الصايغ: الأولوية في زيارة "أبو مازن" هي موضوع استعادة لبنان سيادته ولا سلاح شرعيًا غير سلاح الدولة اللبنانية وهذه الإشكالية يجب أن توضّح لنكون مرتاحين في موضوع المصارحة والمصالحة

اعتبر النائب الدكتور سليم الصايغ أن "الرئيس الفلسطيني يستحق جائزة تحقيق السلام بين اللبنانيين والفلسطينيين، لأن ما قام به الرئيس "أبو مازن" لم يتجرأ أيّ قيادي في لبنان على مستوى الدولة اللبنانية على القيام به، إذ قام بالنقد الذاتي الفلسطيني لإرساء علاقة متوازنة وجديّة من أجل مصارحة تاريخية مع اللبنانيين، والفلسطينيون قاموا بإعلان "ميثاق فلسطين بيروت" ، وكنت أتمنّى من القوى السياسية عقد مؤتمر لبناني- لبناني للقيام بنقد ذاتي مماثل".

وأشار الصايغ  في حديث ضمن برنامج "الحكي بالسياسة" عبر صوت لبنان 100.5، إلى أنه "في لبنان، الزعماء ينصّبون أنفسهم "أنصاف آلهة" ويعتبرون أنفسهم  معصومين عن الخطأ، وتاريخهم "ناصع أبيض"، ولا أحد يتجرأ أن يتواضع ويضع نفسه أمام محاسبة الناس وأمام التاريخ لإرساء المصالحة المطلوبة بين اللبنانيين".

وتابع الصايغ :"بالنسبة لـ"لبنان وفلسطين"، ما قام به الرئيس الفلسطيني خطوة مباركة ومهمّة، حيث قال الفلسطينيون ما يعتقدونه  خطأ وصواب في أدائهم في لبنان، وطالبوا بإعادة إرساء العلاقة مع اللبنانيين على أسس احترام الدولة اللبنانية والشرعية وسيادة لبنان على كل أراضيه، وقام الفلسطنيون بنقد مهم جدًّا حول استراتيجية  التي قامت بها "المقاومة الفلسطينية"، أي قبل ان تنتقل إلى استراتجية الداخل عام ١٩٨٧ مع  انتفاضة الحجارة،  اذ لاحظنا كيف تغيّر مسار  القضية الفلسطينية، فهم قرأوا في تاريخهم، ولكن لم يكونوا ساكنين، ففي نضالهم من أجل دولتهم، تركوا للعقل أن يقوم بالعمل المطلوب، لذلك كانوا متقدمين".

عن "المصارحة والمصالحة مع الفلسطينيين"،  قال الصايغ: "هذه المبادرة يجب أن تبدأ من الأعلى إلى الأسفل، وعندما كنت نائب رئيس حزب الكتائب  تم إقامة حفل في ذكرى 13 نيسان، ولكن بطريقة مختلفة عن الماضي، وتناولت هذا الموضوع مع مستشار رئيس الحزب آنذاك جوزيف أبو خليل بهدف القيام بشيء مختلف يكون فرصة لمصارحة كبيرة مع الفلسطينيين، بحيث كان هناك علاقات ممتازة مع السفير الفلسطيني في بيروت عباس زكي، واتفقنا بإبلاغ الرئيس أمين الجميّل بهذا الاقتراح، وكون الرئيس الجميّل سبّاقًا ومتطورًا، وافق على هذه الفكرة فورا، مطالبا  أيضًا بوجود ممثل عن الحركة الوطنية، بحيث دعونا وليد جنبلاط ومثّله الوزير أكرم شهيب، وترأس اللقاء الرئيس الجميّل ممثلًا ما يحمله من الوجدان والتاريخ اللبناني، وحضر السفير الفلسطيني ممثلًا الرئاسة الفلسطينية، كما حضرت الفصائل الفلسطينية، وكان البعض في الداخل المسيحي ممتعضًا من هذه الخطوة، ولكن كان علينا قلب الصفحة من خلال فرض "صدمة إيجابية" من داخل البيت الكتائبي المركزي وإغلاق هذا الملف".

ولفت الصايغ إلى أن "الضغط الذي مورس على لبنان، من خلال الاغتيالات والتصفيات لقياداتنا، والاستحقاقات المتراكمة، لم يُعطَ فرصة للمصارحة والمصالحة توسيعًا وتعميقًا، والجهد الذي كان من المفروض القيام به، بمعنى أنّه لم يتم قيام أي مؤتمر لبحث العلاقة اللبنانية الفلسطينية في أي من الجامعات أو غيرها، لذلك علينا البدء من الأعلى، فالموضوع ليس تاريخيًا، إنّما هو "حالة" لها أهمية كبيرة".

أضاف: "علينا درس طبيعة العلاقة بين لبنان وفلسطين، وما الذي يريده الفلسطينيون من لبنان، فهناك "مشكلة مشروع دولة فلسطينية" تُدمَّر، فمن الناحية الجيوسياسية، إنّ المصلحة العربية لا يمكن أن تكتمل إذا ما لم تبدأ بمعالجة "القضية الفلسطينية وتنتهِ بحل"، لأن هذه المنطقة ليست سوقًا، إنما وطن نكتنز فيه قضايا إنسانية ضد أي منطق عسكري".

واعتبر أن "كل ما يُقام به في المنطقة العربية يجب أن يواكبه حلّ للقضية الفلسطينية، ونحن في حزب الكتائب، وأنا كإنسان، هذه هي قناعتنا، كما علينا درس موضوع حق العودة، فأين دور الأونروا في لبنان؟ وقضية السلاح والمخيمات، فعدا عن مؤتمر "الحوار الوطني" عام 2006، عندما اتخذنا قرارًا لبنانيًا تنفيذًا لاتفاق الطائف، يقضي بجمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وضبطه وترتيبه داخل المخيمات، أي تحت سلطة الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى ترتيبات القرار ".1701

وقال: "موضوع المصارحة عملية تراكمية، ففي الحكومات السابقة، كنا ممثلين في "لجنة الحوار الفلسطيني اللبناني"، وعملنا بإصلاحات بالنسبة لقوانين العمل وغيرها، ولكن اليوم، الأولوية في زيارة "أبو مازن" هي موضوع استعادة لبنان سيادته، ولا سلاح شرعي غير سلاح الدولة اللبنانية، وهذه الإشكالية يجب أن توضّح لنكون مرتاحين أمام موضوع المصارحة والمصالحة".

وتابع الصايغ :"بصراحة، لم نعد ندرك إذا كان السلاح في يد حماس أو في يد حركة فتح داخل المخيمات الفلسطينية، بحيث بعد موضوع غزة، فإن حماس قبضت على الوجدان الفلسطيني، والإسرائيليون سهّلوا هذا الأمر، لأن الرد الإسرائيلي ارتقى إلى مستوى الإبادة، لذلك تعاطف كل العالم مع المدنيين في غزة، ولكن عمليًا، السلطة الفلسطينية لا زالت هي الأقوى في المخيمات، والرئيس محمود عباس له الشرعية العربية، وهناك اعتراف بأنه الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين، وهو من واجبه الالتزام بما يقوله، وفي الموضوع اللبناني، هناك رأي عام فلسطيني سياسي يقول إن المطروح من قبل أبو مازن هو الواقع".

وأضاف: "ما تغيّر أنّه في الوقت السابق، لم تكن هناك إرادة لبنانية صريحة للقيام بهذه المصارحة والمصالحة، وقبل عام 2016، وعندما كان هناك فراغ رئاسي، كنتُ أجتمع مع لجنة الحوار الفلسطيني اللبناني الممثلة من قبل الأحزاب، وعندما كانت بعض القوى السياسية التي ترغب أن تتبناها إحدى الدول، أو من قبل أفرقاء لبنانيين يتعاطفون مع القضية الفلسطينية، وهم القوى السنية، حاولوا المسيحيون إعطاء أقصى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين لإبراز أنهم منفتحون، وهذه المواقف المجانية خارجة عن المنطق، ولم تكن سهلة إعادة الأمور إلى نصابها، والعقم هو في لبنان وليس عند القيادة الفلسطينية".

وسأل الصايغ: "علمًا أن الفلسطينيين اعترفوا أن استراتيجيتهم في لبنان كانت خطأ وأعادت القضية الفلسطينية إلى الوراء ولكن، هل كان سيستطيع أبو عمار دخول اللعبة لو لم تكن هناك تناقضات لبنانية، وعدم وجود قرار مركزي في لبنان؟"

وردًا على سؤال، قال: "التغيّر الذي نشهده اليوم، ليس فقط بتغيّر العهد أو الأشخاص، إنما هناك تطوّر كبير حصل، أتى بأشخاص على أساس عقد مشروط، منها خطاب القسم، والبيان الوزاري، لذلك عليهم جميعًا الالتزام بما جاء في الترتيبات التي ترعى تطبيق القرار 1701 بما يتعلّق بالسلاح، واليوم، هناك جدّية أكثر في التعاطي بالموضوع الأمني والسيادي اللبناني برعاية دولية".

وعن الحوار بين رئيس الجمهورية وحزب الله بشأن السلاح، اعتبر الصايغ أن "هذا الفعل هو تأسيسي لمفهوم الدولة اللبنانية، والرئيس المؤسس الشيخ بيار الجميّل كان يقول لنا: "طريق الشرف هي أسلم وأذكى طريق، فيكفي أن تكون أنت أنت"، فالمصلحة اللبنانية تحددها الدولة اللبنانية، الممثلة برئيس الجمهورية، جوزاف عون، والحكومة مجتمعة في القرارات التنفيذية، ومجلس النواب في التشريع، فعندها يتحدد نظام المصلحة اللبنانية العليا، ألا وهو بسط سيادة الدولة باسم الشعب اللبناني على كامل الأراضي اللبنانية، إنفاذًا للشرعية الدولية، ولدستورنا قبل كل شيء".

وقال: "نحن من أتينا بالشرعية الدولية، وتدويل المسألة اللبنانية، من أجل إخراجنا من الوصاية والاحتلال المتعدد الهويات، فتدويل القضية أنتج قرارات تتكلم باسم الشرعية الدولية ومطالب الدول الصديقة لمساعدة لبنان ليست تعجيزية إنما لمصلحة لبنان".

وختم الصايغ قائلًا: " الخوف اليوم هو أن ينتقل الاهتمام الدولي من لبنان إلى سوريا، لذا أمام رئيس الجمهورية فرصة يجب علينا الإسراع في تنفيذ الإصلاحات من أجلها، لأن هذه الفرصة لن تبقى مفتوحة".