الدولار المصرفي في ثلّاجة التقاذف.. و"المركزي" مصرّ على موقفه

معضلة "الاختراع اللبناني" الذي يُسمّى "الدولار المصرفي"، ويدلل عليه دلعاً بـ"اللولار" مستمرة. وسعر الصرف المحتسب على 15 ألف ليرة، هو بامتياز ليس هيركات مقنّعاً وقاسياً فحسب، بل هو أيضاً سرقة موصوفة بنسبة 73% من قيمة الودائع بالدولار.

يتجنب المعنيون الاقتراب من ملف تعديل سعر الدولار المصرفي ومساواته بدولار السوق، أو رفعه الى سعر 25 أو 30 ألف ليرة، كما تجول المقترحات بين "المجالس بالأمانات" والاجتماعات المغلقة. فـ"كرة نار" الدولار المصرفي يعتبرها الجميع حارقة جداً، لذا ينأون بأنفسهم عنها ويتقاذفونها في ما بينهم، إذ يعتبر مصرف لبنان المعني بحماية استقرار السوق والنقد، وفق ما يجاهر الحاكم بالإنابة أن التعديل مسؤولية وزارة المال والحكومة، والمركزي أدى فروضه ووحّد أسعار الصرف جميعها على 89 ألفاً و500 ليرة، ويعلن ذلك رسمياً على موقعه الإلكتروني. ومن جهتها تعتبر وزارة المال أن قرار التعديل نقدي بامتياز، ولا يمكنها التفرّد بإصدار قرار التعديل دون الشراكة الكاملة مع #المصرف المركزي والحكومة، إذ إن تعديل سعر الدولار المصرفي سينتج سيولة ضخمة ب#الليرة اللبنانية في السوق بما سيؤدي حكماً الى عودة التضخم، والمزيد من الانهيار في سعر الليرة، وتالياً يجب دراسة جدوى التعديل ومفاعيله وقدرة مصرف لبنان على ضبط السوق وحماية سعر صرف الليرة، إضافة الى قدرة المصارف على التعامل مع السعر المعدل دون وضعها من جديد بمواجهة مع المودعين.


أما غياب الحراكات الشعبية في الشارع، وتراجع حدة الضغوط المطلبية، فلا يعنيان مطلقاً أن المودعين لا يعانون من استمرار الإجحاف بتسعير دولاراتهم على سعر 15 ألف ليرة، وهم انتظروا كثيراً وحاجاتهم تتزايد، فيما المسؤولون غائبون كلياً عن إحقاق العدالة في هذا الملف وإنقاذ ما بقي من جنى أعمار الناس.


ولأن الفوضى الدستورية والقانونية وتضارب الصلاحيات و"المصالح" تعوق إخراج حلّ، لذا تحض مصادر مصرفية مجلس النواب الذي يستعد للانعقاد على خلفية التمديد للمجالس البلدية على إدراج بند على جدول أعماله يتعلق بإقرار قانون يعطي وزارة المال أو مصرف لبنان أو الحكومة أو "من يشاء"، صلاحية تعديل سعر الدولار المصرفي ووضع آلية لإنهاء وضعه الشاذ كلياً.

المحامي والوزير السابق زياد بارود لا يعترف بما يُسمّى الدولار المصرفي، فهو وفق ما يقول "بدعة لا أساس قانونياً لها، تماماً كما بدع أخرى أغرقت الناس في انفصام خطير في الحالة النقدية. ولا ننسى أن فوارق أسعار الصرف المتأتية عن هذه التسعيرات المتفاوتة، قد أدت ولا تزال إلى "هيركات" غير معلن، كما نتج عنها ضرب المودعين بعنف، وتالياً من الخطير فعلاً البحث اليوم عن صيغ أو فتاوى ترقيعية في الثوب البالي، بل المطلوب السعي الى حلول مبنيّة على خطة واضحة، متماسكة ومتكاملة".

وفيما ينشط تقاذف المسؤوليات على خلفية الصلاحية القانونية للجهة الرسمية المخوّلة تحديد سعر الصرف، يجزم بارود بأن "ليس ثمة جهة يمكن أن تكون مخوّلة تحديد سعر لعملة "غير موجودة"، وغير معترف بها في النظام النقدي اللبناني. لا بل إن مصرف لبنان ملزم، بحسب قانون النقد والتسليف، باعتماد قواعد تحافظ على الاستقرار النقدي لا أن يخلق حالة من الارتباك تزيد الأمور تعقيداً وسوءاً".

المرجع الصالح للطعن أو المراجعة يحدد بحسب الجهة التي أخذت على عاتقها تسعير ما يطلق عليه الدولار المصرفي ليبنى على الشيء مقتضاه. ويسأل "من حدّد الـ3900 ألف ليرة ثم 8 آلاف ثم 15 ألف ليرة؟ من قرر أن يتحول الدولار "لولار"؟ من قرر أن يكون شيك الدولار/ اللولار بنسبة 10 أو 13% من قيمة المبلغ الفعلية؟


الدولار المصرفي أو دولار السحب وفق ما يحبّذ الوزير السابق نقولا نحاس تسميته، حدّده مصرف لبنان وفق التعميم 167 بسعر 89 ألفاً و500 ليرة بحساباتهم المصرفية، وأدرج هذا السعر على الموقع الإلكترونية لمصرف لبنان. أما موضوع سحب الدولار من المصارف وتحديد سعر الرسوم والضرائب التي أبرمت عقودها باللولار، فلم تتم معالجته حتى اليوم. وبرأي نحاس فإن "قانون النقد والتسليف ينصّ على أن هذه المهمة هي من مسؤولية وزير المال، فيما يصر الأخير على الاستئناس برأي مصرف لبنان لمعرفة قدراته المالية للسعر الذي سيعتمد ولكن مصرف لبنان يصر في المقابل على السعر الرسمي، ولا يعطي جواباً محدداً على أسئلة وزير المال"، معتبراً أن "الخلاف هو على المقاربة القانونية للموضوع". وإذ اعتبر أن إبقاء سعر صرف الدولار المصرفي على 15 ألف ليرة هو "غبن كبير بحق بالمودعين"، ختم بالإشارة الى أن "معالجة هذا الموضوع هي بمثابة المعركة التي أخوضها"، متمنياً "أن نصل الى حلول ترضي الأطراف كافة وأهمهم المودعون".

المعلومات المتوافرة عن أن الحكومة تتوجه الى إقرار سعر محدد للدولار المصرفي، أكدها الخبير الاقتصادي محمود جباعي، وقال لـ"النهار": "وفق معلوماتي فإن ثمة توجهاً جدياً للحكومة الى معالجة الملف منتصف هذا الشهر، فيما البحث يتركز حالياً على السعر الذي يجب تحديده والمتوقع بين 25 و30 ألف ليرة".

واعتبر جباعي أن "إقرار تحديد سعر الدولار المصرفي تأخر كثيراً، بما يشكل إجحافاً وضرراً كبيراً على المودعين الذين لم يبادروا حتى اليوم الى الإفادة من تعاميم مصرف لبنان، وتالياً أصبح لزاماً اتخاذ قرار لمعالجة الموضوع"، مضيفاً "صحيح أن أسعار الصرف المتداولة مجحفة في حق المودعين، ونطمح الى إقراره على السعر الرسمي أي 89 ألفاً و500 ليرة، ولكن للضرورة أحكام. فالحكومة غير قادرة وفق المعنيين فيها على القفز من سعر 15 ألف ليرة الى 89 ألف ليرة دفعة واحدة، آخذة في الاعتبار نفقاتها وبعض الأمور المصرفية". لذا برأي جباعي "من المستحسن اعتماد سعر موقت على أن يستكمل البحث بدراسة جدية لتطور سعر الدولار المصرفي ليصبح موازياً للسعر الرسمي بالتدريج لكي يكون في مقدور السوق استيعاب السعر الجديد، على أن يكون ذلك قبل إقرار موازنة 2025، أو أقله إقرار خطة مالية اقتصادية أو حل لأزمة المودعين لمعرفة كيفية التعاطي مع الملف حتى لا نقع في مشكلة تحديد سعر الدولار المصرفي في السنة المقبلة".

جباعي الذي أشار الى أن "المصرف المركزي أكد أن السعر الرسمي للدولار ينطبق على سعر الدولار المصرفي، وتالياً لا يمكنه تحديد سعر أقلّ، وأي سعر آخر لا يمكن لمصرف لبنان السير به لكونه سيكون عرضةً للطعن"، ختم بالتأكيد أنه "أمام هذا الواقع، على الحكومة ووزارة المال، انطلاقاً من الضرورات التي تحدثت عنها، أن تحدّدا سعر للدولار المصرفي. وفي كل الأحوال أي سعر يُحدّد يبقى أفضل من لا شيء، خصوصاً أن ثمة مودعين ينتظرون تحديده لتسيير أعمالهم في انتظار موازنة 2025".