنسيقِها، وفتحَ العديدَ من المنشآت الثقافيَّة كـ «مركز الإمام الخميني الثقافي» في بئر العبد - حارة حريك بالضاحية الجنوبيَّة، وأطلقَ عام 1988 المركز الاستشاري للدراسات والتّوثيق»، الذي يُعنى بالأبحاثِ والدراساتِ الاستراتيجيَّة والإنمائيَّة والمعلومات.
وأَوْلى «حزب الله» منذ انطلاقَتِه الجانِبَ الفنِّي أهميَّةً كبيرة، ووظَّف له الإمكانات لخِدْمَة أهدافِه السِّياسيَّة والدينيَّة الأيديولوجيَّة، فعلى صعيدِ المسرح والسينما، أسَّس لجنةَ الفنِّ والمسرح الإسلامي التي عُرِفَتْ أيضًا باللجنة الفنيَّة للإعلام الإسلامي وعلى صعيدِ الأفلام السينمائيَّة، التزمَ الحزبُ عَرضَ أحدَث الإنتاجات الإيرانية في بيروت بالتعاون مع المستشاريَّة الثقافيَّة للجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة واطلق أسبوع الفيلم الإيراني عام 1987 في سينما «مونت كارلو» ببيروت، كما أعطى الفنَّ الغِنائي الملتَزِم أهميَّةً كبيرة واعتَمدَ الأناشيدَ الإيرانيَّة المُعرَّبَة في بداياته، ولم تلبَثْ أن بدأت فِرَقُ الأناشيدِ الإسلاميَّة التابعة له بالظُّهور، كـ «فِرقَة الولاية » و«الفجر» و«النور» و«الإسراء» و«العهد» ... بالإضافة إلى «أوركسترا شمس الحُريَّة».
كما أسَّس عام 2008 في حارة حريك الجمعيَّة اللبنانيَّة للفنون «رسالات» التي تتولَّى إدارةَ المركز الثقافي لبلديَّة الغبيري الذي يحتوي على العديد من المباني ومَسْرحٍ كبير تمَّ بناؤه بهِباتٍ عربيَّة، واستَخْدَمَه الحزبُ لاستضافة مختلَف مناسباتِه الثقافيَّة، بالإضافة الى النشاطات الفنية لبعض المؤسسات التي تدور في فلك «حزب الله»، كشركة «ميم » للإنتاج الثقافي التي قدمت فيه بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية عروضاً سينمائية عام 2023 للفيلم الإيراني المدبلج للصغار «لوبيتو Lupetto».
شبكة المعارف الإسلامية: الإطار الجامع
في عام 1998 أُنشئت «جمعية المعارف الإسلامية» كإطار جامع وموحد لمختلف النشاطات الثقافيَّة من مَعارضَ ومؤتمرات، وإصدار منشورات ثقافية وتبليغية، وتأسست شبكة المعارف الإسلامية التي ضمت، جمعية مراكز الإمام الخميني الثقافية في لبنان والتي تحوي مركز الإمام الخميني الثقافي في بئر العبد وبعلبك ومعهد السيدة فاطمة الزهراء الثقافي في عمشيت، كما تضم الشبكة معهد الإمام المهدي للعلوم الإسلامية المتخصص في الدراسة الحرة للعلوم الإسلامية، ومنصة فقه الولي التي تعنى بنقل الآراء الفقهية للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، والمركز الإسلامي للتبليغ الذي يعمل على تطوير مهارات أئمة المساجد وقراء العزاء والمبلغين، ومعهد سيد الشهداء للتبليغ والمنبر الحسيني المتخصص في تنمية كفاءات خطباء المنبر الحسيني، وجمعية النور لتعليم القراءة والكتابة التي تعنى بتعليم القراءة والكتابة ومواجهة الأمية، وجمعية المعراج لتعليم أداء الصلاة، وجمعية قيم لنشر المعارف القيمية والتواصل مع شرائح المجتمع اللبناني، ومعاهد سيدة نساء العالمين الثقافية التي تعمل على صقل وإعداد الطاقات النسائية في «حزب الله»، وتحفيز المنحى الاستقطابي والتبليغي عند هيئاته النسائية، والتي تضم أكثر من ثلاثين معهدًا موزعة بين الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وبيروت وجبيل والشمال، كما تضم مركز المعارف للدراسات الثقافية المركز العلمي والبحثي، ومركز المعارف للإنتاج الرقمي المعني بإنتاج المواد الثقافية السمعية والبصرية.
على مدى أكثر من أربعين عامًا، عمل مشروع تصدير الثورة الإسلامية في لبنان، ممثَّلًا بجماعة «حزب الله»، على ترسيخ نمط ثقافي وفكري وعقائدي خاص في البيئة الشيعية، مستعينًا بجهاز تبليغي محترف وظّف شتى أساليب الترويج والتأثير. وقد سعى إلى توجيه الثقافة الشيعية والاستئثار بها، فتَحوّل من مساهمٍ في إنتاجها إلى مُنظِّمٍ ومُؤطِّرٍ لمجالاتها، حتى باتت ترتدي لَبوسه وتسير وفق نهجه، وأصبح معظم الشيعة من عامّة الناس والمثقفين يدورون في فلكه وتحت ضوابطه، باستثناء بعض الحالات التي ما زالت تُجاهد للحفاظ على حقيقة التنوّع في التراث الشيعي.
وقد انغلقت عقول تلك البيئة داخل إطار المفاهيم والأفكار والأساليب التي فرضها هذا المشروع، مما حال دون تطوّرها الحرّ. ولا سبيل للخروج من هذه النمطية والانغلاق إلا بعودة الدولة ومؤسساتها إلى ممارسة دورها الطبيعي، ووقف سياسة تلزيم الطائفة الشيعية لهذه الجماعة ونهجها الذي أودى بها، وبالبلد كلّه، نحو الدمار والخراب.