المصدر: تروث ترند
الكاتب: مارك عون
الأربعاء 18 حزيران 2025 16:18:07
في تطور غير مسبوق، شنّت إسرائيل ضربات عسكرية على منشآت نووية داخل إيران، ما تسبب في تلوّث إشعاعي وأثار مخاوف جدية من زعزعة الاستقرار الإقليمي وتقويض المعايير العالمية الخاصة بأمن المنشآت النووية. ويرى خبراء أن هذه الضربات قد تؤدي إلى تسريع وتيرة البرنامج النووي الإيراني بدلاً من كبحه، ما يفتح الباب أمام تصعيد نووي خطير في منطقة الشرق الأوسط.
بحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد استهدفت الضربات ثلاث منشآت رئيسية. في نطنز، أكدت الوكالة في تقرير قُدّم إلى مجلس الأمن في 13 حزيران/يونيو 2025، وجود تلوث إشعاعي وكيميائي في الموقع. أما مجمع أصفهان للبحوث النووية، فقد تعرّض لأضرار في أربعة مبانٍ حيوية، من بينها منشآت لتحويل اليورانيوم وتصنيع الوقود النووي. في المقابل، لم تُسجل أي أضرار في منشأة فوردو الواقعة تحت الأرض، والتي ظلت تعمل بكامل طاقتها.
تقول تقارير إعلامية إن أحد أخطر أوجه التلوث يتمثل في تسرّب غاز “اليورانيوم هيكسافلورايد” في نطنز، وهو غاز فائق الخطورة، يتفاعل بسرعة مع البيئة المحيطة، يسبب حروقًا في الجلد، وقد يكون قاتلاً إذا استُنشق. ويشير بعض الخبراء إلى وجود مخزون كبير من اليورانيوم عالي التخصيب في نطنز داخل مبنى لم يُستهدف بعد، موضحين أن ضربة محتملة على ذلك الموقع قد تحول هذا المخزون إلى “قنبلة نووية قذرة” تؤدي إلى تلوث إشعاعي كارثي بيئيًا وإنسانيًا.
من جانبها، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحذيرًا شديد اللهجة، مشددة على أن “أي عمل عسكري يُعرّض سلامة وأمن المنشآت النووية للخطر ستكون له عواقب وخيمة على شعوب إيران والمنطقة والعالم بأسره”.
في المقابل، لم تتأخر إيران في الرد. ففي 15 حزيران، دعا النائب الإيراني مجتبى زاري إلى توجيه ضربة عسكرية إلى مفاعل ديمونا النووي في إسرائيل، قائلًا: “الآن حان وقت ضرب ديمونا، فهو مركز الأنشطة النووية للمجرمين… أنتم هاجمتم منشآتنا، وسنهاجم منشآتكم، برأس حربي يزن طنين بطبيعة الحال”. ويُذكر أن إيران كانت قد أجرت في عام 2022 مناورات عسكرية حاكت خلالها هجمات على مفاعل ديمونا، مستخدمة 16 صاروخًا باليستيًا وخمس طائرات انتحارية مسيّرة ضد هدف رمزي يمثل “مركزًا لإنتاج أسلحة الدمار الشامل”.
ورغم تداول تقارير تزعم سقوط صواريخ إيرانية قرب مفاعل ديمونا، لم تؤكد أي مصادر دولية موثوقة هذه الادعاءات. إلا أن الخبراء يحذرون من أن أي ضربة ناجحة على ديمونا قد تُخلّف آثارًا شبيهة بقنبلة قذرة ذات تأثير إشعاعي، ما قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية واسعة النطاق، وتهجير سكاني، وصدمة نفسية آنية وممتدة الأمد.
السياق العام يُشير إلى أن إيران تملك حاليًا أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب من المستوى المستخدم لصناعة الأسلحة النووية. ورغم أن الضربات دمّرت البنية التحتية فوق الأرض في مواقع مثل نطنز، إلا أن المنشآت العميقة تحت الأرض، بما فيها فوردو، لم تتعرض لأضرار تُذكر، ولا تزال أجهزة الطرد المركزي تعمل.
وبحسب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، فإن نحو 15,000 جهاز طرد مركزي في نطنز قد تكون تعطّلت أو دُمّرت نتيجة انقطاع الكهرباء الناجم عن الضربة الإسرائيلية، وذلك في تصريحات أدلى بها لهيئة الإذاعة البريطانية في 16 حزيران. وكانت إيران تخصّب اليورانيوم في تلك المنشآت بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب من عتبة 90% اللازمة لصنع قنبلة نووية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صرّح في 13 حزيران أن “إيران تمتلك الآن ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصناعة تسع قنابل نووية”، في حين تشير تقارير تحليلية إلى أن إسرائيل نفسها قد تمتلك ما بين 80 إلى 400 رأس نووي في منشأة ديمونا، وفقًا لتحليل نُشر في “ذا نيو عرب” عام 2023.
وبينما يترقب العالم الخطوة التالية، يحذّر الخبراء من أن هذه الضربات تمثل “بداية فصل خطير في سباق التسلح النووي”، وقد تدفع دولاً إقليمية أخرى مثل السعودية إلى تسريع مشاريعها النووية الخاصة. وفي تطور لافت، أعلنت طهران أنها بصدد إعداد مشروع قانون برلماني للانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ما قد يُعدّ مؤشرًا على نيتها التخلي عن التزاماتها الدولية والسعي العلني لامتلاك سلاح نووي.
في المحصلة، قد تؤدي الضربات الإسرائيلية إلى إبطاء البرنامج النووي الإيراني لبعض الوقت، إلا أن خبراء يرون أنها لن توقفه بالكامل، بل على العكس، قد تدفع إيران إلى تطويره بسرّية أكبر، وتعزز من عدائيتها. كما أن التلوث الإشعاعي الناتج عن استهداف المنشآت النووية يُظهر مدى الكارثة التي يمكن أن تترتب على ضرب مثل هذه المواقع، في منطقة تتجه سريعًا نحو عتبة نووية مشتعلة.