الصايغ يرفض موازنة الانكسار والقصور من الأوهام: هزيمة لمسار الحكومة أمام الامر الواقع وانكسار المواطن أمام حكومته

بالموازنة التي تبني قصورا من أوهام وموازنة الانكسار، وصف النائب الدكتور سليم الصايغ المشروع المرسل من الحكومة والذي يناقشه مجلس النواب.

وشدد على ان التصويت على اي قانون دون رئيس فيه انتقاض جوهري لمفهوم الشراكة معتبرا ان غياب الرئيس فضّ للشراكة الوطنية فالدستور لا يحتمل اي انتظام للحياة الديمقراطية في غياب الرئيس وما ينتج عن هذا الغياب فوضى دستورية.

ولفت الى انها الموازنة "ميزانية ومجرد حسبة" مما يعني انها تفتقد إلى النظرة الاستشرافية للمستقبل مع التعليل الضروري للتدابير المالية المتخذة.

وأكد الصايغ ان استعادة الشرعية تبدأ بتثبيت حق المواطن على الدولة التي من واجبها تحصيل حقوقه بدل ان تثقل كاهله بأعباء لا طاقة لشريف ان يحتملها كما المرتجى هو فتح نافذة على الاصلاحات في القطاع المالي والمصرفي مشيرا الى انها موازنة الانكسار الزاحف اذ عمدت الى تحميل اعباء نفقاتها الى المواطنين الملتزمين بالانتظام العام.

وقال:"انها موازنة الهروب من الاعتراف بالهزيمة امام المنطق الاصلاحي، وتصوير الانكسار وكانه انجاز عبر التصفير الدفتري للعجز. انها بحق هزيمة لمسار الحكومة امام الامر الواقع وانكسار المواطن امام حكومته."

أضاف:" هذه الموازنة الانكسار تضرب القطاع الشّرعي للاقتصاد بالكامل وتشجّع الافراد على التّهرب الضريبي وتدفع الشركات للهجرة الى قبرص وتأسيس مكاتب Off Shore لها خارج النظام المالي اللبناني".

ورأى ان الناس دفعوا ثمن تقصير الدولة وها هم يدفعون مرّة ثانية ثمن صمودهم جزيةً لها على خدمة لا تؤمّنها ملاحظاً ان الدولرة غير الرسمية أصبحت شبه شاملة بحدود ٩٠%.

وأخذ على الموازنة أنها لم تتطرّق لا الى كيفية تسديد متوجباتها تجاه مصرف لبنان ليسدد متوجباته تجاه المصارف لتسدد بدورها حقوق المودعين كما لا تأخذ بعين الاعتبار سلفات الخزينة ولا الدين العام وخدمته كما أنه لا يمكن الاستمرار بموازنة بغياب قطع الحسابات وحتى التقارير المالية الشهرية المتوقفة عن الصدور.

واعتبر ان ان توحيد سعر الصرف على 89000 من دون مثل هذه الرؤية المتكاملة هو مجرد "بهلوانية ارقام" تطرح علامة استفهام حول إمكانية اعتماده الشامل للمودعين والشركات ورساميل المصارف وصولا الى المصرف المركزي.

وختم بالقول:" لأنني أؤمن بموازنة الانتصار، انتصار الدولة للمواطن، وانتصار المواطن بحقوقه وكرامته المهدورة، لن أصوّت لصالح هذه الموازنة".

وجاء في كلمة الصايغ الكاملة:

 كمّ هو جميل ان يلتئم المجلس النيابي ليمارس سلطته التشريعية ويقوم بواجباته الدستورية.

 كمّ هو كبير تعلّقنا بممارسة الحياة الديمقراطية وحرّية التّعبير وقبل كل شيء الدفاع عن حقوق المواطن اللبناني التي هي همنا الوحيد وعلة وجودنا هنا كنواب لبنانيين منتخبين من اللبنانيين نعمل للبنانيين فقط وهم فقط من أعطونا الوكالة الشعبية المؤقتة وهي قابلة للعزل منهم ومنهم وحدهم ولا ننتظر محاسبة إلا منهم ومن الضمير.

 كم يكون دورنا أجمل وأكبر أن نستعيد معنى حضورنا في بيروت أم الشرائع، وحافظتها، بيروت التي قاومت كل اللعنات والاحتلالات، التي صمدت بالرغم من تقصير او لامبالاة حكوماتها والتي بعد تفجير المرفأ لا زالت تلملم جراحها وأشلاء روحها المبعثرة في غياهب العدالة المعتقلة والتي دفعت أغلى الأثمان  ولا زالت باسم كل القضايا من سوريا إلى فلسطين. ألم يحن الوقت لكي نستعيد بيروت ولبنان معها إلى كنف الدولة اللبنانية فنحمي المواطن والوطن باستعادة الشرعية الوطنية بدءا من تنفيذ  أهم واجب منوط بنا ألا وهو انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.

الى متى الانتظار والتأجيل والتعطيل؟ إلى متى الإهتمام بكلّ شيء بينما المطلوب منا واحد وهو استعادة الشرعية؟

كلمة عن بيروت ومعها جبيل وصيدا وصور مهد التجارة الشريفة، التجارة أخلاق وعبور وبلوغ إلى الآخر، التجارة المستدامة التي تؤمن لك السوق المفتوح والدائم وهي تميز بين الربح والربحية، بين النفع والنفعية، بين الزبون الزبائنية، بين التداول والسمسرة، بين الشركة والاحتكار)،  

 دولة الرّئيس، أيها الزملاء،

ان استعادة  الشرعية في كل الميادين هو المدخل للإصلاح ، وموضوعنا اليوم متصل باستعادة الشرعية الاقتصادية.

لقد خصّ الدّستور قانون الموازنة بموقع مميز عن بقيّة القوانين، فهو ليس تشريعا عاديا وله اصول وقواعد مرتبطة بالغاية المفيدة منه، وهو انتظام وتسيير المرافق العامة.

نجتمع اذا للمناقشة والتصويت في وقت نفتقد فيه لثلاث:

1- لرئيس للجمهورية اللبنانية منتخب من مجلسنا ضمن المهل وحسب الأصول الدّستورية الّتي لا تحمل اي تفسير واجتهاد-.

2-  لحكومة حائزة على ثقة مجلس النواب ومكتملة الصلاحيات

3- لموازنة تربط الواقع موضوعيا كما هو بالمرتجى المطلوب من الناس الّذين أوكلونا شرف تمثيلهم.

1- ان غياب رئيس الجمهورية فيه فضّ للشراكة الوطنية بغض النظر عن الاجتهاد الدستوري في هذا الشأن. فمهما اجتهد المجتهدون في تفسير الدستور يبقى ان النص يحتمل ان يكون مطاطا حتى حدود  احترام الغاية المرجوة منه حتى لا تنتفي علة وجوده. فالدستور لا يحتمل أبدا اي انتظام للحياة الديمقراطية في غياب الرئيس. وما ينتج عن هذا الغياب هو فوضى دستورية تؤدي إلى الخلط بين السلطات والى انتفاء مبدأ التوازن الميثاقي فيما بينها.  ان الميثاق الوطني هو روح قبل ان يكون نصا، وممارسة قبل ان يكون أصولا اجرائية، وبالتالي ان التصويت على اي قانون دون اعطاء امكانية الرّد للرئيس فيه انتقاص جوهري لمفهوم الشراكة الوطنية السوية التي لا زلنا نعتبرها علّة نظامنا الديموقراطي .

ان حضوري اليوم هو بتمني من الناس الذين يطلبون منا ان لا نتركهم في مهب الفراغ الرّئاسي عرضة لموازين القوى. ان الدفاع  عن حقوقهم واجب في ظلّ الدستور ان جاز وامام الأمر الواقع كي لا يصبح امرا جائزا.

2- ان الافتقاد للحكومة يجعل عمل المعارضة معقّدا وأحيانا صعب التحديد. اذ كيف لمعارضة ان تأخذ موقفا حاسما من مواضيع غير مطروحة أصلا، او من مسائل لا توافق او تضامن حكومي منها، او من سياسات ظرفية وآنية ومؤقتة لا معيار لها الا تخفيف الأضرار وصناعة الممكن و الانتظار أو في الكثير من الأحيان الكيدية والزبائنية عند بعض أركانها؟

هناك مثل في الفرنسية يقول:

“On ne tire pas sur les ambulances.”

لا نرمي على سيارات الاسعاف .

الحكومة مريضة تماما كما لبنان وهما في سيارة الإسعاف.

لذلك، تعاملنا مع هذه الموازنة بطريقة عملية مغلّبين مصلحة الناس على أي اعتبار آخر، مفضّلين لغة الحوار البنّاء عوض المبارزة الّتي تشكّل ملح الحياة البرلمانية.

3- أتت الموازنة في مشروع الحكومة لتعكس واقعا محاسبيا مغلوطا وناقصا فأخذت من المالية معناها الضيق اي انها اختصرت غايتها بتأمين الايرادات مقابل نفقات معاشات الموظفين وكلفة تشغيل القطاع العام عبر زيادة الضرائب والرسوم حينما أمكن وبطريقة عشوائية أصبحت معروفة. قيل عنها انها ميزانية ومجرد حسبة مما يعني انها تفتقد إلى النظرة الاستشرافية للمستقبل مع التعليل الضروري للتدابير المالية المتخذة.

إذا المرتجى من الموازنة هو التعرف على الدين العام وعدم تجاهل خدمته، وتبيان الأثر الاقتصادي والاجتماعي للايرادات على القطاعات المنتجة، ووضع تصور لكيفية رد دين مصرف لبنان الى المودعين والبالغ 16 مليار دولار ورد ٧٢ مليار إلى المصارف التي هي اساسا اموال المودعين. ان استعادة الشرعية تبدأ بتثبيت حق المواطن على الدولة التي من واجبها تحصيل حقوقه بدل ان تثقل كاهله بأعباء لا طاقة  لشريف ان يحتملها كما المرتجى هو فتح نافذة على الاصلاحات في القطاع المالي والمصرفي.

 دولة الرئيس، ايها الزملاء الكرام،

 لقد عمل الزملاء في المعارضة وفي لجنة المال والموازنة رئيسا واعضاء للحد من مخاطر القانون فغدت هذه الموازنة موازنة الحدّ الادنى، انها موازنة الهروب من الاعتراف بالهزيمة امام المنطق الاصلاحي، وتصوير الانكسار وكانه انجاز عبر التصفير الدفتري للعجز. انها بحق هزيمة لمسار الحكومة امام الامر الواقع وانكسار المواطن امام حكومته.

انها موازنة الانكسار الزاحف، اذ عمدت الى تحميل أعباء نفقاتها الى المواطنين الملتزمين بالانتظام العام، والّذين يرفدون الاقتصاد الشرعي بكل مقومات وجوده ويؤمّنون للموظفين المعاشات المطلوبة.

انها الموازنة التي تخجل او تتهرب من مواجهة الذين لا يدفعون وهم محميون بمنطق الخروج عن الدولة وعندما يعترفون بها او بموازنتها فانما يعترفون بالشق المتعلق بالنفقات وكأن النفقات مغانم محللّة او حقوق مكتسبة لمن لا يقوم بواجباته.

هذه الموازنة الانكسار تضرب القطاع الشّرعي للاقتصاد بالكامل وتشجّع الافراد على التّهرب الضريبي وتدفع الشركات للهجرة الى قبرص وتأسيس مكاتب  Off Shore لها خارج النظام المالي اللبناني.

 هذه الموازنة الهزيمة لا تقول لنا كيف ستخلق الحوافز لجذب الاستثمار وخلق فرص العمل وكيف ستسعى الى تكبير حجم الاقتصاد.

 هذه الموازنة الانكسار لا تضع خطة مالية ضريبية واضحة لاستعادة  الشرعية الاقتصادية عبر تخفيض كبير للضرائب والرسوم وكلفة الطاقة فتصبح الدولة عندها المضارب القوي لكل المافيا التي تستفيد من التهريب، تصبح الدولة الوسيط الوحيد للمواطن والشركات بدل وسطاء التجارة غير الشرعية، تصبح الدولة قادرة على توسيع الصحن الضريبي عبر تخفيضه الكبير فيكبر عدد المكلفين ويخسر دور المهربين – الامر ليس بسيطا عندما نعرف ان حجم الاقتصاد غير الشرعي لا يقل عن 40% عن الناتج المحلي.

 هذه الموازنة الهزيمة ستؤدي في المحصلة الى اخراجنا من الاقتصاد العالمي مما سيؤدي الى وقف التعامل معنا.

 هذه الموازنة الانكسار، لانها تفرض رسوما غير واقعية ولو كانت قانونية على اشغال املاك الدولة بدل تشجيع المالكين في قطاعات السياحة والصناعة والزراعة على تحمّل الظروف المالية بعد 4 سنوات عجاف مع 17 تشرين والكورونا وانفجار المرفأ والودائع. انها المنظومة والذهنية نفسها التي ضربت في الماضي والتي لا زالت تضرب اليوم. ...

لقد دفع الناس ثمن تقصير الدولة وها هم يدفعون مرّة ثانية ثمن صمودهم جزيةً لها على خدمة لا تؤمّنها .

 وأخيرا هذه الموازنة تبني قصورا من أوهام.

تكمن إحدى إهم انجازات الموازنة المعدّلة في توحيد سعر الصرف المعتمد فيها ولو تبقى علامات استفهام حول عبارة اعتماد "سعر الصرف الذي يحدده مصرف لبنان".

من دون اي شكّ يشكّل هذا التعديل تقدّما نوعيا على تعدّد سعر الصرف كما جاء في مشروع الحكومة. ولكن السّؤال هنا هو كيف سيحدّد مصرف لبنان سعر صرف موحدا وكيف له ان يضمن هذا الالتزام؟

بمعني أدق وفق أي نظام سعر صرف سيتم هذا التحديد؟ نظام ربط سعر الصرف او تحرير سعر الصرف؟ لا نظام تعويم سعر الصرف لا يتلاءم مع اقتصاد جدا مدولر ولا يسمح بأي فعالية للادوات التقليدية للسياسة النقدية القائمة على ضبط السيولة بالعملة الوطنية والتي لم تعد تتخطى ١٠% من السيولة المتداولة في السوق.

الدولرة غير الرسمية أصبحت شبه شاملة بحدود ٩٠% وسيطر الدولار الأميركي على كل وظائف العملة الوطنية (التسعير والتداول والادخار) في القطاع الخاص كما في احتساب وجباية رسوم خدمات عامة (حتى جباة الكهرباء يقبلون الدفع بالدولار ويرجعون الفرق بالدولار للمواطنين).. المستشفيات بالدولار والتامين بالدولار والمحلات بالدولار والرواتب تتدولر كلها حتى في القطاع العام وما يتم دفعه بالليرة او احتسابه بالدولار. ام اعادة التفكير بنظام تثبيت سعر الصرف فيطرح السؤال حول الثقة بتكرار نظام سقط بفعل افتقاد قدرة مصرف لبنان على الحفاظ عليه حين كان يعلن عن ٤٠ مليار دولار احتياطي.  حيث لم يعد يعلن عن اكثر من ٩  مليار دولار هي ما تبقى من الاحتياطي الالزامي للمودعين وليس الاحتياطي الصافي للمصرف المركزي الذي يمكنه التدخل به... في حين لم تتطرق الموازنة لا الى كيفية تسديد متوجباتها تجاه مصرف لبنان ليسدد متوجباته تجاه المصارف لتسدد بدورها حقوق المودعين.. كما لا تأخذ بعين الاعتبار سلفات الخزينة.. ولا الدين العام وخدمته.. دون أن نكرر الحديث عن "وهم المال" الذي يعتمد على المؤشرات الإسمية، دون الأخذ في الاعتبار قيمتها الفعلية بعد إزالة عامل التضخّم في الموازنة...

لا يمكن الاستمرار بموازنة بغياب قطع الحسابات وحتى التقارير المالية الشهرية المتوقفة عن الصدور!! المبالغ المصروفة دون فتح اعتمادات وسلفات الخزينة الخارجة عن الموازنة والالتفاف على حقيقة أرقام الموازنة لتظهيرها دون عجز ودون ديون ما هو إلا إخفاء رأس النعامة... لا انتظام مالي بأرقام تقديرية بل بقطع حساب وأرقام فعلية! فضلا عن أزمة اقفال مصادر إيرادات الدولة (الدوائر العقارية والنافعة...)...

كل أزمة متعدّدة الأوجه مالية تحتاج إلى حل متكامل يبدأ بالشق النقدي ونظام سعر الصرف لمعرفة الأرقام الفعلية في كافة المجالات ومنها الموازنة والسياسة المالية للدولة مع رؤيا اقتصادية واضحة.

ان توحيد سعر الصرف على 89000 من دون مثل هذه الرؤيا المتكاملة هو مجرد "بهلوانية ارقام" تطرح علامة استفهام حول إمكانية اعتماده الشامل للمودعين والشركات ورساميل المصارف وصولا الى المصرف المركزي... المطلوب الرجوع إلى علم الاقتصاد والسؤال عن السياسة النقدية ونظام سعر الصرف الذي على أساسه يسير مجمل الاقتصاد بكل مؤسساته وقطاعاته وليس الاكتفاء ب "لعبة أرقام" وتوازنات واهية عاجلا ما ستسقط على أرض الواقع!

لكل هذه الاسباب  ولأنني اؤمن بموازنة الانتصار، انتصار الدولة للمواطن، وانتصار المواطن بحقوقهما وكرامته المهدورة، لن أصوت لصالح هذه الموازنة .