المسؤول من قصرٍ الى قصر والمواطن مُشرّد بَحثاً عن وَطَنٍ فيهِ خَيمة... فيهِ حَياة؟!

عندما يُصبح عمرُ الإنسان في دَولة بلجيكا، خَمسة وستّين عاماً، تُرسل له دائرة التَّقاعد رِسالة تَقول : " أنتَ أصبحتَ مُتقاعداً الآن، إِبعث لنا  بِرقم حِسابك المَصرفي لنُحوِّل لك َمَعاشَك التَّقاعُدي الشّهري، وإذا كانَت عِندك مُشكلة لأيّ سبب ، إتّصل بِنا على الرّقم التالي (......) لإجراء مُقابلة وإيجاد حلّ... ونُعْلِمُك أو نُذكّرك بأنّك بِتّ تَستفيدُ مِن العَطاءات التّالية :
" تَخْفيض بَدَل إيجار البَيت او الشّقة.
دَعم شَهري للإيجار.
مِن حَقّك أن تَطلب سَكناً من الضّمان الإجتماعي بسعرٍ رَمزي.
تَخفيض في فواتير الكَهرباء.
تَخفيض في رُسوم الإتّصالات .
الضّمان الصّحي شِبه مَجّاني.
طَبيب الأسنان شِبه مَجّاني هو الآخر ( مُلاحظة : إذا لَمْ تُراجِع طَبيب الأسنان خِلال سنة ، تَأتيك غَرامة ماليّة )"
   دولةُ بلجيكا ، لا يُوجد فيها بترول ولا فوسفات ولا معادن ، وإنّما يُوجدُ فيها مَسؤولون        لا يَسرقون...؟!
     وقِياساً ، في البَلد الذي أَصْبَحَ " نَفطيّاً " وبَقي الشّعبُ  " نفضيّاً " ، الإنسانُ المُستَمِرُّ في الخِدمَة لا يَعيش ، والإنسانُ المُحال على التّقاعُد لا يَحيا؟! ويَبقى السّؤال مَن المَسؤول ؟!
     كانَ مارشال شولمان يقول : " يُؤتى بالرّجال الجَيّدين مِن أَجل سِياسات سَيئة ..."
     أمّا عِندنا ، فيُؤتى بالرِّجال السَيئين مِن أَجل سِياسات جَيِدة ، حتّى صَارَت سياساتُنا تَتَشابَه معَ رجالاتِنا...؟!
     كيف كَلَّفَنا قِطاعُ الكَهرباء خَمسة وأربعين مِليار د.أ. لِنَنْعَمَ بالعَتمةِ الشّامِلة ؟ العلمُ نورٌ ، والنّورُ كَهرباء ، والكَهرباء خَطَر، إذاً علينا أن نَبقى في عَتمةِ الجَهل ...!!
   كيفَ فقَدَت الخَزينةُ ثَلاثين مِليار د.أ. مِن جَرّاءِ إِلزامِ مَصرف لُبنان الإلتزام  بِدعمِ المواد المَدعومة ( نفط- طحين- أدوية- مواد غِذائيّة ...) فاسْتَفاد مِن هذه السّياسة الفَاشلة تُجّار ومُهرّبون " مَدعومون " الى سوريا؟!
   كيفَ نَدعَمُ بمِليارات الدًّولارات عُملتَنا الوَطنيّة ورُغم ذلك تَنهارُ انهياراً عَظيماً تَجاوز ال 95% مِن قِيمَتِها ؟
   أينَ " الكابيتال كونترول " لِضَبْطِ التَّحاويل الماليّة إلى الخارِج ؟ فهل أصبح لزوم ما لا يلزَم بعد أن " ضرَب الذي ضَرَب ، وهرَب الذي هَرَب" ؟؟!!
   لماذا نُبقي على قانون السريّة المَصرفيّة ، فهل ما زِلنا بحاجة اليه ؟ الثّقَة فُقِدَت، الودائع نُهِبَت ، المصارف انتهَت ، باختصار ثقة مفقودة = مصارف غير موجودة...؟!
    كيفَ انخفضَ  "حجم الودائع" مِن أربعة وثلاثين مليار د.أ. الى ما دون العشرة مليارات؟ ولسُخرية القَدَر، هذا " الحجم " الذي أَوْصَلونا اليه هو أقلّ – على سبيل المثال – ممّا يملكه الأخوان ميقاتي والإخوة الحريري...؟! 
    فهَلْ لاحظتُم كيفَ تَشابَهت سِياساتُنا معَ رِجالاتِنا وأصبَحنا بِفَضْلِهِم – دامَ فَضْلُهُم – دَولةً تَعْتَاشُ مِنَ الإعاشَة ؟
هذا يُقدَّمُ لها القرطاسيّة !
وذاك يَجودُ عَليها بالموادِ الغِذائيّة !
وذلك يَتحنّنُ عليها بالأدوية والمَعدّات الطبيّة!
  دونَ أنْ نَنْسى المازوت المَوهوب لِتشغيل المِضخّات وإنارة الوِزارات والإدارات التي تَقوم – حتى – البَلديّات بِتنظيفها وكأنّها بَاتَت واحِدة من طُرُقاتها وأزقّتها وبُؤَرِها الصحيّة ...؟!
     عندما تَعتاشُ الدّولةُ مِن الإعاشَة ،  يَموتُ شَعبُها مِنَ المَجاعَة ويَتحوّل نَشيدُها الشّعبي إلى : " شِحّادين يا بَلدنا..." ؟!
     كُلُّ أزمَةٍ تَنشأُ عندنا، سببُها الخارِج ،  والحلُّ لها مِن الخارج ، هذا شعارُ مُسَبَّبيها؟!
     لماذا اللّجوء الى صندوق النّقد الدّولي والخضوع لشروطه القاسية والمُذَلّة؟
     لماذا لا تُجبر جماعة " الأوليغارشيّة" ، الأثرياء النّافذين سياسيّاً على إنشاء صندوق نقد وَطني كما وإجبار " المُحَوِّلين" على إعادة الأموال من الخارِج؟ 
    لماذا لا نُطَبّق قانون " الإثراء غير المشروع " وسُؤاله الشّهير " من أين لك هذا"؟
   لماذا لا نُنفِّذ قانون "الرّد وإعادة الحال الى ما كانت عليه" وإلاّ العِقاب ؟!
وليفهمَ المسؤولون  : " إنّ العاقلَ يسألُ نفسه عن سببِ أخطائهِ، يعترف بها  ويعتذرُ عنها...امّا المُغَفّل ،فيسألُ الآخرين..."؟!
   " دخلت امرأةٌ عَجوز على السّلطان سليمان القانوني تَشكو اليه جُنودَه الذين سَرقوا ماشيَتها فيما كانت نائِمة ، فقالَ  لها السّلطان ، كانَ عليك أن تَسهري على مَواشيك ولا تنامي، فأجابَت العَجوز : ظننتُكَ ساهراً عَلينا يا مولاي فنِمتُ مُطمئنَّة البال..."
    ... وأخيراً الرّحلة الرِئاسيّة ، عندنا ، قدْ شارَفت على نِهايتِها ، والسّيد الرئيس ، سيُغادِر قصرَ بعبدا الى قصرِه في الرّابية (؟؟؟!!!) حيثُ  الرّاحة والأمان ،  ولِيَنعم بالدّفء والدّواء والغذاء والماء والكهرباء ... أمّا شعبُهُ الذي كان عظيماً، فسَيستمرّ في رحلاتِ عَذابِه والتّنقّل من جُلجلة الى جُلجلة : من الجُوع الى المَجاعة ، من المَرض الى الوَباء ، من العَتمة الى الظُّلمة ، من الأُميّة الى الجهل ، من الإفلاس الى الإنهيار ، من البَرد الى الصّقيع ، من الحاجَة الى الفَقر ، من الإقامة الى التّشرُّد ، راكباً قوارِب المَوت ، ماخِراً عِباب البِحار بَحثاً عن وطنٍ فيه خَيمة ... فيهِ حَياة ؟!!
    الى هذا الشّعب الجَريح، نُهدي بعضاً من وَصيّة الشّاعر كريم عودة العراقي :
" لا تَشْكُ للناسِ جُرحاً أنت صاحِبُه
   لا يُؤلم الجرحُ ... الاّ مَنْ بِهِ ألمُ"
"فإن شَكَوتَ لِمَن طابَ الزّمانُ لهُ
  عَيناكَ تَغلي ومَن تَشكو لهُ صنَمُ"
وإذا شَكَوْتَ لِمَن شَكواكَ ...تُسعِدُهُ    
 أضَفْتَ جُرحاً لِجُرحكَ... إسمُهُ النَّدَمُ"
كُن فيلسوفاً ترى أنّ الجَميع هُنا
    يتقاتلون على عدمٍ وهُم عَدَمُ "