بعد بروكسيل.. قمة بغداد الثلاثية تقصي لبنان: العلّة في الخيار السياسي

في العاصمة العراقية بغداد، عقدت امس، قمة ثلاثية ، بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، تناولت تعزيز التعاون الثلاثي المشترك في مختلف المجالات بين الدول الثلاث ودعم تنفيذ المشروعات الاستراتيجية وآلية التعاون الثلاثي، خاصة على المستوى السياسي والأمني. كما تناول الزعماء الثلاثة سبل تعزيز مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، بهدف تأسيس مرحلة جديدة من التكامل الاستراتيجي بين الدول الثلاث. وفي الملفات الاقليمية تباحثوا في مستجدات القضية الفلسطينية، وسد النهضة ومكافحة الارهاب والتوصل الى حل سياسي لأزمة سوريا.

قد تحمل القمة الثلاثية في طياتها وبين سطورها رسائل متعددة الاتجاهات في توقيت بالغ الحساسية تمضي فيه المنطقة عموما نحو مقاربات جديدة وتحولات في مسار السياسات الدولية تجاهها لتؤكد الرغبة العراقية الجامحة في تثبيت عروبتها والتفلت من "براثن" ايران وقبضتها على بغداد، اذ يكفي حضور الدولتين الاردنية والمصرية، بما تمثلان على مستوى الحضور العربي الفاعل والمؤثر، على الارض العراقية للدلالة الى الارادة الملموسة في رفض التبعية للمحور الايراني ووضع حد لتدخلات طهران في القرار العراقي، فمجرد عقد القمة يؤكد استعادة بغداد الثقة العربية بها، وهي البداية لما سيكون عليه هذا البلد بعد سنوات من الفوضى كانت لطهران اليد الطولى فيها.

وفيما حسمت الدولة العراقية قرارها وخيارها العربي وبدأت مسار العودة الى السكة الصحيحة، فإن لبنان الذي يحتل المرتبة الثانية بين الدول الاربع التي اعلنت ايران سطوتها عليها، لا يتعظ ولا يجد من يصوّب خياره السياسي الخاطئ اساس كل علة، وقد كلفه حتى الساعة انهيارا مدوّيا لم يشهد له مثيلا في تاريخه بفعل التخلي عن عروبته لمصلحة الفارسي، وفق ما تقول مصادر دبلوماسية عربية لـ"المركزية" وقد تكرّس هذا الخيار مع بداية العهد الحالي الذي يرفع لواء الاتجاه نحو الشرق وتبني الخيار المشرقي في حين ان دول الشرق هذه لا تعيره اهمية ولا تطرح قضاياه على جداول اعمال قممها، وها هي قمة بغداد لم توجه اليه الدعوة للمشاركة وناقشت كل ملفات الاقليم ذات الاهمية باستثناء ملفه، على رغم فداحة ازمته وتهديده وجوديا، وهذا ان دل الى شيء فالى اليأس العربي والدولي من خياره الخاطئ وعدم ايجاد بصيص امل بامكان إعادته الى سكته العربية الصحيحة ما دام القرار الرسمي والكلمة لذراع ايران فيه، حزب الله.

وتضيف، لم يعد من مجال للشك ان علّة ازمة لبنان تكمن في هذا الخيار تحديدا وليس في اي مكان آخر يحاولون ايهام اللبنانيين به، لا بعدد الوزراء المسيحيين ولا باستعادة حقوق طائفة ولا باعادة اموال منهوبة شاركت في نهبها كل المنظومة. صحيح ان الفساد معشش في عروق الدولة واداراتها والمحسوبيات والمصالح الفئوية اسهمت بقوة في الانهيار، غير ان المسؤولية الكبرى تقع على من تسبب بـ"تهشيل" الاخوة العرب الذين لطالما شكلوا الشريان الحيوي للبنان اقتصاديا وماليا وسياحيا، لمصلحة محور ايران الذي لا يرى في لبنان سوى ورقة يستخدما في حروبه العبثية اقليميا ودوليا وفي بازارات المفاوضات النووية.

وتوضح المصادر ان عبثا يحاول اللبنانيون الخروج من المستنقع الذي اغرقتهم فيه سلطتهم بخيارها السياسي الخاطئ، لان احدا من الدول العربية والغربية لن يمد لهم يد العون ما داموا يدورون ويمعنون في الدوران في المحور الممانع، بدليل ان القمة الاوروبية التي انعقدت في بروكسيل وراهنوا على انها ستطرح بقوة ملف لبنان، لم تبحثه حتى، ليقينها ان كل دواء ستصفه سيذهب سدى ولن يداوي المرض العضال الذي لا علاج له سوى بعودة لبنان الى مساره العربي وحياده ودوره التاريخي الذي شكل حجر الرحى في ازدهاره في السنين الخوالي.

اذا كان من اهتمام دولي بلبنان بعد، فهو يقتصر على موقعه الجغرافي قرب اسرائيل لضمان امنها واستقرارها ليس الا، وخلاف ذلك اضغاث احلام، تختم المصادر.