برّي المتفائل: لا اتفاق جديداً بل تطبيق الموجود

بين الأمس واليوم، اختلف المشهد في عين التينة. فرئيس مجلس النواب، نبيه بري، الذي كان قلقاً جراء الأجواء التي أشيعت عن لقاءات الموفد الأميركي توم باراك، بدا أمس أكثر ارتياحاً، وأشاع من حوله أجواء إيجابية ساهمت في تراجع منسوب القلق الذي رافق وجود باراك في بيروت.

أكثر من ساعة ونصف أمضاها باراك في حضرة رئيس المجلس، الذي قدّم له ما يشبه مضبطة اتهام لإسرائيل بالوقائع المجردة: عدوان إسرائيلي مستمر سقط جراءه 400 شهيد، طائرات الدرون لا تغادر الأجواء اللبنانية، ووضع سوريا المقلق. عرض بري مقاربته للأمور ونظرته إلى سبل الخروج من المأزق، وطلب من زوّاره التأمل في حديث ضيفه الأميركي لدى دخوله إلى عين التينة وبعد خروجه.

وصف باراك لقاءه مع رئيس المجلس بأنه كان "ممتازاً"، وقال: "نعمل قُدُماً للوصول إلى الاستقرار، وعليكم أن تتحلوا بالأمل". أما حديثه عن الضمانات فكان حمّال أوجه، إذ قال إن "المشكلة ليست في الضمانات"، جازماً: "سنصل إلى الاستقرار". جاء ذلك عقب جلسته المطوّلة مع بري، وتسلمه اقتراحات لم تكن منفصلة عن الورقة التي سلّمها رئيس الجمهورية أمس الأول.

وفي حديث إلى "المدن"، أكد بري تفاؤله، قائلاً: "إن باراك نفسه كان متفائلاً، وتفاؤلي مرده إلى تفاؤله"، واصفاً اللقاء مع الموفد الأميركي بـ"الممتاز"، ومشيراً إلى أن هذا الجو الإيجابي ساهم في تنفيس أجواء الخوف التي سادت في اليومين الماضيين.

وإذ آثر رئيس المجلس التكتم على أسباب التفاؤل وخلفياته، فقد نفى في المقابل التوصل إلى اتفاق جديد مع باراك، قائلاً: "لا اتفاق جديداً، بل هناك اتفاق موجود سنعمل على تطبيقه، وهذا من شأنه أن يوقف العدوان".

 

العودة إلى الاتفاق القديم

وإذا كان رئيس المجلس قد استعان بالكتمان حول الاتفاق مع باراك، فإن ما شهدته الساعات الماضية، أو بالأحرى مسار زيارة باراك من بعبدا إلى عين التينة، كفيل بتأكيد وجود "قطبة مخفية" نضجت معالمها في اللقاء الثنائي الذي جمع باراك برئيس الجمهورية. وقد اتسم اللقاء بالإيجابية، وبوجه خاص في ضوء ما اتُفق عليه بين عون وبري، وما أرسله عون إلى رئيس المجلس ليلاً.

وفي عين التينة، سمع باراك ما اتُفق عليه بين الرئيسين. ووفق المعلومات، فإن عون مهّد للقاء باراك مع بري، واصفاً إياه بأنه سيكون مفصلياً. وفي عين التينة، استمع باراك إلى هواجس مرتبطة بالوضع الأمني والعدوان الإسرائيلي، وربطاً بذلك، كان الحديث المركزي حول اتفاق وقف النار الذي تم التوصل إليه بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في كانون الأول من العام الماضي.

وتشير المعلومات إلى أن رئيس المجلس اقترح، ضمن الإطار اللبناني المتفق عليه، وقف الاعتداءات الإسرائيلية لفترة ستة أشهر، وبدء إسرائيل بالانسحاب تدريجياً، وبناء عليه يباشر لبنان حواراً جدياً مع حزب الله حول سحب السلاح. قدم بري اقتراحات مستندة إلى اتفاق وقف النار، وبنى عليها. طوال اللقاء، كان باراك منصتاً باهتمام، ووعد بأن يجيب عن المقترحات التي سمعها عبر سفيرة بلاده في لبنان، ليزا جونسون، بعد إنهائه زيارته إلى إسرائيل لمناقشة الأمر مع المسؤولين هناك.

وعُلم أيضاً أن الاتفاق سيكون موضع نقاش جديد بهدف التوافق على بعض البنود الواردة فيه. إنها مرحلة جديدة من "حبس الأنفاس" بانتظار ما ستقوله إسرائيل حول نقطتين أساسيتين: وقف العدوان لفترة محددة، والانسحاب -ولو جزئياً- من نقطة أو اثنتين كمرحلة أولى.

باراك، الذي يهمه تحقيق تقدم ويعكس إصرار بلاده على الاستقرار في لبنان، قد لا يكون بمقدوره الضغط على إسرائيل للالتزام بالمطلوب.

وفي حديثه المتلفز مساء أمس، قال إن "الخطوة الأولى هي توضيح التفاهم الذي وُضع منذ تشرين الثاني"، ورأى "تقدّماً زمنياً يسمح بإعادة صياغة الحل وتحسين الوضع الراهن بين حزب الله وإسرائيل وسائر مكونات الحكومة"، لكنه نبّه في المقابل إلى أن "الوقت يداهمنا"، في إشارة مبطنة إلى ما بعد فشل الاتفاق المحتمل.

تفاؤله في عين التينة لم ينعكس تماماً في حديثه المتلفز، وإن لم يخلُ من إشارات إيجابية. لكن ما قاله يستوجب الحذر، إلى أن يتسلم لبنان الجواب النهائي. فقد أقام في لبنان لثلاثة أيام، قابل خلالها الكثيرين، وقال الكثير، ومن ذلك إنه يتفهّم هواجس المسؤولين اللبنانيين حيال الوضع في سوريا. مشواره لم ينته بعد، ولقاءاته ستكون موضع تقييم بين الرؤساء، في انتظار اتصال منه أو عبر السفيرة جونسون خلال أيام قليلة.