الجنوب السوري يستعيد مشعل ثورة 2011..."الحرية أكبر من منصب رئيس"!

"سوريا حرّة حرّة، بشّار يطلع برّا". ليس عاديا أن يهتف الشعب السوري بشعارات مماثلة أو أن يرفع يافطات كُتب عليها: "الموت ولا المذلّة... بدنا نعيش بكرامة، بدنا المعتقلين، بدنا مستقبل لأولادنا..حرّية الشعب واستقلاله أكبر من منصب رئيس"!.

حصل ذلك في الجنوب السوري وتحديدا في محافظة السويداء التي انطلقت منها تظاهرات منذ ليل السبت 19 آب من دون أن تحصل "ضربة كف من جيش النظام"  لقمع المتظاهرين كما حصل في درعا التي انطلقت منها شرارة الثورة في آذار 2011 .وما يحصل منذ ليل السبت 19 آب حتى اليوم يؤشر لتوسع رقعة الإحتجاجات، إذ تجاوبت عشائر السويداء مع أهالي المحافظة بشكل لافت وغير مسبوق منذ العام 2011، احتجاجاً على تأزّم الواقعين المعيشي والاقتصادي.وفي موقف جريء، وجّه الرئيس الروحي للموحدين الدروز الشيخ حكمت سلمان الهجري السبت رسالة إلى أبناء الطائفة وشباب سوريا عموماً، أكد خلالها أن تصرّفات وإجراءات النظام "طالت لقمة العيش، وتسبّبت بهروب جماعي وتدمير العلم وتخوين الشرفاء وقد آن الأوان لقمع مسبّبي هذه الفتن والمحن ومصدّري القرارات الجائرة المجحفة الهدّامة. وعلى رغم المراجعات لم نلقَ سوى تجاهل وسوء تصرّف".
حتى اليوم بلغت رقعة الإحتجاجات 40 نقطة في الجنوب السوري. والتعليمات أعطيت لجيش النظام لقمع أي مخالفة إذا ما وصلت إلى العاصمة دمشق دون سواها حتى اللحظة. فهل بدأ العد العكسي لنهاية نظام تجرأ أن يتمرد على الإتفاق السعودي -الإيراني وعلى احتضانه من جديد من قِبل الجامعة العربية؟

الكاتب السياسي الياس الزغبي يقرأ في مشهدية الثورة المتجددة في سوريا ويقول لـ"المركزية" "بعد مضي 12 عاما ونصف على انطلاق الثورة السورية، تبين أن كل "الإنجازات" و"الإنتصارات" التي حاول محور الممانعة أن يسجلها لمصلحة أحد فروعه، أي النظام السوري، كانت مجرد حالات طارئة غير مستقرة وغير ثابتة، بدليل تعمّق الأزمة السورية في اتجاهاتها الثلاثة، السياسي والإقتصادي والإجتماعي. وإذا كانت انتفاضة درعا عام 2011 انطلقت على خلفية سياسية بمعنى المطالبة بالحريات وبالحق في التعبير عن الرأي العام السوري الناقم على نظامه، فإن الإنتفاضة المتجددة في الجنوب السوري نفسه وهذه المرة من محافظة السويداء تتم على خلفية إقتصادية إجتماعية، لكنها في جوهرها إنتفاضة سياسية لا يقلِّل من أهميتها أن هذه المنطقة معروفة بأكثريتها المذهبية الدرزية لأن ما تعبر عنه السويداء الآن هو حالة نقمة لدى الشعب السوري بكل أطيافه، السنية والمسيحية والإسماعيلية والكردية وحتى بعض الشرائح العلوية".

والسؤال الذي يطرح، هل تقف الثورة المتجددة عند حدود الجنوب السوري؟ "الإنتفاضة مرشحة للتمدد جغرافيا ومناطقيا من الجنوب إلى الشمال ونحو الشرق أيضا حيث كل المؤشرات الميدانية تؤكد أن الإنغلاق في هذه الأزمة يتصاعد إلى درجة الإنفجار العسكري بمعنى حصول معركة في مدى متوسط تغيِّر موازين القوى الراهنة لمصلحة القوى المدعومة من الجهات الدولية وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية".

اللافت في كل هذا المشهد المأزوم في سوريا أن الدول العربية التي حضنت النظام تكاد لا تصدر بيانا أو كلمة لمعالجة هذه الأزمة المستجدة خصوصا السعودية التي يئست من معالجة النظام على رغم التفاهمات المتجددة مع طهران . وهذا ما يؤشر إلى أننا أمام مشهدية متجددة. فالرعاية الدولية أصبحت لصيقة ومباشرة مع ما يحصل من الجنوب السوري إمتدادا إلى سائر المناطق السورية، ولا يمكن خلق مبررات أو مسببات لإجهاضها كما حصل في ثورة 2011، لأن إدخال عوامل التطرف الديني أو المذهبي ليس سهلاً أو متاحاً كما حصل في الثورة السابقة، خصوصاً تحت رعاية ثنائية مشتركة روسية وإيرانية وبدعم واسع من ذراع إيران في لبنان،أي حزب الله. من هنا فإن الثورة في السويداء التي تم قمعها سابقاً تحصل على عوامل نجاحها بعدما تبين للعالم العربي، وأيضا لأوروبا وأميركا تحديداً، أن الإنفتاح على النظام السوري لم يؤدِ غاياته التي كان يتوخاها، كما أنه لم يلتزم بأي شرط من شروط عودته إلى حضن الجامعة العربية ولا بالرعاية التي أمنتها له المملكة العربية السعودية خصوصا في قمة الرياض".

ولا يستبعد الزغبي أن يشهد النظام في خلال الأشهر القليلة المقبلة على مزيد من الضغوط وأيضا على راعيتيه موسكو وطهران خصوصا أنهما تغرقان في مشكلات صعبة جدا سواء على المستوى الداخلي في إيران أو على مستوى الحرب الأوكرانية بالنسبة إلى روسيا".

الأكيد أن سلالم النجاة التي كانت متوافرة لنظام بشار الأسد قبل أعوام، لم تعد هي نفسها قادرة على إنقاذه نظرا لما يتخبط فيه ليس فقط من الجنوب السوري بل أيضا على مستوى أزمات الشمال والشرق طالما أن كل محاولات ترميم العلاقة بينه وبين تركيا لم تبلغ خواتيمها. ويختم الزغبي " من هنا يمكن ترقب مرحلة من التصعيد الداخلي في سوريا تحت عنوان الإختناق الإقتصادي والإجتماعي، لكن الثورة المتجددة تبقى في عمقها سياسية ولا يمكن إخمادها إلا بحلٍّ سياسي على الأقل إستناداً إلى القرار الدولي 2254 ومعالجة وضع النظام بحيث يتغير وجه سوريا من السلطة الأحادية ذات الطابع المذهبي إلى سلطة أقرب إلى التداول الديمقراطي ويكون هذا الحل هو الأكثر استقراراً لمستقبل سوريا وأيضا مستقبل جاراتها من الدول وخصوصا لبنان" .