الوفد الأميركي: للحسم جنوب الليطاني ونزع السلاح البعيد المدى

يكاد لا يمر يوم من دون مفاجآت من الجانب الاسرائيلي، من التلويح بتوسعة الحرب، إلى تغيير وجهة الاستهدافات، وصولا الى اتهام رئيس الجمهورية بالتقصير في حسم مسألة سلاح حزب الله. 

اسرائيل تهدّد عسكريا وتنفّذ، وأميركا تساندها دبلوماسيّاً وسياسيّاً، وتضيّق على حزب الله بشتّى الطرق لمنعه من إعادة ترميم بنيته وتجفيف مصادر تمويلِه.

أما جديد المفاجآت الاسرائيلية، فهو ما نقلته وكالة رويترز عن مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين من أن "اسرائيل تضغط على الجيش اللبناني لتفتيش منازل في جنوب لبنان بحثًا عن الأسلحة"، لافتين إلى أنّ "الطلب الإسرائيلي قوبل بالرفض من قيادة الجيش اللبناني، تفادياً لإشعال نزاع داخلي وتقويض الاستراتيجية الدفاعية". 

الجيش اللبناني بين مطرقة الفتنة الداخلية وسندان الحرب

تتكتّم قيادة الجيش حول كل ما يحيط بمسألة خطة حصر سلاح حزب الله، نظراً لما لها من خصوصية وحساسيّة. وليست مداولات لجنة الميكانيزم حول الطلب الاسرائيلي بمداهمة منازل في الجنوب بحثاً عن سلاح سوى واحدة من النقاط التي تتحفّظ القيادة عن التعليق عليها. 

لكن بمعزل عن التأكيد الأمني من عدمه، تؤكد مصادر أمنية للمدن أن تفتيش المنازل والدخول إلى الممتلكات الخاصة لا يتمّ بصورة عشوائية، إنما يحتاج إلى قرار قضائي. وبالتالي فإنَّ القانون العام ينطبق على كل الأماكن الخاصة، حتى لو كانت تحتوي على سلاح. وفي الموازاة تقول مصادر أخرى إنَّ تاريخ أداء الجيش اللبناني وعقيدته وأخلاقياته  لا تسمح بأن يدهم الممتلكات الخاصة، أو أن يقدِم على خطوة قد تفجّر الشارع أو تحدث فتنة داخليّة، كاستباحة منازل النّاس.

أين يقف حزب الله من هذا المطلب؟ 

بالنظر إلى المسار الذي تتّبعه اسرائيل منذ بداية الحرب على لبنان، لا يبدو المطلب بمداهمة المنازل غريباً عن النهج الاسرائيلي. 

فاسرائيل ومن خلال الانذارات التي يوجهها دوماَ المتحدث باسم جيشها، تعتبر أن حزب الله لا يكتفي بتخزين السلاح في الأنفاق والوديان، وإنّما أيضاً بين الأبنية السكنية، وهو ما تتخذ منه ذريعة لضرب مبانٍ سكنيّة. 

لكن في مقابل التكتم الأمني اللبناني، تلفت مصادر سياسية محليّة مواكبة للحراك الخارجي باتجاه لبنان للمدن، إلى أن الحديث عن توسعة مهام الجيش لمداهمة منازل في الجنوب بحثاً عن أسلحة ليس بجديدٍ، وأن اسرائيل طالبت به منذ فترة. لكن الجيش اللبناني كان واضحاً بأن تفتيش أي مكان يتم بالتنسيق عبر لجنة الميكانيزم وبناءً على إحداثيات واضحة. 

هنا يتقاطع كلام هذه المصادر مع عدم نفي حزب الله عبر "المدن" لوجود هذا المطلب من قبل اسرائيل، التي "تسعى لإحداث شرخ بين الجيش اللبناني والناس". مصادر الحزب تعتبر أن المطلب الاسرائيلي يهدف إلى إحداث فتنة في الساحة اللبنانية وإلى حشر الجيش، لكنها في الوقت عينه تثمنّ حكمة قيادة الجيش بالتعاطي مع هذه المرحلة الدقيقة لاسيما منذ وضع خطة حصر السلاح. 

وعليه تعود المصادر لتذكَّر بما أورده حزب الله في كتابه المفتوح الى كلّ من الرؤساء جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام، وتحديدا في ما خص البند الثاني من اتّفاق 27 تشرين، الذي ينصّ على التالي: "اعتباراً من الساعة الرابعة فجر الأربعاء 27/11/2024 فصاعداً، ستمنع حكومة ‏لبنان حزب الله وجميع الجماعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية من تنفيذ أي ‏عمليات ضد إسرائيل، وإسرائيل لن تقوم بأي عمليات عسكرية هجومية ضد ‏الأراضي اللبنانية، بما في ذلك الأهداف المدنية أو العسكرية أو غيرها من الأهداف ‏التابعة للدولة، عن طريق البر أو الجو أو البحر". ‏

بهذا التذكير يهدف حزب الله إلى التأكيد أن من يخرق اتفاق 27  تشرين هو الجانب الاسرائيلي وأن اتهام حزب الله بالخرق هو فقط تبرير للعدوان. 

إسرائيل إذاً تصعّد بشتّى الطرق، وإلى جانبها حليفتها أميركا التي تعتبر في كواليس اللقاءات أن العمل الذي تقوم به الدولة اللبنانية لحصر السلاح غير كافٍ، وأنه لا بد من إيجاد حلّ لمسألة السلاح الموجود في الأملاك الخاصة والمناطق السكنية، إذ لا يجوز ان تقتصر عملية حصر السلاح على المشاعات والمناطق الحرجية، في حين أن الجيش اللبناني يعلن يومياً تفجير ذخائر، ويستكمل خطة احتواء السلاح في كل أنحاء لبنان، بموازاة حصر السلاح في جنوب الليطاني . كل ذلك ينفّذه الجيش باللحم الحي فيما لا تزال الوعود بعقد مؤتمرات لدعم المؤسّس العسكرية واهية.

الوقت يضيق أمام لبنان؟

لم يكن وصول وفد اميركي على مستوى مساعد الرئيس الأميركي لشؤون مكافحة الإرهاب سيباستيان غورغا ووكيل وزارة الخارجية لشؤون الإرهاب والجرائم المالية جون هيرلي، تفصيلاً. كان وفد وزارة الخزانة الاميركية واضحاً وحازماً في لقاء جمعه بعددٍ من النواب والوزراء في دارة النائب فؤاد مخزومي ليل الأحد، ومن له آذان فليسمع. 

فهم السياسيون اللبنانيّون الحاضرون أن الأميركيين سئموا الكلام والوعود، وهم اليوم يطالبون بأفعالٍ وبخطوات واقعية. من هنا أعطوا مهلة ستين يوماً للحكومة اللبنانية، لإظهار جديّة عبر إعطاء إشارات على أكثر من صعيد، خصوصاً بالنسبة إلى تجفيف مصادر تمويل حزب الله. 

وتنقل إحدى الشخصيات التي حضرت اللقاء عن غورغا تفهّمه أنه لا يمكن حصر السلاح في كل البلاد، والانتهاء من الإصلاحات المالية خلال ستين يوماً، لكن ما لم تعُد تتقبّله الولايات المتحدّة هو أن تبقى الحكومة اللبنانية في دوامة الدوران وتضعضع الموقف والوعود اللامتناهية المستمرّة منذ سنوات. وعليه تستنتج مصادر المجتمعين أن الترجمة تبدأ على الصعيد الأمني والعسكري بإنهاء مرحلة جنوب الليطاني والسيطرة على السلاح البعيد المدى الذي يهدّد أمن اسرائيل. 

ما كان لافتاً بالنسبة لأحد الحاضرين أن الضيوف الأميركيين لم يأتوا على ذكر إسرائيل ولا مسألة التفاوض بين تل أبيب وبيروت، لكنهم قالوا بالفم الملآن إن مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط وأنه على لبنان أن يلتحق بالقطار وينفّذ ما تعهّد به. أما في حال استمرت الحكومة في المماطلة فقد فُهم أن لبنان سيترك لمصيره، وأن أميركا لن تتدخّل للجم إسرائيل.